الشيخ د.أكرم بركات
ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطب في آخر جمعة قبل شهر رمضان قائلاً للمسلمين: "أيّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة" (1). وقد أعطى صلى الله عليه وآله وسلم أمثلة لهذه البركة الاستثنائيّة، منها:
- "نومكم فيه عبادة"(2).
- "عملكم فيه مقبول"(3).
- "دعاؤكم فيه مستجاب"(4).
كما بيّن صلى الله عليه وآله وسلم استثنائيّة الوقت فيه قائلاً:
- "أيّامه أفضل الأيّام"(5).
- "لياليه أفضل الليالي"(6).
- "ساعاته أفضل الساعات"(7).
لأجل هذه الاستثنائيّة في الشهر الفضيل، دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اتّباع برنامج شهر رمضان في تهذيب الإنسان، بشقّيه المعنويّ والعمليّ.
* البرنامج المعنويّ
وهي مقدّمات معنويّة، يبني عليها الصائم روحيّة عبادته في هذا الشهر الكريم، وهي:
* أولاً: التحرّر بالعودة إلى الله
أوضح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم أنّ النفس الإنسانيّة تقيّدها الأعمال السيّئة، فتعيق مسيرتها الكماليّة نحو الله تعالى، فدعا صلى الله عليه وآله وسلم إلى تحرير النفس بالاستغفار والتوبة إليه سبحانه، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم".
* ثانياً: الصوم الحقيقيّ
عدّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الصيام لله تعالى فرصة كبيرة تحتاج إلى توفيق خاصّ منه سبحانه، بالتالي، فإنّ تحقّقه كما يريده عزّ وجلّ يحتاج إلى دعاء نابع من إخلاص القلب الذي طهّرته التوبة. قال صلى الله عليه وآله وسلم: "فاسألوا الله ربَّكم بنيِّات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه"(8).
أمّا عن الصوم الحقيقيّ المطلوب، فإنَّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بيّن –في بعض أحاديثه الواردة- أنّه لا يقتصر على صوم البطن، بل هو بتعبيره الشريف الوارد عنه: "إنّ أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه ترك الطعام"(9)، لذا، قد يحصل هذا النوع من الصيام من دون حصول النتيجة المطلوبة منه، وبتعبيره صلى الله عليه وآله وسلم: "ربّ صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش"(10).
إذاً، الصوم الحقيقيّ هو -إضافة إلى صوم البطن– صونٌ لأربعة أشياء نتحدّث عنها تباعاً:
1. صوم اللسان: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الآنفة الذكر: "واحفظوا ألسنتكم"(11). وحفظ اللسان هو صيانته عن الحرام، كالكذب والغيبة والبهتان والنميمة والسبّ والبذاءة وما شاكل. وفي إطار الدعوة النبويّة إلى صوم اللسان، ورد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع امرأة تسبّ جارية لها وهي صائمة، فدعا بطعام، وقال لها: "كلي، فقالت: أنا صائمة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله وسلم لها: كيف تكونين صائمة، وقد سببت جاريتك، إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب"(12).
2. صوم البصر: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته الآنفة الذكر: "غضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم"(13). وغضُّ البصر هو عمّا حرّم الله تعالى بالنظر إلى غير الزوجة بشهوة، ومنها أيضاً أدب النظر، في غضّه عمّا يخفيه الناس ولا يقبلون النظر إليه، مثل رسائلهم على الهواتف، والتلصص على بيوتهم وشرفاتهم، وكذا النظرة إلى أهل الإيمان نظرة إرعاب وتخويف وإيذاء وهكذا.
3. صوم السمع: قال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته السابقة: "غضّوا عمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم"(14). وغضُّ السمع هو الذي يكون عن استماع الغناء ونحوه من المحرّمات.
4. صوم الجوارح: كصوم اليد عن الضرب المحرّم للزوجة والأولاد، وعن السرقة، وكصوم القدم عن الذهاب إلى الأماكن المحرّمة، إلخ.
* ثالثاً: استحضار الآخرة
إنّ إحدى العبر التي ركَّزها النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته هي تذكُّر الآخرة التي من عقباتها الجوع والعطش، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه"(15).
* البرنامج العباديّ العمليّ
ولهذا البرنامج العمليّ مستويان، نبّه إليهما رسول الرحمة صلى الله عليه وآله وسلم في خطبته: فردي واجتماعيّ.
أولاً: البرنامج العبادي الفردي: يتألّف من العبادات الآتية:
1. الصلاة: وقد تحدّث صلى الله عليه وآله وسلم عن نوعين من الصلاة:
أ. الصلاة الواجبة: روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أدّى فيه فرضاً، كان له ثواب من أدّى سبعين فرضاً في غيره"(16). وهذا الحديث يشجِّع مَنْ عليه صلوات قد فاتت أنْ يهتم في شهر رمضان بقضائها.
ب. الصلاة المستحبّة: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من تطوّع فيه بصلاة، كتب الله له براءة من النار"(17). وهذا الحديث يشجِّع على الاستفادة من شهر رمضان في أداء الصلوات المستحبّة، ولا سيّما صلاة الليل التي أفضل أوقاتها وقت السحور، فيجمع فيه بين سحور الطعام الماديّ والغذاء الروحيّ.
2. تلاوة القرآن: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من تلا فيه آية من القرآن، كان له مثل من ختم القرآن في غيره من الشهور"(18). إنَّ من توفيقات الله تعالى لأهل الإيمان أن يختموا القرآن ولو مرّة واحدة في الشهر، بحيث يقرؤون كلّ يوم جزءاً من المصحف الشريف.
3. الدعاء: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم؛ فإنّها أفضل الساعات، ينظر الله عزّ وجلّ فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبّيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه"(19).
4. طول السجود: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "ظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخفّفوها بطول سجودكم"(20).
5. كثرة الصلاة على محمّد وآل محمّد: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكثر فيه من الصلاة عليّ، ثقّل الله ميزانه يوم القيامة يوم تخفّ فيه الموازين"(21).
ثانياً: البرنامج الاجتماعيّ: يتألّف من:
1. صلة الرحم: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من وصل فيه رحمه، وصله الله برحمته يوم يلقاه"(22).
2. إفطار الصائمين: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من فطّر صائماً مؤمناً في هذا الشهر، كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه"(23).
3. التصدّق على الفقراء والمساكين: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "تصدّقوا على فقرائكم ومساكينكم"(24).
4. إكرام اليتيم: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "من أكرم فيه يتيماً، أكرمه الله يوم يلقاه"(25).
5. توقير الكبار ورحمة الصغار: عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "وقّروا كباركم، وارحموا صغاركم"(26).
إنّ هذا البرنامج هو طريق كمال المؤمن في شهر رمضان؛ فلنكتب، فلنسعَ للالتزام به، ولنتحقّق منه يوميّاً عسى أن نكون ممّن يعين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عبور طريق الكمال، فنكون معه عند الله تعالى فنفوز فوزاً عظيماً.
(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 93، ص 356.
(2) المصدر نفسه.
(3) المصدر نفسه.
(4) المصدر نفسه.
(5) المصدر نفسه.
(6) المصدر نفسه.
(7) المصدر نفسه.
(8) المصدر نفسه، ص 356.
(9) المصدر نفسه، ج 94، ص 352.
(10) المصدر نفسه، ج93 ، ص 289.
(11) المصدر نفسه، ص 357.
(12) المصدر نفسه، ج 94، ص 351.
(13) المصدر نفسه، ج 93، ص357.
(14) المصدر نفسه، ج 93، ص 357.
(15) المصدر نفسه، ج 93، ص 356.
(16) المصدر نفسه، ص 357.
(17) المصدر نفسه.
(18) المصدر نفسه، ج 93، ص 357.
(19) المصدر نفسه.
(20) المصدر نفسه.
(21) المصدر نفسه.
(22) المصدر نفسه، ج 93، ص 357.
(23) المصدر نفسه، ص 317.
(24) المصدر نفسه، ص 356.
(25) المصدر نفسه، ص 357.
(26) المصدر نفسه.