مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

التفوق: موهبة وجهد

تحقيق: فاطمة خشاب درويش

التميّز الدراسي والتفوّق العلمي أو تحصيل المراتب الأولى في الامتحانات الرسمية، كلمات تكاد تختصر تطلّعات وهواجس الأهل وتُلامِس بعمقها آمال الطلاب. يطرح التربويّون العديد من الإشكاليّات حول التميّز الدراسي والتفوّق العلمي تتلخص بأسئلة منها: هل نستطيع أن نصنع طالباً متفوقاً في حال وفّرنا له الظروف والإمكانيّات سواء كأهل أم كمدرسة؟ وهل يعتبر الأساس في التميز تلك الملكات والقدرات الربانية التي يعطيها الله سبحانه وتعالى لمن يشاء من عباده؟ وأيُّ دور للمؤسسة التربوية في تنمية الحسّ التميّزي للطالب؟ وأسئلة غيرها سنحاول الإجابة عنها خلال هذا التحقيق.

*مفهوم التفوق
التفوق في اللغة: تفوّق عليه: علاه وكان أفضل منه. تفوقه: ترفع عليه.
مفهوم التفوق الإنساني العام: إنّه درجةٌ من الإتقان المرتفع للقدرات العقلية التي تظهر من خلال المهارات, والتي يتم تطويرها بشكل منتظم من خلال الأنظمة والمؤثرات الداخلية للفرد والمؤثرات الخارجية المحيطة به.
مفهوم التفوق الدراسي: هو بلوغ الطالب مستويات عالية في العلم والمعرفة مقترنة بتحقيق نتائج دراسيّة مميزة.

*أهمية التفوق العلمي
تشرح الاختصاصية في الإدارة التربوية الأستاذة فاطمة نصر الله موضوع التفوق إنطلاقاً من أهميته في حياة البشر على مرّ التاريخ "هناك أشخاص برزوا في الحياة أو على مرّ التاريخ وكانت لهم بصماتهم التي استطاعوا من خلالها أن يُحدثوا تغييراً ما في حياة الناس خاصة, والبشرية والتاريخ عامةً. على هذا الأساس، يمكننا القول إن للمتفوّقين بصمة بارزة في تغيّر المجتمعات وتطورها. فالمواهب في البداية تكون قُدرات خاماً أو مكوّنات أساسيّة لتشكيل التفوّق لاحقاً. وفي حال حصول الطالب على المؤثرات الإيجابيّة الداعمة لنموّ وتطوّر تلك المواهب، يسير في درب التفوّق. فالطالب لا يمكن أن يكون متفوقاً ما لم يكن موهوباً, حيث إنه من الممكن للموهوب أن لا يكون متفوقاً".

 الأخصائية فاطمة نصر الله
وحول أهميّة التفوق في حياة الطالب تقول نصر الله: "للتفوق العلمي في حياة الطالب أهمية بالغة, ولعل هذه الأهمية تمكّننا في مرحلة من مراحل الحياة الدراسية للطلاب أن نعتبرها نوعاً من الطموح المشترك بين معظم الطلاب الجادين في الدراسة والتحصيل. هذا إذا سلّمنا جدلاً أنّ التفوّق الإنساني محصور فقط بالناحية الدراسية".

وتضيف: "لذلك فإن الطالب بمجرّد أن يحصل عنده الشعور بالتفوق من خلال رصده للنتاجات الإبداعية التي يقدّمها في عالم المدرسة, والتي طبعاً لا بد وأن تعرض على نظام التقييم المعتمد في المؤسسات التعليمية, حيث إنه ومن خلال التقييم يتبيّن أنّ الطالب قد تخطّى أعلى مستويات التقييم ليكون ما قدمه هو الأفضل على الإطلاق. هنا يبدأ الطالب بتلمّس أهمية تفوّقه من خلال الرضى عن ذاته مما يحثّه على تقديم المزيد من التعب والكدّ والجديّة".

*تجربة مميزة
فاطمة زين الدين، نموذج للطالبة المتفوّقة، والمدركة لأهميّة العِلم في مسيرة الإنسان. أنهت هذا العام بتفوّق دراستها الثانوية في المؤسسة الإسلاميّة للتربية والتعليم - مدارس المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - الحدث. وحازت في الامتحانات الرسمية على المرتبة الرابعة في فرع علوم الحياة. ذاقت فاطمة طعم التفوّق منذ صغرها، وكلّ من عرفها من معلّمين ورفاق لاحظ تلك القدرات والمهارات التي تعتبرها فاطمة "نعمة ربّانية غالية جداً".
لا تختلف فاطمة عن بنات جيلها، فهي تشاهد التلفاز وتزور الأقارب مع الأهل وتمضي أوقاتاً مع إخوتها ، كما أنها تواكب التطور وتستخدم الإنترنت وتتحدث مع صديقاتها من خلال الواتس آب. ولكن، كل ذلك بقدر ونظام ولا يلهيها عن هدفها الأساس في الحياة... التفوق.

فماذا تقول فاطمة زين الدين عن تجربتها؟
"تربيت في جو من العلم والتفوق. منذ صغري وأنا أنظر إلى إخوتي ووالديّ يقرأون ويتعلّمون ويتسابقون في طلب العلم. سنة بعد سنة صرت أعرف قيمة التفوق العلمي وصرت أسعى له بكل ما أوتيت من جهد للوصول إلى هذه المرتبة ولأصنّف في خانة المتفوقين".

*متابعة، دقّة... وصبر
وتضيف: "حياة المتفوق تختلف بتفاصيلها عن حياة الطالب العادي، فالتفوق ليس مستحيلاً ولكنه يتطلب الكثير من المتابعة والدقّة في التحصيل. ولا يعني ذلك أن نعيش في عالم الدرس فقط، بل علينا أن نحدّد أولوياتنا في التعاطي مع كل ما يحيط بنا".

وحول مقومات التفوق تعتبر فاطمة أن أساس التفوق هو التوفيق الرباني "فتح لنا الله سبحانه وتعالى أبواباً كثيرة في هذه الحياة ويمثل التفوق باب من هذه الأبواب، وبعد توفيق الله يأتي دعم ووعي أسرتي التي يسودها جو من العلم والتعلّم فضلاً عن عامل الصبر الذي يجب أن يتحلّى به كل طالب علم، فالصبر مهمّ جداً خاصة عندما يكون الإنسان مخيّراً بين الدرس وأمور أخرى، كما أن تنظيم الوقت يعتبر من العوامل المساعدة في هذه المسيرة".
وعند سؤالها عن الشخصية التي أثرت بها ودعمتها تقول فاطمة: "أنا متأثّرة جداً بسيرة الأئمة عليهم السلام، هذه الشخصيات التي تميزت بعلومها وتقديرها للعلوم لا سيما الإمامين الباقر والصادق عليهما السلام".
تطمح فاطمة أن تصبح طبيبة أطفال، وسلاحها قاعدة تضعها نصب أعينها "لا يدرك العلم براحة الأجساد" فمن يريد أن يتفوق، عليه أن يعيد ترتيب الأولويات ويفرد متسعاً من الوقت للتحصيل العلمي. وتعرب فاطمة عن بالغ فرحتها بتحصيلها المرتبة الرابعة على صعيد لبنان في فرع علوم الحياة وتهدي هذا النجاح لأسرتها ومعلّميها ولإدارة المؤسسة الإسلامية للتربية والتعليم - مدارس المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف.

*دور المدرسة في تحقيق التفوق
تعتبر الاختصاصية في الإدارة التربويّة الأستاذة فاطمة نصر الله أنّ للمدرسة بما لديها من إمكانيّات تربويّة، وخبرات تعليمية دوراً هاماً في تنمية بذور التفوّق، لا سيما إذا أدرك القيّمون على العمليّة التعليميّة ذلك "فالتفوق المقصود تحقيقه عند الطلاب ليس محصوراً بتخزين المعلومات التي غالباً ما يلجـأ التعليميّون إلى قياسها، وفق نظام العلامات المقترن بنظام المناهج التعليميّة الثابتة".

وتشدّد نصر الله على أهميّة أن يُدرك التربويّون أن هناك قُدرات بشرية أخرى يحتاجها الفرد أو المجتمع، مثال: القدرة على الابتكار والإبداع والإنتاج أو القدرة على إيجاد الحلول التطبيقية لمشكلات واقعية, فإن المدرسة هنا تكون قد فتحت باب التفوق على مصراعَيْه لتدخل الطلاب في تحديّات تعليميّة / تعلّميّة وتحديّات حياتية بعيدة كل البعد عن القولبة في إطار نظام العلامات المُعتمد فقط كوحدة قياس.
وتضيف الأستاذة فاطمة نصر الله: "فالتفوق قد ينسحب على كافّة المواد الأخرى, وهذا ما يتطلّب من المعلّم الكفوء ملاحظة ميول الطلّاب الحقيقيّة والعمل عل تحفيزها وتنشيطها من خلال البرامج الإضافية الخاصة والموجهة وتشجيعهم على ممارسة عمليّات التفكير والإبداع. كما أنّ لشخصية المعلّم الجاذبة والفعّالة الأهميّة البالغة في المساعدة على تحقيق التفوق عند طالب ما نظراً لما لعلاقة الود والإلفة بين المعلم والطلاب من أثر إيجابي في الوصول إلى الأهداف المرجوة".
وتشدّد على أهمية التنسيق بين الأهل والمدرسة, للعمل وفق خطة مشتركة يكون الأهل فيها على دراية تامّة بالبرامج والأنشطة التي تقدّم لولدهم، والتي قد يكون لها استكمال وتتابع في المنزل.

*التفوّق لا ينمو بدون رؤية تربوية
يرى مدير ثانويّة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - الحدث، الأستاذ هشام شمعوني "أنّ التفوق هو موهبة ونِعمة ربّانية، تحتاج للكثير من المساعدة والمساندة حتى تثمر وتستمر". وحول دور المدرسة في هذا السياق يؤكد شمعون

 الأستاذ هشام شمعوني

ي على الدور الكبير للمدرسة في موضوع التفوق، فالمدرسة هي الأساس لأنها تنمّي حسّ التميّز عند الطالب من خلال البرامج والخطط، وهي تساعد الأهل على التعاطي السليم والصحيح مع أبنائهم لجهة الاستفادة من أوقاتِهم وتمضيتِها بالطريقة المناسبة.
ويتابع شمعوني "التفوق أو التميّز الدراسي هو نتيجة طبيعيّة لِسير العمليّة التعليميّة والتعلّمية للطالب".

وتضع مدارس المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف برامج خاصة للمتفوقين، وتفتح لهم الآفاق الواسعة من خلال تسهيل مشاركات طلابها المميزين في مسابقات مع باقي المدارس أو حتى في مسابقات دوليّة. ويشير مدير ثانويّة المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف - الحدث إلى مشاركة الطالب مهدي رائف رضا في أولمبياد الرياضيات في الجمهورية الإسلامية في إيران.

*الأهل والتفوق
"التفوق الدراسي لفاطمة في المرحلة الثانوية ليس وليد لحظة، بل هو نتيجة جهد ومثابرة عمرهما سنوات ربما تمتد على طول عمرها" بهذه العبارة تلخّص والدة فاطمة تجربة التفوق عند ابنتها فتستذكر مواقف عاشتها معها منذ الصغر، ففاطمة كانت تهوى العلم والتعلّم حتى ما قبل دخولها إلى المدرسة.
وتقول والدة فاطمة: "منذ المراحل التعليمية الأولى شارَكَتْ في العديد من المسابقات الدينيّة والتعليميّة وكانت دائماً تحصد المراتب الأولى. لم نفرض عليها أن تكون متفوّقة إنّما هي كانت تسعى لتحتلّ المرتبة الأولى بين أقرانها".

*كيف نزرع حبّ التفوق وننمّيه في نفوس أبنائنا؟
تجيب الاختصاصية في الإدارة التربويّة عن هذا السؤال من خلال الخطوات التالية:
1 - أنْ نؤمن جميعاً أن لكل منا الإمكانيات والقدرات التي من شأنها أن تجعل منّا متفوقين في يوم من الأيام.
2 - أنْ يعي الأهل مسؤوليتهم التربوية اتجاه أبنائهم بالبحث عن نقاط القوة في مواهبهم وإمكانياتهم والعمل على تنميتها واحتضانها.
3 - أنْ لا يقارن المعلمون والأهل أطفالاً أو أفراداً بآخرين, فلكلٍ خاصيّتُه وتميُّزه.
4 - أنْ يعلم الاهل والمربون أن التحفيز عملية أساسية في إبراز التفوق والحفاظ عليه.
5 - أنْ يعمل الأهل والمؤسسات التربوية على إغناء بيئة الأولاد والطلاب بالوسائل والأدوات التي من شأنها أن تساعد على تحقيق التفوق.
6 - أنْ نساعد أبناءنا على وضع الأهداف القابلة للتحقق البعيدة عن الوهم والخيال .
7 - أنْ نحرص على أن تكون مادة التفوق أمراً محموداً بعيداً عن التهور والعبث والفوضى، كما يصور لنا بعض وسائل الإعلام غير المسؤولة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " قيمة المرء ما يحسنه".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع