الشهيد على طريق القدس طلال محمود أرسلان (فهد الطّيبة)
اسم الأمّ: هنيّة أمين عربيد
محلّ الولادة وتاريخها: السعوديّة 29/09/1971م
الوضع العائليّ: متأهّل وله 4 أولاد
محلّ الاستشهاد وتاريخه: الطيّبة 03/10/2024م
«ستبقى يا أخي في الميدان، حيث استشهدت واقفاً، مقبلاً غير مدبر، وسننتظر يوم إعلان النصر؛ لزفّك مع أخوة السلاح والشهادة.
إلى حينها، نستودعك الله أنت ورفاقك الشهداء في العراء كسيّدكم في كربلاء، تحتضنون سلاحكم، وطلقاتكم الأخيرة، تفترشون الأرض وتتوسّدون التراب، تلفحكم الشمس، ويلطّف وجوهكم الندى، سيغمركم العشب في الآتي من الأيام، ستذكركم الأجيال أهل النخوة والغيرة والشهامة، حين رجفت القلوب وبلغت الحناجر، وقلّ الناصر والمعين».
هكذا نعاه أخوه علي أرسلان على حسابه على الفايسبوك، مستذكراً من خلال «فهد الطيبة» حال شهداء كانوا ليوث الميدان، سطروا في الطيبة ملاحم سترويها الأجيال.
* ابن الجيش والمقاومة
ولد الشهيد طلال في السعوديّة في الخبر عام 1971م، ونشأ في كنف عائلة كريمة وخلوقة، ملتزمة دينيّاً، وموالية لآل البيت عليهم السلام. اتّبع الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله قائداً، وسار كأخيه الشهيد محمّد على خُطى السيّد عبّاس الموسويّ والسيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليهما).
خدم طلال في الجيش اللبناني مدّة اكتسب خلالها مهارات قتاليّة عاليّة وعقيدةً لخدمة بلاده. حاز عدّة ميداليّات الفئة الأولى في البطولات الرياضيّة العسكريّة منها: السباحة والقفز والركض السريع مسافة 200م، والفنون القتاليّة منها الكيك بوكسينغ (Kickboxing) التي حاز فيها المرتبة الأولى في بطولة جيوش العرب، إضافةً إلى مهارات في المواكبة وحماية الشخصيات.
وبعد أن تسرّح من خدمته في الجيش، تفرّغ لعمله الفنيّ الخاصّ في الديكور الداخلي، حيث كان يملك لمسة فنان في تصميم الجفصين، وحفر الخشب. والتحق حينها بالتعبئة العسكريّة في حزب الله كمتطّوع، رافضاً أن يتقاضى أيّ أجر؛ لأنّه أراد من عمله الجهاديّ أجراً أخرويّاً خالصاً، وقد خضع لدورات ثقافيّة نال فيها تنويهاً. وقد شارك في حماية الشخصيّات في اشتباكات 7 أيّار، وفي عدوان تموز 2006م أيضاً.
* «ازرع ورداً»
جمع الشهيد طلال بين نقيضين، كان طيّب القلب، حنوناً، وفي الوقت نفسه «صاحب القلب القويّ» لشجاعته وبسالته وقدرته على التعامل مع النزاعات، حتّى لُقّب بعدها بـ«أبو حشكة» و«أبو الهمم». كان عطوفاً على الغريب قبل القريب، كريماً إلى حدّ أن يناصف ما يملكه مع أي محتاج، وهو صاحب مقولة: «ازرع ورداً، أينما كنت ازرع ورداً»، هكذا كان يُكرّر على أبنائه.
كان العمود الذي تستند إليه العائلة، فعندما تتعرض لمشكلة أو ظلم، ما عليها إلّا أن تتصل بالفهد. كان الأب والصديق الشهم لشباب الطّيبة، والأخ الحنون والمبادر لمساعدة إخوانه، والمسعف الذي يداوي إصابات الجرحى، والمقاوم الفهد السريع صاحب البأس والعنفوان عند المواجهات القتاليّة.
وللشهيد طلال ميزة خاصّة، هي الحفاظ على صلة أرحامه، فمهما كانت الظروف والخلافات، كان يسعى دائماً لجمع أفراد العائلة، وكان يصل من قطعه ويبتسم في وجه من عبس في وجهه، ويزيل بمودّته الخلافات. كانت علاقته جيّدة مع كلّ من عرفه، فيسأل عنهم ويتفقّد أحوالهم. يروي أحد أقاربه (م.ع.) أنّ الشهيد كان يتردّد إلى رجلٌ كبير السنّ في القرية؛ لأنّه يعيش بمفرده، فيتفقّده ويوفّر له احتياجاته الضروريّة، لكنّ الرجل ولكبر سنّه دائماً ما كان يعبس في وجهه أو يوجّه له بعض كلمات الغضب، فيبتسم الشهيد ويقول له: «المهمّ أنّك بخير ولديك قوّة على مناكدتي»، ويعود ليتفقّده في يوم آخر، ولم يهمله يوماً رغم أنّ لا قرابة قويّة بينهما.
ترك أثراً جميلاً في كلّ من عرفه من محيطه وعائلته والمجاهدين.
* فهد الطيبة
لُقّب الشهيد طلال بـ«الفهد» أثناء خدمته في الجيش؛ لأنّه كان يتمتّع بمواصفات جسديّة تشبه تلك التي يتمتّع بها الفهد، وكان كالفهد شجاعاً وقويّاً وثابتاً في الميدان وشديد التركيز، ورياضيّاً. كان طويل القامة، صاحب نظرة حادّة تُنذر الخصم بوثبة مفاجئة له، لكنّ الميزة الأساسيّة لديه أنّه حصّل لياقةً عالية وقوّة جسديّة، من حيث السرعة في الركض، والبنية العضليّة، والمهارات القتاليّة. وقد كان مداوماً على التدريبات الرياضيّة، حتّى أنّه استشهد في عمر الثالثة والخمسين، بلياقة ابن الثلاثين وقوّته.
*دوره في معركة إسناد غزّة
كان الشهيد طلال من المبادرين والحاضرين في الميدان منذ اليوم الأوّل من جبهة الإسناد لغزّة، حتّى آخر لحظة من حياته. رفض الاستراحة طوال فترة الحرب، وكان له دور بارز، فإن لم يكن حاضراً في الإسناد، تجده يقوم بمهام أخرى كمساعدة الأهالي الصامدين في الطيبة، وتأمين الطعام لهم من بيته ومؤونة عائلته؛ لأنّ المتاجر أغلقت أبوابها أثناء معركة الإسناد؛ كون الطيبة من القرى الحدوديّة القريبة من فلسطين المحتلّة. كان يتفقّد كل منزل في القريّة ليتأكّد أنّ أحوال ساكنيه جيدة ومؤنهم كافية، خاصةً كبار السنّ، وكان يوميّاً يتفقّد زوجين كبيرين في السنّ أبناؤهما خارج البلاد ولم يتمكّن أحد من إخراجهما من القرية، فظلّ الشهيد يهتم بهما.
في شهر رمضان المبارك، كان الشهيد طلال وأفراد عائلته يُحضّرون الإفطار ويوزّعونه على المجاهدين. كما قدّم للمجاهدين بعضاً من ثيابه الشتويّة بسبب شدّة البرودة في تلك المنطقة. وساهم في نقل المجاهدين من مكان إلى آخر بسيّارته الخاصّة في ظلّ حدّة القصف، فعندما تحتاج مجموعة من المجاهدين إلى من ينقلها، يبادر هو مباشرةً وغالباً ما يكون عائداً من نقل مجموعة سبقتها دون أن يستريح، مجيباً كلّ من يطلب منه الاستراحة والعودة إلى منزله: “نحن في حرب ولا وقت للاستراحة”.
بقي الشهيد طلال مرابطاً في قريته من أوّل حرب إسناد غزّة حتى يوم شهادته، رغم أنّ الطيبة شهدت قصفاً تدميريّاً شرساً خلال العدوان، وبقيت معه عائلته مدّة ستّة أشهر من بداية المعركة، إلى أن اضطرّت لاحقاً إلى النزوح إلى مكان آخر بسبب اشتداد وتيرة القصف، فيما بقي حاضراً في الميدان مدافعاً عن بلدته. إلى أن استشهد فوق ترابها بغارة إسرائيليّة محقّقاً أمنيته. ولم يُعثر على جثمانه الطاهر إلى حين كتابة المقال.
* قاتلوهم يعذّبهم الله بأيديكم
بعد وقف إطلاق النار، وخلال جولة تفقّدية في القرية، دخل المجاهدون مكتبة الطيبة فوجدوا على لوح الكتابة قوله تعالى: ﴿قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ﴾ (التوبة: 14) بخط فهد الطيبة وتوقيعه، لقد كان يجول في القرية وقلبه مطمئنٌ بذكر الله، متيقناً بنصره.