أولو البأس | بنت جبيل لا تركع الشهيد على طريق القدس طلال أرسلان آخر الكلام | هذا شَرطي لتسدّد دَينك الافتتاحية | أمريكا فرعونُ العصر إلى كل القلوب | مقاومتنا روحها حسينيّة (2)* تسابيح جراح| "مستعدّون بجراحنا" الشهيد على طريق القدس محمّد محمود إرسلان وسائل التواصل: معركة الوعي في زمن التضليل مقابلة | حين يرتقي القائد لا تنتهي المقاومة بل تستمرّ بدمه تكنولوجيا | كيف نمنع هواتفنا من التنصّت علينا؟ (1)

مبــادرات إنسانيّــة في زمن الحرب

تحقيق: زينب نعمة


ثمّةَ من يجيد حياكة الأمل من قلب اليأس، ورسم الجمال من قلب القبح، ونثر شذى العطر عوضاً عن روائح النار والبارود.

ثمّة من يغزلُ خيوط الضوء في وسط العتمة، ويحوك نسيج الدفء في زمن البرد، ويزرع الورد في الأرض القاحلة عوضاً عن الأشواك والحجارة.

قصص كثيرة من الصمود والعطاء كانت شواهد على الحرب الدمويّة التي شنّها العدوّ الصهيونيّ على لبنان، والتي خلّفت آلاف الشهداء والجرحى، إضافة إلى دمار هائل طال المناطق اللبنانيّة، ولا سيّما الضاحية الجنوبيّة لبيروت والجنوب والبقاع، فغادر الأهالي بيوتهم على عجل، متكبّدين عناء النزوح وصعوباته. من هنا، حقّق مجتمع المقاومة نصراً من نوع آخر، نصراً في الرحمة والأخوّة والتكافل، حيث انطلقت مجموعة مبادرات لتأمين احتياجات الناس من مأكل ومشرب وملبس وأدوية وغيرها من المستلزمات، وفي هذا التحقيق غيضٌ من فيض.

* مبادرة «صبرٌ جميل»
هي مبادرة أطلقتها الناشطة والحكواتيّة د. سارة قصير لتأمين ملابس للسيّدات النازحات في محافظة الشمال، وتحديداً في قرى قضاء زغرتا. بحسب د.سارة، فإنّ الحملة نشأت من احتياجات النازحات المحجبّات للباس، فأطلقت دعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعيّ للتبرّع، وقد لاقت صدى إيجابيّاً لدى عشرات المواطنين الذين دعموا مبادرتها لشراء الألبسة التي تتضمّن: اللباس الشرعيّ أو العباءة مع الإيشارب، إضافة إلى باقي مستلزمات اللباس الشرعيّ الكامل التي يصعب توفّرها في سوق مناطق النزوح. ومع تزايد الطلب، أمّنت صاحبة المبادرة معملاً بسيطاً لخياطة الثياب الشرعيّة بجودة عالية.

وقد غطّت المبادرة احتياجات أكثر من 10 آلاف محجّبة توزّعن على أكثر من 15 مركز إيواء في مناطق متفرّقة. وقد قُدّرت قيمة التبرّعات التي أرسلها أصحاب الخير والأيادي البيضاء بنحو 80 ألف دولار.

بحسب د. سارة، كان لهذه المبادرة أثر كبيرٌ على صعيد ملفّ النزوح، بحيث أمّنت جزءاً مهمّاً من احتياجات النازحات في منطقة الشمال، وهذا مؤشّر تضامن واحتضان كبيرَين، إذ شعرن أنّ ثمّة من يهتمّ بهنّ وباحتياجاتهنّ في زمن الحرب الصعب والقاسي.

* الشهيدة زليخة
ورثت زليخة عن والدتها رحمةً كبيرةً بالأرض والمجاهدين. هي ابنة السيدة التي بقيت في قريتها في حرب تموز 2006م، تطبخ وترسل الطعام للمرابطين. وفي عدوان 2024م، فلم تتوانَ زليخة الابنة عن العمل الدؤوب باندفاع كبير، وروحيّة مميّزة، وولاء قلّ نظيره للمقاومة والأرض والجهاد في سبيل الله، حيث بقيت في قريتها أيضاً، لتأمين طعام المجاهدين والطبخ لهم وتوفير عدد من مستلزمات البقاء والصمود.

في حديث لمجلّة بقيّة الله، يصف الدكتور يونس زلزلي «زليخة نجديّ»، بصاحبة الشخصيّة المميّزة، السامية بأخلاقها وتعاملها ودينها وعطائها، ما جعلها موضع احترام ومحبّة لدى كلّ الناس.

ارتقت زليخة شهيدةً بغارة إسرائيليّة على منزلها في دير قانون أثناء الحرب لتختم حياتها بنيل شرف الشهادة بعد عمر من العطاء والمحبّة والعمل، ولتثبت أنّ الإنسان يرحل ولكنّ الأثر يبقى خالداً إلى الأبد.

* مبادرة «كسوة دفى»
حملة كبيرة واستثنائيّة لتوزيع المستلزمات الشتويّة على النازحين، في المناطق الجبليّة العالية والباردة. كما يدلّ اسمها، كان الهدف الأساسيّ من هذه المبادرة تأمين متطلّبات التدفئة الكاملة للعوائل، مثل: مدافئ الغاز، والملابس الشتويّة، والبطّانيّات، والقفّازات، والقبّعات الصوف، والأوشحة، إلخ.

في حديث للمجلّة، قالت مسؤولة حملة «كسوة دفى» السيّدة أم مصطفى، إنّ فكرتها نشأت بدافع إنسانيّ وأخلاقيّ، لكي «تجاهد» بطريقتها الخاصّة وبالأسلوب الذي تستطيع فيه أن تساعد أكبر قدر ممكن من العوائل النازحة، فأطلقت هذه الحملة مع فريق تطوعيّ، وقد ساهم في دعمها أصحاب الخير. ومع الإصرار والسعي والعمل الدؤوب والمضني، وصلت التبرّعات إلى نحو 190 ألف دولار.

أكثر من 1800 عائلة نازحة استفادت من هذه المبادرة في مناطق النزوح.

عمل الفريق والمندوبون في المناطق بروحيّة عالية وبتفانٍ قلّ نظيره. وبرغم كلّ التحدّيات والصعوبات التي واجهت هذه الحملة كتأمين المستودعات، والتواصل مع التجّار، وإحصاء العوائل المستحقّة، والتنقّل بين المناطق، استطاعت أن توفّر الدفء لأكثر من 10 آلاف نازح كانوا بأمسّ الحاجة إلى من يساندهم ويحتضنهم خلال الحرب القاسية والنزوح القسريّ.

تقول صاحبة المبادرة إنّ التوفيق والتسديد الإلهيّ كانا الراعيَين لهذه المبادرة، بحيث ذُلّلت الصعوبات بألطاف خفيّة على قاعدة «ما كان لله ينمو».

* عطاء خفيّ
الشهيد محمّد جعفر قصير (الحاج ماجد)، هو صاحب الروح المعطاءة السامية، فكان يعمل بصمت لخدمة العوائل المتعفّفة، إذ لم يُكشف عن اسمه وأنّه فاعل هذا الخير إلّا بعد شهادته. تقول السيّدة ناهد كوراني، مسؤولة مشروع «لباس الخير»، إنّ الشهيد كان يساهم على نفقته الخاصّة في العديد من المبادرات الإنسانيّة، ويتبرّع بالمال لبعض الحالات المرضيّة ولتأمين الأدوية. كما كان يساهم في تأمين الحصص الغذائيّة بأعداد كبيرة، ولا سيّما في شهر رمضان المبارك. وقد رمّم الشهيد نحو 25 منزلاً في مناطق الأوزاعي، وساعد عشرات الناس في تأمين أثاث منازلهم.

هذا الشهيد الاستثنائيّ العزيز والخلوق جسّد قولاً وفعلاً هذه الآية الكريمة: ﴿مثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَٰلَهُمْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّاْئَةُ حَبَّةٍ وَٱللَّهُ يُضَٰعِفُ لِمَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (البقرة: 261). لقد أدرك بروحه وبصيرته وتواضعه وعطائه العظيم أنّ الأعمال الصالحة ينمّيها الله لأصحابها كما ينمو الزرع في الأرض، وهي كالبذرة الصالحة التي تعطي نتاجاً طيّباً في الدنيا والآخرة.

* مبادرات فرديّة أخرى
مضافاً إلى ذلك، انطلقت خلال الحرب مجموعة مبادرات تطوّعيّة مميّزة عبر منصّات التواصل الاجتماعيّ لجمع التبرّعات الماديّة من الناس الميسورين. وقد أقام العشرات من الناشطين حملات إطعام للنازحين عبر تأمين الطبخ والوجبات، ووزّعوها على الناس عبر متطوّعين. كما قام بعض الأهالي بمبادرات فرديّة أخرى لتأمين الطعام للنازحين، ولا سيّما في المدارس.

كذلك انطلقت حملات طبيّة من أطباء وصيادلة تطوعوا بالمعاينات المجانيّة والأدوية للنازحين، حتّى أنّ بعض المستوصفات الطبيّة قدّمت فحوصات مجانيّة.

انطلقت كذلك حملات للحلاقة المجّانيّة للنازحين في منطقة بيروت، حيث تطوّع مجموعة شباب لحلاقة شعر الرجال والأطفال في مراكز الإيواء العامّة.

هي بيئة المقاومة التي لا تبخل بأيّ شكل من أشكال الدعم والعطاء. ستبقى هذه العطاءات سبباً إضافيّاً وقويّاً من أسباب الصمود والعزّة والانتصار، وعنواناً كبيراً للتكافل القويّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع