مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

حديث وقصة: الموعظة والمتّعظ


رُوي أن صاحباً لأمير المؤمنين عليه السلام يقال له همام كان رجلاً عابداً، فقال: "يا أمير المؤمنين صف لي المتقين حتى كأني أنظر إليهم". فتثاقل عليه السلام عن جوابه، ثم قال: "يا همام اتق الله وأَحسن فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون". فلم يقنع همام بهذا القول حتى عزم عليه، فحمد الله وأثنى عليه وصلَّى على النبي وآله وبدأ بوصف المتقين في خطبته المشهورة، فما أن انتهى حتى صُعق همام صعقةً كانت نفسُه فيها. فقال أمير المؤمنين عليه السلام: "أَما والله لقد كنت أَخافها عليه". ثم قال: "هكذا تصنع المواعظ البالغة بأهلها". فقال له قائل: فما بالك يا أمير المؤمنين؟!
فقال عليه السلام: "ويحك إن لكل أَجل وقتاً لا يعدوه وسبباً لا يتجاوزه، فمهلاً لا تعُدْ لمثلها، فإنما نفث الشيطان على لسانك".

الموعظة حياة القلوب الوالهة. والمؤمن لا ينفك عن الحاجة إلى سماع المواعظ البليغة التي تهب عليه من سماء الغيب بنسائم القدس، لتعرج به من سجن المادة والشهوات إلى ساحات اللقاء والقرب.
ولذلك كان لا بد من اختيار الموعظة المؤثرة الجامعة لأبعاد التأثير المختلفة من عمق الفكرة وسهولة العرض وبلاغة التعبير ورقة الصوت وعذوبة اللحن. وهكذا فعل همام، وذلك الرجل العابد، فقد ألّح على أمير المؤمنين عليه السلام أن يصف له المتقين المسارعين إلى جوار عز القدس والسالكين في قافلة العاشقين للقاء والأنس. ومن شدة شوقه لم يقدر على معاينة الحقيقة بأكملها، فخرّ صعقاً، وذهِل عن هذه الدنيا لما تاقت إليه نفسه وشاهدته روحه.
ولكن، في الحديث قصة أخرى! هي موقف ذلك المتكلم بكلام الأبالسة الشياطين، والمتجرئ على مولاه أمير المؤمنين الذي لم يراع لسيد المتقين حرمة ولم يدرك من عظمة وجوده فكرة. فخرج من الخطبة ذاهلاً عن الآخرة متأبطاً شر الشيطان قد انطفت شعلة قلبه، وزالت مصابيح أنواره، فمات واعظ الله في روحه.


ومن هنا نفهم أن العبرة ليست في الواعظ والموعظة فقط بل في المتعظ أيضاً، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "من لم يكن له من نفسه واعظاً، فليس له من واعظ"
وما أكثر الذين صحبوا الرسول في حياته وسمعوا عظيم كلامه ورواياته ثم لم قبض انقلبوا على أعقابهم وارتدوا على أدبارهم فرجعوا خاسرين، ولم تنفعهم مواعظه ولم يستضيئوا بنور حكمته.
وما لم تتأجج نيران الشوق إلى المحبوب في قلب السامع، وإذا لم يأخذ السالك من وادي العشق جمرة، فإن أسرار الوجود الكامنة في كتاب المحبوب لن تنفعه، بل تزيده خسراناً، كما قال الله تعالى في كتابه الكريم عن كتابه: ﴿يضل به من يشاء ويهدي به من يشاء
وقال عز من قائل: ﴿فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله..

وهذا أمير المؤمنين عليه السلام ينادي قائلاً: ".. كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول:﴿تلك الدار الآخرة... بلى والله لقد سمعوها ووعوها!! ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها.."

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع