السيد عبّاس عليّ الموسويّ
عندما يدخل الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف مكة، يدخل معه خمسةً وأربعون رجلاً من أصحابه، يكونون خاصّته وموضع سره، وبهم تنقطع وحدته وتزول وحشته. وهؤلاء غير الأبدال الذين كانوا معه في غيبته. ورد في الحديث عن أبي عبد الله عليه السلام أنّه قال: "يقبل المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف في خمسة وأربعين رجلاً إلى مكة، من تسعة أحياء؛ من حي رجل ومن حي رجلان ومن حي ثلاثة ومن حي أربعة ومن حي خمسة ومن حي ستّة ومن حي سبعة ومن حي ثمانية ومن حي تسعة، ولا يزال كذلك حتى يجتمع له العدد"(1).
* عدد الأصحاب وخصوصيّاتهم
يتحقّق النصر على أيدي أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وقادة جيوشه وأصحاب الألويّة وحكام الولايات، الذين يأتمرون بأمر سيدهم لا يخالفونه أبداً، وهم أطوع إليه من العبد إلى سيده، ومن الخاتم في خنصره، يستمعون كلامه ويلبون نداءه. وأما عددهم فهو ثلاثمئة وثلاثة عشر، على عدد أصحاب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في بدر وقد وردت الروايات من طرفين -السنة والشيعة - بهذا المعنى. ورد في الحديث عن الإمام الرضا عليه السلام متحدّثاً عن الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف: "يجتمع أصحابه عدّة أهل بدر ثلاثماية وثلاثة عشر رجلاً من أقاصي الأرض"(2). وفي الحديث عن الإمام الباقر عليه السلام قال: "أصحاب القائم ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، أولاد العجم بعضهم يحمل في السحاب نهاراً يعرف باسمه واسم أبيه"(3). وفي الحديث عن محمد بن مسلم الثقفيّ قال: سمعت الإمام الباقر عليه السلام يقول: "القائم منّا منصورٌ بالرعب مؤيدٌ بالنصر، فإذا خرج أسند ظهره إلى الكعبة، واجتمع إليه ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً"(4).
* كيف يأتون إليه؟
ينتمي أصحاب الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف إلى جنسيات مختلفة، ويتوزعون في شتى بقاع الأرض، فكيف يجتمعون بسيّدهم عجل الله تعالى فرجه الشريف، وكيف يلتقون به عندما يأذن الله له بالظهور؟! وكيف يستطيع البعيد عن مكة منهم -وهي مركز الظهور- أن يصل إليها وهو من القادة الذين يجب يحضورهم في الّلحظات الأولى للظهور؟ وما هي الطرق والوسائل التي تستخدم لحضور هؤلاء القادة بأسرع ما يُمكن دون تأخير؟
كشفت الأحاديث التي رويت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة عليهم السلام كيف يصل هؤلاء القادة إلى سيّدهم، وهي أحاديث تناقلتها الرواة ودونتها الكتب منذ أكثر من ألف وأربعمئة سنة، وحفظتها ذاكرة العلماء وتداولوها في مجالسهم وسهراتهم وأوقات أنسهم وشوقهم إلى الموعود المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.
كانت هذه الأحاديث إلى زمنٍ قريب صعبة التخيّل والتصديق، إلّا عند المؤمنين؛ لأنّ مضامينها خارجة عن العادة والمألوف وعن ما تعارف الناس عليه. إذ كيف يصل إلى مكّة وفي لحظة واحدة شخصٌ يبعد عنها آلاف الكيلومترات؟ كيف يجتاز المسافات الطويلة في وقت قصير قد يقدّر برد الطرف وقد يكون في ليلة واحدة بين بداية ليلها ونهايته؟
وقد يكون بوساطة السحاب، يركبه القائد ويوجّهه إلى مكّة، وقد يكون في فراشه فيفقده أهله، فلا يجدونه، فيكون في مكّة عند القائم المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، قد طويت له الأرض وكانت عند إرادته. إنّ الروايات التي وردت في شأن تجمّع هؤلاء القادة في وقت واحد من الزمن كثيرة ويمكن قراءتها في ظلّ ما وصلنا إليه من وسائل الاتصالات الحديثة، ما يكشف أنّها روايات تجاوزت زمان صدورها واخترقت كلّ الحواجز، حتّى أنّها تجاوزت ما وصلنا إليه وتفوّقت عليه وسجّلت أنّها متقدمةً عنه، ويمكن للزمن القادم أن يسير معها ويصل إليها، ويمكن أن يبقى قاصراً عن إدراكها عاجزاً عن تفسيرها؛ لأنّها من بركات ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهدية إلهيّة إلى منقذ البشريّة ومحقّق حلم الأنبياء منذ آدم وإلى محمد عليه السلام.
* وسائل منظورة
ورد في الحديث عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام: "يجمعهم الله في ليلة جمعة فيوافونه صبيحتها إلى المسجد الحرام ولا يتخلّف منهم رجلٌ واحد"(5). تثبت هذه الرواية لزوم حضور جميع أصحاب الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف صبيحة يوم الجمعة العاشر من المحرّم، وهو يوم الظهور المبارك في مكّة. وقد نقلت الروايات صوراً مختلفة عن كيفية وصولهم، فبعضهم يسير في الهواء وآخرون يركبون السحاب، وقسم ثالث يمشون على الماء، وقسم رابع يُفقدون من فرش نومهم، فإذا هم في مكة، وهكذا. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: "بينا شباب الشيعة على ظهور سطوحهم نيام، إذا توافوا إلى صاحبهم في ليلة واحدة على غير ميعاد فيصبحون بمكة"(6). ثمّة تفاصيل أخرى عن كيفية وفودهم، وفيها اختلاف في الكيفيّة، وقد يكون دليلاً على تفاضل بعضهم على بعض وتقدّمه على أقرانه؛ لشدّة قربه من الله وطاعته له ومعرفته بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، ومهمّته وتكون لياقته بالقيادة أولى وأجدر.
منها ما ورد في الحديث عن المفضل بن عمر قال: قال الإمام الصادق عليه السلام: "إذا أُذن للإمام دعا الله باسمه العبراني فأتيحت له صحابته الثلاثمئة وثلاثة عشر قزع كقرع الخريف وهم أصحاب الأولويّة منهم من يُرى يسير في السحاب نهاراً، يُعرف باسمه واسم أبيه وحليته ونسبه. قلت: جُعلت فداك، أيّهم أعظم إيماناً؟ قال عليه السلام: الذي يسير في السحاب نهاراً، وهم المفقودون"(7). وفي توضيح وصولهم وردت عن الإمام الباقر عليه السلام: "الفقداء قومٌ يُفقدون من فرشهم فيصبحون بمكة"(8).
وثمّة أخبار أنّ شيعة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف -أي أنصاره- تصير إليه من أطراف الدنيا، تُطوى لهم الأرض طيّاً حتى يبايعوه. وتلك كيفيّةٌ أخرى.
إنّ اختلاف كيفية هؤلاء القادة عن طريق الإعجاز حصراً؛ إكرامٌ لسيّدهم وإكرامٌ لهم، وتحقيقٌ لإرادة الله النافذة في الأشياء وبكلمة "كن" فتكون الأشياء، ولسنا بحاجة إلى تفسير وصولهم السريع بما وصل إليه العلم من وسائل ووسائط سريعة كالطيّارات النفّاثة وغيرها، بل يجب أن نرجع الأمور إلى ما وردت به الأخبار، فليس على الله ببعيد أن يسخّر الرياح لبعضهم تنقلهم بأسرع ما يكون، أو تُطوى لهم الأرض حتى يصلوا بلحظة واحدة. وإنّ في قضية من لديه علمٌ من الكتاب في قصّة النبي سليمان عليه السلام مثلاً قرآنياً نتلوه في كل وقت وحين، فمن أعطاه هذه القدرة والعلم ليأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى فلسطين في لحظة واحدة، هو نفسه الله الذي يعطي أصحاب المهديّ القدرة والاقتدار على أن يمتطوا السحاب أو يعطيهم طيّ الأرض فيحضرون عند سيّدهم في لحظة واحدة.