تحقيق: فاطمة خشاب درويش
التميّز الدراسي والتفوّق العلمي أو تحصيل المراتب الأولى في الامتحانات الرسمية، كلمات تكاد تختصر تطلّعات وهواجس الأهل وتُلامِس بعمقها آمال الطلاب. يطرح التربويّون العديد من الإشكاليّات حول التميّز الدراسي والتفوّق العلمي تتلخص بأسئلة منها: هل نستطيع أن نصنع طالباً متفوقاً في حال وفّرنا له الظروف والإمكانيّات سواء كأهل أم كمدرسة؟ وهل يعتبر الأساس في التميز تلك الملكات والقدرات الربانية التي يعطيها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده؟ وأيُّ دور للمؤسسة التربوية في تنمية الحسّ التميّزي للطالب؟ وأسئلة غيرها سنحاول الإجابة عنها خلال هذا التحقيق.
*مفهوم التفوق
التفوق في اللغة: تفوّق عليه: علاه وكان أفضل منه. تفوقه: ترفع عليه.
مفهوم التفوق الإنساني العام: إنّه درجةٌ من الإتقان المرتفع للقدرات العقلية التي تظهر من خلال المهارات, والتي يتم تطويرها بشكل منتظم من خلال الأنظمة والمؤثرات الداخلية للفرد والمؤثرات الخارجية المحيطة به.
مفهوم التفوق الدراسي: هو بلوغ الطالب مستويات عالية في العلم والمعرفة مقترنة بتحقيق نتائج دراسيّة مميزة.
*أهمية التفوق العلمي
تشرح الاختصاصية في الإدارة التربوية الأستاذة فاطمة نصر الله موضوع التفوق إنطلاقاً من أهميته في حياة البشر على مرّ التاريخ "هناك أشخاص برزوا في الحياة أو على مرّ التاريخ وكانت لهم بصماتهم التي استطاعوا من خلالها أن يُحدثوا تغييراً ما في حياة الناس خاصة, والبشرية والتاريخ عامةً. على هذا الأساس، يمكننا القول إن للمتفوّقين بصمة بارزة في تغيّر المجتمعات وتطورها. فالمواهب في البداية تكون قُدرات خاماً أو مكوّنات أساسيّة لتشكيل التفوّق لاحقاً. وفي حال حصول الطالب على المؤثرات الإيجابيّة الداعمة لنموّ وتطوّر تلك المواهب، يسير في درب التفوّق. فالطالب لا يمكن أن يكون متفوقاً ما لم يكن موهوباً, حيث إنه من الممكن للموهوب أن لا يكون متفوقاً".
الأخصائية فاطمة نصر الله |
وتشدّد نصر الله على أهميّة أن يُدرك التربويّون أن هناك قُدرات بشرية أخرى يحتاجها الفرد أو المجتمع، مثال: القدرة على الابتكار والإبداع والإنتاج أو القدرة على إيجاد الحلول التطبيقية لمشكلات واقعية, فإن المدرسة هنا تكون قد فتحت باب التفوق على مصراعَيْه لتدخل الطلاب في تحديّات تعليميّة / تعلّميّة وتحديّات حياتية بعيدة كل البعد عن القولبة في إطار نظام العلامات المُعتمد فقط كوحدة قياس.
وتضيف الأستاذة فاطمة نصر الله: "فالتفوق قد ينسحب على كافّة المواد الأخرى, وهذا ما يتطلّب من المعلّم الكفوء ملاحظة ميول الطلّاب الحقيقيّة والعمل عل تحفيزها وتنشيطها من خلال البرامج الإضافية الخاصة والموجهة وتشجيعهم على ممارسة عمليّات التفكير والإبداع. كما أنّ لشخصية المعلّم الجاذبة والفعّالة الأهميّة البالغة في المساعدة على تحقيق التفوق عند طالب ما نظراً لما لعلاقة الود والإلفة بين المعلم والطلاب من أثر إيجابي في الوصول إلى الأهداف المرجوة".
وتشدّد على أهمية التنسيق بين الأهل والمدرسة, للعمل وفق خطة مشتركة يكون الأهل فيها على دراية تامّة بالبرامج والأنشطة التي تقدّم لولدهم، والتي قد يكون لها استكمال وتتابع في المنزل.
*التفوّق لا ينمو بدون رؤية تربوية
يرى مدير ثانويّة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - الحدث، الأستاذ هشام شمعوني "أنّ التفوق هو موهبة ونِعمة ربّانية، تحتاج للكثير من المساعدة والمساندة حتى تثمر وتستمر". وحول دور المدرسة في هذا السياق يؤكد شمعون
الأستاذ هشام شمعوني |
ي على الدور الكبير للمدرسة في موضوع التفوق، فالمدرسة هي الأساس لأنها تنمّي حسّ التميّز عند الطالب من خلال البرامج والخطط، وهي تساعد الأهل على التعاطي السليم والصحيح مع أبنائهم لجهة الاستفادة من أوقاتِهم وتمضيتِها بالطريقة المناسبة.
ويتابع شمعوني "التفوق أو التميّز الدراسي هو نتيجة طبيعيّة لِسير العمليّة التعليميّة والتعلّمية للطالب".
وتضع مدارس المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف برامج خاصة للمتفوقين، وتفتح لهم الآفاق الواسعة من خلال تسهيل مشاركات طلابها المميزين في مسابقات مع باقي المدارس أو حتى في مسابقات دوليّة. ويشير مدير ثانويّة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - الحدث إلى مشاركة الطالب مهدي رائف رضا في أولمبياد الرياضيات في الجمهورية الإسلامية في إيران.
*الأهل والتفوق
"التفوق الدراسي لفاطمة في المرحلة الثانوية ليس وليد لحظة، بل هو نتيجة جهد ومثابرة عمرهما سنوات ربما تمتد على طول عمرها" بهذه العبارة تلخّص والدة فاطمة تجربة التفوق عند ابنتها فتستذكر مواقف عاشتها معها منذ الصغر، ففاطمة كانت تهوى العلم والتعلّم حتى ما قبل دخولها إلى المدرسة.
وتقول والدة فاطمة: "منذ المراحل التعليمية الأولى شارَكَتْ في العديد من المسابقات الدينيّة والتعليميّة وكانت دائماً تحصد المراتب الأولى. لم نفرض عليها أن تكون متفوّقة إنّما هي كانت تسعى لتحتلّ المرتبة الأولى بين أقرانها".
*كيف نزرع حبّ التفوق وننمّيه في نفوس أبنائنا؟
تجيب الاختصاصية في الإدارة التربويّة عن هذا السؤال من خلال الخطوات التالية:
1 - أنْ نؤمن جميعاً أن لكل منا الإمكانيات والقدرات التي من شأنها أن تجعل منّا متفوقين في يوم من الأيام.
2 - أنْ يعي الأهل مسؤوليتهم التربوية اتجاه أبنائهم بالبحث عن نقاط القوة في مواهبهم وإمكانياتهم والعمل على تنميتها واحتضانها.
3 - أنْ لا يقارن المعلمون والأهل أطفالاً أو أفراداً بآخرين, فلكلٍ خاصيّتُه وتميُّزه.
4 - أنْ يعلم الاهل والمربون أن التحفيز عملية أساسية في إبراز التفوق والحفاظ عليه.
5 - أنْ يعمل الأهل والمؤسسات التربوية على إغناء بيئة الأولاد والطلاب بالوسائل والأدوات التي من شأنها أن تساعد على تحقيق التفوق.
6 - أنْ نساعد أبناءنا على وضع الأهداف القابلة للتحقق البعيدة عن الوهم والخيال .
7 - أنْ نحرص على أن تكون مادة التفوق أمراً محموداً بعيداً عن التهور والعبث والفوضى، كما يصور لنا بعض وسائل الإعلام غير المسؤولة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " قيمة المرء ما يحسنه".