الشيخ مهدي أبو زيد
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "زوروا القبور، فإنّها تذكّركم الآخرة" (1).
تشدّد الأحاديث النبويّة الشريفة على أهميّة زيارة القبور لما يسديه الأحياء في هذه الدار لمن تركها من رصيد يمكن أن يروا ثماره في العاجلة قبل الآجلة.
* الحثّ على زيارة القبور
إنّ الحثّ الوارد في تراث المدرسة النبويّة على زيارة القبور يشكّل درساً تربويّاً عمليّاً على الوجود الدنيويّ المؤقّت، ويلفت إلى الأثر الذي يحصّله الإنسان من الزيارة، وكيف سيكون حاله عند تركه لهذه الدار، واحتياجه إلى صلة الأحياء.
فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "يا أبا ذرّ، أوصيك فاحفظ لعلّ الله أن ينفعك به، جاور القبور وتذكّر بها الآخرة"(2).
ولا يخفى ما لمجاورة القبور من أثر، يدرك الإنسان من خلاله عن كثب أنّ كلّ ما في الأيدي ليس إلّا متاعاً مستودعاً غالبه كماليّ.
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "زوروا موتاكم فإنّهم يفرحون بزيارتكم، وليطلب أحدكم حاجته عند قبر أبيه وعند قبر أمّه بما يدعو لهما"(3).
من رحمة الله الواسعة بعباده أنّ صلة الوالدين ومنافعها على الأولاد لا تنقطع بموتهما، بل يصبح قبرهما محطّة لقبول الدعاء، كما في زيارة الأنبياء والأولياء والشهداء.
* الأوقات المناسبة للزيارة
1. التأكيد على الزيارة النهاريّة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في وصيّةٍ لأبي ذرّ: "وزرها أحياناً بالنهار، ولا تزرها بالليل"(4).
2. زيارة عشيّة الخميس: عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخرج في ملأ من الناس من أصحابه كلّ عشيّة خميس إلى بقيع المدينة فيقول: (السلام عليكم يا أهل الديار) ثلاثاً"(5).
3. زيارة يوم الجمعة: يوم الجمعة من الأعياد التي ورد الحثّ على التوسعة على العيال فيه، والغدو إلى الجمعات، فهو موضع التهادي، فكيف إذا كانت الهديّة لمن انقطع عن الدنيا أمله. عن الإمام الباقر عليه السلام: "أمّا إذا كان يوم الجمعة فزرهم"(6). وأفضل أوقات النهار ما بين الطلوعين، عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا زرتم موتاكم قبل طلوع الشمس سمعوا وأجابوكم، وإذا زرتموهم بعد طلوع الشمس سمعوا، ولم يجيبوكم"(7).
4. زيارة يوم السبت: عن الإمام الصادق عليه السلام: "إنّ فاطمة عليها السلام كانت تأتي قبور الشهداء، كلّ غداة سبت فتأتي قبر حمزة"(8).
5. زيارة يوم الإثنين: عن الإمام الصادق عليه السلام: "عاشت فاطمة عليها السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمسة وسبعين يوماً، تأتي قبور الشهداء في كلّ جمعة مرّتين الاثنين والخميس"(9).
* الأدعية الواردة في زيارة القبور
1. الهديّة للموتى: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "اهدوا لموتاكم"، فقلنا: يا رسول الله، وما هديّة الأموات؟ قال: "الصدقة والدعاء"(10).
2. إلقاء التحيّة والترحّم عليهم: عن الإمام الصادق عليه السلام: "كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (السلام عليكم يا أهل الديار) ثلاثاً، (رحمكم الله) ثلاثاً"(11).
3. السلام المخصوص: من المستحبّات إذا دخل المقبرة أنّه عن عليّ عليه السلام قال: "من دخل المقابر فقال: (بسم اللَّه الرّحمن الرّحيم، السّلام على أهل لا إله إلَّا اللَّه من أهل لا إله إلَّا اللَّه، يا أهل لا إله إلَّا اللَّه، بحقّ لا إله إلَّا اللَّه، كيف وجدتم قول لا إله إلَّا اللَّه، من لا إله إلَّا اللَّه، يا لا إله إلَّا اللَّه، بحقّ لا إله إلَّا اللَّه، اغفر لمن قال لا إله إلَّا اللَّه)، أعطاه اللَّه سبحانه وتعالى ثواب خمسين سنة وكفّر عنه وعن أبويه سيّئات خمسين سنة"(12).
4. الدعاء لأهل القبور:
- عن أمير المؤمنين عليه السلام: "عليكم السلام يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة، ونحن لكم تبع، وعمّا قليل بكم لاحقون، طوبى لمن ذكر المعاد وعمل للحساب وقنع بالكفاف ورضى عن الله بذلك"(13).
- عن الإمام الحسين عليه السلام قال: "من دخل المقابر فقال: (ادخل عليهم روحاً منك، وسلاماً منّي)، كتب الله له بعدد الخلق من لدن آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات"(14).
- عن الإمام الباقر عليه السلام: "اللهم ارحم غربته، وصل وحدته، وآنس وحشته، واسكن إليه من رحمتك، وألحقه بمن كان يتولّاه"(15).
- عن الإمام الصادق عليه السلام: "السلام عليكم يا أهل الديار من قوم مؤمنين ورحمة الله وبركاته، أنتم لنا سلفاً ونحن لكم تبعاً"(16).
- عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : "ما من أحد يقول عند قبر ميت ثلاث مرّات: (اللهم إنّي أسألك بحقّ محمّد وآل محمّد أن لا تعذّب هذا الميت) إلّا رفع الله عنه العذاب إلى يوم القيامة"(17).
- عن الإمام الجواد عليه السلام: "من زار قبر أخيه المؤمن فجلس عند قبره واستقبل القبلة ووضع يده على القبر وقرأ: ﴿إنّا أنزلناه في ليلة القدر﴾ سبع مرّات أمن من الفزع الأكبر"(18).
- عن الإمام الصادق عليه السلام: "يخرج أحدكم إلى القبور فيسلّم ويقول: (السلام على أهل القبور، السلام على من كان فيها من المؤمنين والمسلمين، يا أهل القبور بعد سكنى القصور، كيف وجدتم طعم الموت؟)، ثمّ يقول: (ويل لمن سار إلى النار)، ثمّ يهرق دمعته وينصرف"(19).
* ما يُقرأ من القرآن
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "من قرأ آية من كتاب الله في مقبرة من مقابر المسلمين أعطاه الله ثواب سبعين نبيّاً"(20). والذي يُفهم منه استفادة الميت من كلّ ما يُهدى له من آيات الكتاب، كما ينتفع القارئ بذلك.
يُستحبّ قراءة:
1. سورة القدر: عن الإمام الرضا عليه السلام: "ما من عبد مؤمن زار قبر مؤمن فقرأ عليه: ﴿إنّا أنزلناه في ليلة القدر﴾ سبع مرّات، إلّا غفر الله له ولصاحب القبر الهداية"(21).
2. سورة التوحيد: عن الإمام الرضا عليه السلام: "من مرّ على المقابر فقرأ: ﴿قل هو الله أحد﴾ (إحدى عشرة) مرّة ووهب أجره للأموات، أعطى من الأجر بعدد الأموات"(22).
3. سورة الفاتحة: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إذا العبد يضع يده على رؤوس القبور، ويقرأ فاتحة الكتاب، وإحدى عشرة مرّة ﴿قل هو الله أحد﴾، نوّر الله قبر ذلك الميت، ووسّع عليه قبره مدّ بصره، ورجع هذا الداعي من رأس القبر مغفوراً له الذنوب، فإن مات في يومه إلى مئة يوم مات شهيداً، فإنّ الله تعالى يحبّ العبد الناصح لأهل القبور"(23).
4. آية الكرسيّ: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : "إذا قرأ المؤمن آية الكرسيّ وجعل ثواب قراءته لأهل القبور، أدخله الله تعالى قبر كلّ ميت، ويرفع الله للقارئ درجة سبعين نبيّاً"(24).
* زيارة قبور الشهداء
بلغنا أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أتى قبور الشهداء، قال: "السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار"(25).
ومع أنّ قبور شهداء أُحد تبعد عن المدينة مسافة يعتد بها، إلّا أنّ السيّدة الزهراء عليها السلام كانت تواظب على زيارتهم.
عن الإمام الباقر عليه السلام: "كانت فاطمة صلوات الله عليها تزور قبر حمزة وتقوم عليه، وكانت في كلّ سنة تأتي قبور الشهداء مع نسوة معها"(26).
وممّا يُقال في زيارة الشهداء كما ورد في زيارة شهداء أُحد: "السلام على رسول الله، السلام عليكم أيّها الشهداء المؤمنون، سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار، أتيتكم يا أهل التوحيد زائراً، وبحقّكم عارفاً، وبزيارتكم إلى الله متقرّباً"(27).
كما أنّ بإمكان المؤمن أن يواظب على بعض الأدعية التي تعيده إلى دار الدنيا عند الظهور المبارك، كالمواظبة على دعاء العهد الذي ورد فيه (أخرجني من قبري، شاهراً سيفي، مجرّداً قناتي، ملبّياً دعوة الداعي).
(1) الزيارة، السبحاني، ص3.
(2) جامع أحاديث الشيعة، البروجردي، ج3، ص529.
(3) المصدر نفسه، ج3، ص528.
(4) المصدر نفسه، ج3، ص529.
(5) المصدر نفسه، ج3، ص531.
(6) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج86، ص353.
(7) مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج2، ص484.
(8) جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج3، ص531.
(9) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج14، ص357.
(10) مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج2، ص484.
(11) جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج3، ص531.
(12) الفقه على المذاهب الأربعة، الغروي، ص696.
(13) جامع أحاديث الشيعة، ج3، ص532.
(14) مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج2، ص373.
(15) تهذيب الأحكام، الشيخ الطوسي، ج6، ص105.
(16) جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج3، ص534.
(17) المصدر نفسه، ج3، ص536.
(18) وسائل الشيعة، مصدر سابق، ج3، ص227.
(19) كامل الزيارات، ابن قولويه، ص536.
(20) جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج3، ص539.
(21) المصدر نفسه، ج3، ص539.
(22) مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج2، ص484.
(23) المصدر نفسه، ج2، ص484.
(24) جامع أحاديث الشيعة، مصدر سابق، ج3، ص539.
(25) المصدر نفسه، ج4، ص519.
(26) المصدر نفسه، ج3، ص531.
(27) المزار الكبير، المشهدي، ص98.