مع الخامنئي | التبيين في نهج السيّدة الزهراء عليها السلام* تسابيح جراح | من الانفجار... وُلد عزّ لا يُقهر عمائــــــم سلكت درب الشهادة (1) مناسبة | التعبئة روح الشعب الثوريّة مجتمع | متفوّقون... رغم الحرب آخر الكلام  | إلى أحمد الصغير القويّ قيم الحياة الزوجيّة في سيرة أهل البيت عليهم السلام سيرة آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم نموذجُ الحياة الطيّبة الإمام عليّ عليه السلام مظهرُ العدالة والإصلاح برّ الوالدين في سيرة أهل البيت عليهم السلام

الشهيد على طريق القدس القائد محمد سكافي

أمراء الجنّة | الشهيد على طريق القدس القائد محمد رشيد سكافي (الحاج مصعب)
نسرين إدريس قازان


الاسم الجهاديّ: الحاجّ مصعب.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل وله ستّة أبناء.
تاريخ الولادة ومحلّها: 13-4-1965م/ كفر صير.
تاريخ الشهادة ومحلّها: 3-10-2024م.

 

يبدو وكأنّه يروي لنا قصّة الدنيا بأسرها. تتلألأ عيناهُ وهو ينقلنا من مشهد إلى آخر، كمن يحمل كاميرته ليلتقط أجمل اللحظات وأصدقها من حياة أخيه ومعلّمه.
المخرج مهدي سكافي كان رفيق رحلتنا في التعرّف على الحاجّ «مصعب»، مسؤول وحدة الاتّصالات المركزيّة في المقاومة الإسلاميّة، وقد بدأ حديثه بلفتةٍ مؤثّرة: «عندما استشهد أخي، تذكّرت شهادة الصحابيّ الجليل مصعب بن عمير، الذي قُطعت يده اليمنى في غزوة أُحد، فقاتل باليسرى حتّى قُطعت أيضاً، ثمّ استشهد بضربة في الصدر. وكذا الحاجّ مصعب، إذ ظلّ يتابع عمله بعد إصابته بحادثة «البيجرز» في يديه، حتّى استشهد.

• مهام وخطورة
تُعرف وحدة الاتّصالات بأنّها بمثابة الجهاز العصبيّ المركزيّ في حزب الله، ويذكّرنا الأخ مهدي: «لقد خلصت لجنة (فينوغراد)، المتخصّصة بدراسة أسباب الفشل العسكريّ الإسرائيليّ في حرب تمّوز 2006م، إلى أنّ سبب نجاح حزب الله هو منظومة القيادة والسيطرة المبنيّة على شبكة اتّصالات آمنة»، لذا، كان لا بدّ من أن يضع العدوّ هذه الوحدة تحت مجهر الاستهداف بشتّى الطرق على مدى سنوات، وهذا التحدّي الكبير كان يواجهه الحاجّ مصعب بالمتابعة الدقيقة، بحيث كانت معركته قائمة على إحراز الإنجازات في الصراع مع العدوّ الصهيونيّ».
كيف تشكلّت هذه الشخصيّة التي تحمل جرأة التحدّيات؟ نسأل، فيجيبنا الأخ مهدي: «انتهت مرحلة الطفولة في حياة الحاجّ محمّد في عمر الثانية عشرة، فقاده وعيه المبكّر إلى المسجد، ومن ثمّ إلى الالتحاق بالشباب المؤمن، وحضور الدروس الثقافيّة في مركز اتّحاد الطلبة المسلمين، فتشكّل وعيه الدينيّ والسياسيّ آنذاك، وتأثّر بثورة الإمام الخمينيّ العظيم، وأدرك المخاطر المحدقة بالمنطقة، فأراد أن يخضع لدورة عسكريّة مع منظّمة (الصاعقة لتحرير فلسطين)، وذلك في عهد الإمام المغيّب موسى الصدر، ولكنّ الوالد رفض ذلك لصغر سنّه. فالتحق بأوّل دورة عسكريّة للمقاومة الإسلاميّة في العام 1982م، وبدورة المدفعيّة في مركز (العزاريّة) في حي ماضي، وقد شارك في التصدّي للاجتياح الإسرائيليّ ولكن ليس كمقاتل، بل كمجاهد لوجستيّ، إذ عمل على تأمين المعدّات والتجهيزات ونقلها إلى قرى الجنوب، وذلك بسبب حادثة تعرّض لها في قدمه منعته عن التحرّك بحرّيّة».


وكان عبور الحواجز الإسرائيليّة أكثر صعوبة من المواجهة المباشرة مع الجنديّ الإسرائيليّ، وهذا ما كان يواجهه، فصار يتنقّل من بيروت مكان سكنه، إلى كفرصير مسقط رأسه، حيث بدأ ورفاقه بتجهيز أماكن لتخزين السلاح، ويكمل الأخ مهدي: «لم يقتصر عمله في ذلك الوقت على العمل العسكريّ، بل أسّس نادياً إسلاميّاً في القرية، استقطب فيه الشباب والرجال والنساء، إلى أن اعتقله العدوّ الإسرائيليّ في العام 1984م، فأمضى عاماً واحداً في معتقل أنصار، ليخرج منه بعد انقضاء المهلة مباشرة إلى البقاع، حيث التقى بسماحة السيّد الشهيد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)، وأخذ منه التوجيهات العمليّة اللازمة، التي قرنها بشغفه لمتابعة دراسته في اختصاص الإلكترونيك».

• إبداع في العمل
ما بين العمل والدراسة، أمضى الحاجّ مصعب أيّامه وهو يخطّطُ لما يمكن أن يقدّمه للمقاومة، فاحتياجاتها كثيرة، ونقص الموارد دفعه لأن يبدع في عمله، بعد أن تسلّم مهمّة بناء شبكة اتّصالات في منطقة إقليم التفاح، فأخبرنا الأخ مهدي عن «خيمة مليتا»، أولى غرف الإشارة في المقاومة: «كان ذلك في العام 1986م، حيث انتقل لاحقاً من الخيمة إلى غرفة محميّة تحت الأرض، وصار همّه الوحيد ربط المحاور بعضها ببعض، وقد نجح بذلك في أكثر الأوقات صعوبة وغربة، ثمّ أسّس محطّة لشبكة الهاتف (سنترال) في قرية جباع، فبرع في القيادة والتخطيط الدقيق والإبداع المستمرّ. ومنذ ذلك الحين، توسّعت رؤيته حول شبكة الاتّصالات لتشمل لبنان كلّه».
أمّا عن كيفيّة التغلّب على الصعاب، فقد ذكر لنا قصّة ربّما تختصر طريقة تفكير الحاجّ مصعب: «في بعض الأماكن الصعبة، كان يستخدم سيّارة تعمل بواسطة جهاز تحكّم عن بُعد، يضعها في قسطل ويربط بها شريط الهاتف، ثمّ يتركها تتحرّك حيث يريد».
أن تكون مسؤولاً عن الإشارة، يعني أنّك مشارك في كلّ العمليّات العسكريّة، العاديّة منها والنوعيّة والأمنيّة. وبالتعاون مع رفاقه أمثال الحاجّ عماد مغنيّة والحاج محسن شكر وغيرهما من القادة الشهداء، تطوّرت رؤيته في عمل الاتّصالات، إذ انكبّ على مطالعة كلّ ما يتعلّق بهذا المجال، وفهم الكيفيّة التي يعمل عدوّه من خلالها، وواكب كلّ التقنيّات والأجهزة والآلات التي يحتاجها. وبذلك، تطوّر عمله لتتحوّل تلك الخيمة في مليتا، بعد سنوات، إلى وحدة من أهمّ الوحدات في حزب الله على الصعيد المركزيّ، والتي تخدم المجلسَين الجهاديّ والتنفيذيّ.

• على جبهات عدّة
ولكن، هل اقتصر عمل هذه الوحدة على تأمين خطوط الاتّصالات كما يظنّ بعضهم؟ يجيب الأخ مهدي: «بالطبع لا، فهو كان له دور أساسيّ في التنصّت على العدوّ أيضاً، وهذه حرب خفيّة، يفوز فيها من يسبق الآخر بخطوة، فأسّس نقاط استطلاع من الجنوب إلى البقاع فبيروت، واستطاع خرق بثّ الطائرات الإسرائيليّة، كما اكتشف عشرات أجهزة التجسّس على شبكة الاتّصالات، وحرص على تفكيك بعضها بنفسه. وتوسّع عمله بعد حرب الدفاع عن المقدّسات في سوريا، بحيث عمد إلى بناء شبكة اتّصالات آمنة داخل الأراضي السوريّة أيضاً، ليواكب كلّ طلقة رصاص كما الحال في لبنان».
يتابع الأخ مهدي: «من الصعب حصر إنجازات الحاجّ مصعب، أو ذكر أهمّ العمليّات العسكريّة والأمنيّة والحروب التي شارك فيها، فـ(الإشارة) هو السلاح المواكب لكلّ حدث عسكريّ. ففي حرب تمّوز في العام 2006م، بقي صامداً في قلب الضاحية، ولم يغادرها طوال الحرب، وكان على تواصل مباشر مع الحاجّ عماد مغنيّة وسيّد شهداء الأمّة سماحة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)». نذكّر هنا أنّ استهداف مجمع الإمام الحسن عليه السلام في منطقة الرويس، والذي كان من أعنف الاستهدافات في تلك الحرب، حصل بحجّة أنّ «سنترال» الاتّصالات موجود هناك، وكأنّ العدوّ الصهيونيّ كان ينتقم من هذه الوحدة.

• حُسن الختام
بعد الحديث عن الجانب العسكريّ، انتقلنا لذكر بعض مآثر الشهيد الشخصيّة والعائليّة، وهنا، امتزجت نبرة الفخر بلحن الحنين، وهو يستذكر أخاه الأكبر، الذي كان عمود خيمة العائلة، الذي كان يكنّ احتراماً بالغاً لوالده، إذ كان يترك له حسم أيّ مسألة يتناقشان فيها. بالإضافة إلى ذلك، كان الشهيد والداً حنوناً يهتمّ بشؤون أولاده، وكان يحرص جدّاً على تعويضهم عن فترات غيابه. ولكن، لا بدّ للذكريات من خاتمة، فيحاول الأخ مهدي اختصار بعض الصفات التي تحلّى بها الحاجّ مصعب: «لقد كان يتحلّى بأقصى درجات الدقّة، واعتنى بتفاصيل دينه وعمله، واهتمّ ببناء روحيّته المعنويّة، وكان غنيّ البيان، طليق اللسان، يناقشُ بحكمة، ويحسمُ بلين، لقد عاش عمره ليختمه بالشهادة، وقد وفّقه الله إليها بعد نيله وسام الجراح».
لقد لخّص سماحة السيّد الأقدس (رضوان الله عليه) ما قام به الحاجّ مصعب في مؤتمر صحفيّ في العام 2008م بقوله: «إنّ سلاح الإشارة جزء أساسيّ وجوهريّ، بل هو الجزء الأوّل في منظومة القيادة والسيطرة، والتي هي بدورها العامل الأوّل في أيّ نصر وفي إدارة أيّ معركة».
 

أضيف في: | عدد المشاهدات: