إلى كل القلوب | مقاومتنا روحها حسينيّة (2)* تسابيح جراح| "مستعدّون بجراحنا" الشهيد على طريق القدس محمّد محمود إرسلان وسائل التواصل: معركة الوعي في زمن التضليل مقابلة | حين يرتقي القائد لا تنتهي المقاومة بل تستمرّ بدمه تكنولوجيا | كيف نمنع هواتفنا من التنصّت علينا؟ (1) الملف | أبناء السيّد متكاتفون عوائل الشهداء: أبناؤنا في سبيل الله الملف | أولو البأس في الميدان الملف | الكلمة للميدان

إلى كل القلوب | مقاومتنا روحها حسينيّة (2)*

سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)


تستند مسيرة المقاومة الإسلاميّة، انطلاقاً من ثقافة عاشوراء، إلى مبدأ التكليف الشرعيّ وفق المبادئ الإسلاميّة وأصولها أوّلاً، وأدائه بصدقٍ وإخلاص وتحمّل تبعاته ثانياً، فضلاً عن مبادئ أخرى نتعرّف إليها في هذا المقال.

* التكليف لا يخضع لأهواء
إنّ الالتزام بالتكليف الشرعيّ لا يخضع لمزاج شخصيّ، أو هوى النفس، أو أهداف دنيويّة، أو مكاسب سياسيّة، بل عباد الله الصادقون المخلصون، الذين يعملون بتكليفهم ويبحثون عن طاعة الله في الليل والنهار، يعرفون ماذا يريد الله منهم. هذا هو دور الأنبياء عليهم السلام، والكتب، والقرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة، والعلماء، والفقهاء؛ إذ إنّهم قادرون على تشخيص الأمور بالشكل الصحيح.

* التوكّل على الله
إنّ ثقافة التوكّل على الله سبحانه وتعالى والثقة بوعده من المبادئ الأساسيّة في مسيرتنا. كان يقال لنا: أنتم مجانين! كيف ستستطيعون الانتصار على "إسرائيل"؟ أمّا جواب الله فكان دائماً: ﴿ولينصرنَّ الله من ينصره﴾، و﴿إن تنصروا الله ينصركم﴾.

لقد وثِقنا بوعد الله سبحانه وتعالى؛ فكنّا نعمل انطلاقاً من تكليفنا الشرعيّ مع مع إيماننا أنّه سبحانه هو من يختار لنا النتائج: نصر محدود، نصر عظيم، بلاء، امتحان، درس، ارتقاء شهداء، جوع، عطش،... نحن نسلّم لمشيئته، ونرضى بقضائه وقدره؛ لأنَّه تعالى يختار لنا ما فيه خيرنا وصلاحنا في الدنيا والآخرة.

لذلك، صحيح أنّ ثمّة نتائج نحبّها ونتمنّاها، ولكنّنا لا نستعجلها لأنّنا نؤمن أنّها في علم الله عزّ وجلّ، الذي يعلم مصلحتنا، فيؤجّلها لوقتها المناسب. وهذا ما كنّا نقرأه في خطابات الإمام الحسين عليه السلام وكلماته يوم العاشر من المحرّم: "رضىً بقضائك"، "تسليماً لأمرك"، "لا معبود سواك".

* اللجوء إلى الله تعالى
إنّنا نلجأ إلى الله عزّ وجلّ ونطلب منه العون والمساعدة والتثبيت: ﴿ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا﴾، والصبر والقدرة على التحمّل، لأنّ الإنسان قد يواجه أحياناً بلاءات وشدائد ومحناً يضيق صدره بها فلا يعود قادراً على التحمّل، فيطلب من الله أن يمدّه بالصبر وبالقدرة على الصمود حتّى يكمل طريقه وتكليفه المطلوب منه.

كما أنّنا نطلب منه تعالى الهداية والعلم، ونتوسّل إليه ونبكي بين يديه ليرشدنا إلى الطريق الصحيح لنعالج المشكلات والأزمات. ونطلب منه أيضاً أن يؤيّدنا ويسدّدنا ويحرسنا ويحمينا ويدافع عنّا وينصرنا، لأنَّ النصر بيده سبحانه وتعالى، فهو ينصر من يشاء، ويعزّ من يشاء، ويذلّ من يشاء، ويرفع من يشاء، ويضع من يشاء.

إذاً، إنّنا نلوذ به ونعود إليه في الأمور الصغيرة والكبيرة، وفي الأحوال كلّها؛ في الرخاء والشدّة. هذه أيضاً واحدة من ثقافتنا المستمدّة من ثقافة كربلاء. فالإمام الحسين عليه السلام، وقبل دقائق من شهادته، كان يتحدّث مع الله ويدعوه ويناجيه حتّى الرمق الأخير.

* الفضل لله أوّلاً وأخيراً
على الرغم ممّا شهدناه على مدى أربعين عاماً من الصعاب والشدائد والتحدّيات والمخاطر والحروب والمؤامرات، إلّا أنّنا اجتزنا كلّ هذه الصعاب والشدائد والمحن، وكنّا مع الوقت نزداد حضوراً وانتشاراً وقوّةً وتأثيراً وصولاً إلى ما نحن عليه الآن بفضل الله وبنعمةٍ منه سبحانه وتعالى، وليس بفضل تنظيم أشخاص وإدارة منهم.

ألا يتساءل أحد من أين جاء عوائل الشهداء بهذا الصبر؟ وكيف لأمّ الشهيد أن تقوى على توزيع الحلوى احتفاءً بشهادة ولدها؟ ومن أين جاء الصبر إلى العائلات التي قدّمت شهيدين وثلاثة وأربعة؟ وكيف لعوائل الجرحى أن يصبروا على جراحات أبنائهم؟ لقد أنزل الله الصبر والطمأنينة والسكينة على قلوب المؤمنين والصادقين طوال تلك العقود، في الوقت الذي كانت قلوب أعدائنا تمتلئ خوفاً ورعباً وهلعاً، وفي الوقت أيضاً الذي لا يوجد فيه توازن قوى عسكريّة بيننا وبين العدوّ الإسرائيليّ: ﴿إنَّ الله يدافع عن الذين آمنوا﴾. من كان يتوقّع أن تنسحب "إسرائيل" عام 2000م؟ كلّ التحليلات كانت تتحدّث عن أنّ الانسحاب سيكون في شهر تمّوز/ يوليو من ذلك العام بناءً على مفاوضات والتزامات وضمانات وشروط، ولكنّ الله سبحانه وتعالى أخرجهم قبل ذلك الوقت، فكان الاندحار في أيّار/ مايو.

وكذلك في حرب تمّوز 2006م، من كان يتوقّع أن تنتصر المقاومة على ذلك الجيش المدجّج بأحدث الأسلحة؟ إنّه الفعل الإلهيّ، والمشيئة الإلهيّة، والنصرة الإلهيّة. لقد تعلّمنا على مدى هذه السنوات أن نلجأ إلى الغنيّ والكريم والقويّ والرحمن والرحيم المطلق، الذي لا تنفد خزائنه ولا حدود لكرمه، والذي يسمع ويرى ويعلم كلّ شيء ويقدر على كلّ شيء؛ عندما نلجأ إلى هذا الموجود الذي يتمتّع بهذه المواصفات، فإنّه بكرمه وجوده ولطفه وعطفه ورحمته سيجود علينا.

ثمّة مواطن كثيرة في أدعيتنا تؤكّد هذا الكلام، من قبيل ما ورد في دعاء أبي حمزة الثمالي: "إنَّ لنا فيك رجاءً عظيماً، إنَّ لنا فيك أملاً كبيراً". وكذلك في الدعاء الذي واظبنا عليه في حرب تمّوز: "يا من إذا تضايقت الأمور فتح لها باباً لم تذهب إليه الأوهام"؛ إذا سُدّت كلّ أبواب الدنيا وحلولها، فإنّ الله يبعث بالفرج بشكلٍ لا يخطر في بال أو وهم أو خيال. وهذا ما حصل معنا على مدى 40 عاماً.

* استحضار كربلاء
في حرب تمّوز من عام 2006م، عايشنا هذه الأجواء كلّها. في الأيّام الأولى من الحرب، قصف العدوّ الإسرائيليّ كلّ الأهداف، حتّى أنّه صار يضرب الأماكن نفسها مرّات عدّة بسبب نفاد بنك أهدافه. هذا وتهجّر أهلنا من بيئة المقاومة من الضاحية الجنوبيّة والجنوب والبقاع، ودُمّرت آلاف المنازل، وسقط عدد كبير من الشهداء والجرحى.

في ظلّ هذه الأجواء القاهرة والضاغطة، لمسنا عن قُرب، وأكثر من أيّ وقت مضى، معاناة الإمام الحسين عليه السلام وما حصل معه في كربلاء، عاطفةً واستيعاباً وتمثّلاً للموقف. وقد تبلّغنا حينها بسحقنا إذا لم نقبل بالشروط الإسرائيليّة: تسليم الأسيرين بلا قيد وشرط، وتسليم سلاح المقاومة، والقبول بقوّات متعدّدة الجنسيّات كتلك التي احتلّت العراق وأفغانستان.

ماذا يعني القبول بهذه الشروط؟ إنّه استسلام، وذلّ وهوان، والسماح للقوّات الأجنبيّة أن تحتلّ بلدنا بذريعة إنهاء الحرب. لقد رفضنا كلّ ذلك بعدما حضر الإمام الحسين عليه السلام في عقولنا وقلوبنا وعواطفنا وأرواحنا بمواقفه التاريخيّة: "ألا إنَّ الدعيّ ابن الدعيّ قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة". لقد كان الإمام عليه السلامحاضراً بمواقفه وكلماته وأنفاسه وشجاعته وحماسته. وكانت السيّدة زينب عليها السلام أيضاً حاضرة في رجالنا ونسائنا وأطفالنا وبناتنا وأبنائنا. لذلك، واصلنا الحرب إلى أن تحقّق النصر بفضل هذه الثقافة.


*من خطاب لسماحة شهيد الأمّة السيّد حسن نصر الله (رضوان الله عليه)، بتاريخ: 31/7/2022م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع