أولو البأس | بنت جبيل لا تركع الشهيد على طريق القدس طلال أرسلان آخر الكلام | هذا شَرطي لتسدّد دَينك الافتتاحية | أمريكا فرعونُ العصر إلى كل القلوب | مقاومتنا روحها حسينيّة (2)* تسابيح جراح| "مستعدّون بجراحنا" الشهيد على طريق القدس محمّد محمود إرسلان وسائل التواصل: معركة الوعي في زمن التضليل مقابلة | حين يرتقي القائد لا تنتهي المقاومة بل تستمرّ بدمه تكنولوجيا | كيف نمنع هواتفنا من التنصّت علينا؟ (1)

جرحى «البايجرز»: مشاهد بأسٍ وصمود

تحقيق: حنان الموسوي


«حُسن خلقهم ونُبلُ تعاطيهم أخجلا جهدنا المتواضع أمام عطاءاتهم وتضحياتهم وصبرهم، وأكّدا لنا أنّهم أهلٌ للنصر والعزّ والفخار. في دهشةٍ ممّا جرى، أشرقت شمس الجراح لتضيء عالمنا. كان التعب يتبخّر عند كلّ موقفٍ يجسّده أولئك الأطهار بتصرّفاتهم التي تذهل العقول. استوقفتني مشاهد عشتها في جولتي لتفقّد الجرحى وتزويدهم بالدواء والمسكّنات».

هكذا وصفت إحدى الممرضات مشاهدتها لصلابة جرحى أجهزة «البايجر»، وكأنّهم يلقنون العالم درساً آخر في النبل والثبات. في هذا التحقيق مشاهدات أخرى جديرة بالذكر.

* بانتظار وقت الصلاة
استأذنت زوجة الجريح لتخرج إذ انتهى موعد الزيارة، فاقتربت منّي هامسةً أن أخبر زوجها عند حلول موعد الأذان لأنّه ينتظره لأداء الصلاة. طفت فوق بركةٍ من الحزن، وتفكّرت: إن كان الجريح بحالة يرثى لها، لا عينين يبصر بهما، ولا يدين تعينانه على الحراك حتّى للوضوء، وجروحٌ تنتشر في جسده، وجلّ تفكيره تأدية الصلاة! كيف يهزم من كان هدف حياته الوقوف بين يدي ربّه في لقاءٍ خاصٍّ وخلوة عشقٍ صادقة؟ أين نحن من هؤلاء الفارّين من سجون الدنيا، المستأنسين بالبلاءات والراضين بها؟ رتقت مأساتي قبل أن أساعده لأداء الصلاة. شاهدت قربه من الله والحسرة تأكلني على تقصيري.

* بيئة عظيمة
بعد جولةٍ صغيرةٍ على عددٍ من المستشفيات (الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والجامعة الأميركيّة، ورزق، والسان جورج) في زيارة لبعض معارفنا الجرحى، اختلطت مشاعري ما بين صدمةٍ وغِبطة؛ فمشهد والد صديقتي الذي ما عرفته لا يغادر ذهني، وجهه المتورّم المحترق ذو الندوب العميقة أخفى معالم وجنتيه القمريّتين، وعينيه الرائعتين المطلّتين على الفردوس. هدوء صوته دلّني عليه وأوحى لي بالراحة خاصّةً حين روى ما حدث بوعيٍ ورضى، وكأنّه نذر أعضاءه قبلاً وانتظر وقت الوفاء. بينما ترسّخ في وجداني مشهد التبريك والفرح لجريحٍ تضرّرت عيناه لكن لم يغادرهما النور، احتفاله ومن معه بفقد أصابعه فقط عمّ الأرجاء، فقد وصل صدى عزمه على الرجوع إلى عمله كلّ الأسماع وازداد منسوب الأمل.

بعد مشاهدتي لمعالم الهدوء والسكينة والطمأنينة ترتسم على وجوه الجرحى وتسكن عيونهم كما عوائلهم، تكرّس في داخلي شيءٌ واحدٌ وشغل تفكيري طيلة الوقت، هو أنّ الله قد أنعم عليّ بنعمٍ جمّة، أهمّها أنّه أكرمني بأن خلقني في هذه البيئة، حيث تربّيت على هذا النّهج، وتدرّجت ضمن هذا الخطّ المبارك، الذي لم ولن أرى أعظم منه مطلقاً، ألا وهو خطّ محمّدٍ وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.

* مواقف قوّة وبأس لجريحين
1. ببركة مولاتنا الزهراء عليها السلام
بلا موعدٍ اتّقد الجرح في عينيّ، قضم أطرافي، وغشّاها بنثر الندوب والحروق في جسدي. ببصيرتي رأيت منتهى الجمال، غادرت عالم الدنيا فجراً حين اصطحبتني السيّدة الزهراء عليها السلام إلى جنّة الأرض كربلاء، وقفنا بين حرم الإمام الحسين عليه السلام وحرم أبي الفضل العبّاس عليه السلام. أخبرتني أنّ الإمام الحسين عليه السلام تكفّل بإحدى عينيّ، وأنّ العبّاس عليه السلام تكفّل بالأخرى، وأنّهم أهل بيت النبوّة، وخاصّة هي الأمّ الحنون، لا يتخلّون عن المخلصين والمجاهدين، حاشا أن نسمح لهم بفقدان أبصارهم. مسحت بيدها على مقلتيّ وقالت أنّي سأشفى، فأحسست أنّ سهماً ناريّاً انسلّ منهما وهوى إلى كتفي الأيسر. استيقظت بعدها وقد جعل ربّي رؤياي حقّاً. شفيت عيناي وشعّ نورهما مجدّداً. ستبرأ آثار الشظايا وسأعود إلى مزاولة عملي قريباً ببركة محمّد وآل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وعطف الصدّيقة الكبرى أمّنا فاطمة عليها السلام.

2.سنقاتل من جديد
تخرج الحروف ملثّمةً من بين أسناني المهشّمة وشفاهي المختالة بنزفها. أتلو بيان العشق لسيّدي، بروحٍ ترى قضاء الله جميلاً: سماحة سيّدنا الشهيد الأقدس، السلام عليك. أشهد الله أنّ أرواحنا هذه ترخص لدمائك، وأنّ كلّ ما أصابنا في هذا الطريق قليل. نحن على العهد بعدك، سنقوم لنقاتل من جديد، لنرفع راية النصر تمهيداً لظهور مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، سنقاتل قتال الكربلائيّين الحسينيّين، سنقاتل وإن كنّا جرحى بإذن الله.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع