نور روح الله | دور الشعب في انتصار الثورة* الشهيد على طريق القدس علي ناصر الدين بياناتنا هي التي تقتلنا! حديث الانتصار | شيفـرة المقاومة رحلة إخلاص تكلّلت بالشهادة "إنّا على العهد يا والدي" شيخ المجاهدين مجـاهدٌ فـي كـلّ الميـادين اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟

مجتمع | إنّ مع الصّبر نصراً

تحقيق: نانسي عمر


لم يكن غريباً على بيئة المقاومة مشاهد الصمود والصبر والتضحية التي شاهدها العالم على شاشات التلفزة ووسائل التواصل منذ انطلاقة جبهة إسناد غزّة، مروراً بالحرب التي شنّها العدوّ الصهيونيّ على لبنان خلال فترة العدوان. ورغم اضطرار الناس للنزوح عن جنوبهم وبقاعهم وضاحيتهم، التي خسر فيها كثير منهم بيوتهم وأرزاقهم وأحبّتهم وقادتهم، على رأسهم سيّد المقاومة وقائدها الأسمى (رضوان الله تعالى عليه)، الذي كان يمدّهم بعبارات الصبر ويشدّ عزمهم، إلّا أنّهم برهنوا للصديق والعدوّ أنّهم أبناؤه الأوفياء الذين يستحيل أن يبتعدوا عن وصاياه ونهجه قيد أنملة، أو يتخلّوا عن المقاومة التي أسّسها ورعاها، وقد بات شعارهم مع كلّ فقد أو تضحية «فدا روح السيّد».

* كعودة الروح إلى الجسد
كتبت زينب -وهي نازحة من الجنوب- على صفحتها على فيسبوك: "صلاة فجر هذا اليوم قربة إلى الله، قبلتها الجنوب الذي سجد وحمد ولم يركع". عن ذلك تقول: "أوّل ما خطر في بالي كان غزّة وجرحها وكلّ الشعب الفلسطينيّ الذي تمنّيت أن تكون له العقبى في إيقاف هذا النزف الوحشيّ". وتتابع: "عندما عدنا إلى الجنوب، شعرت وكأنّ روحي عادت إلى ملاذها، كمن حبس نفساً طويلاً وأبى التنهّد به إلّا في سماء الدار. أمّا عندما دخلت إلى منزلي، فكانت كتبي أوّل ما تفقّدت، فهي ثروتي الشخصيّة التي لم أستطع حملها معي عندما خرجنا، وكذلك شجرة الرمّان الموجودة في منزلنا والتي تعني لي كثيراً، وقد لفتني أنّ أكوازها كانت صامدة ومتعلّقة بالأغصان رغم يباسها، وكأنّها بصمودها توجّه رسالة للعدوّ الذي لم يرحم حجراً ولا شجراً".

وتعتبر زينب أنّه رغم سلبيات الحرب، إلّا أنّها "حفرت في أنفسنا أهميّة التعلّق بأرضنا ومبادئنا وقناعاتنا، وعلّمتنا الصبر والتوكّل على الله واليقين بالدعاء، وأكّدت لنا أنّ الحقّ لا يساوَم عليه". كما أنّها تعبّر عن فرحتها بالنصر الذي تحقّق بفعل صمود الناس وثبات المقاومين، الذي منع العدوّ من احتلال أرضنا رغم كلّ الضربات التي تلقّتها المقاومة قبل بداية الحرب.

* الصبرُ على فقد السيّد
يعبّر حسين بدموعه عن فرحته بالنصر والعودة إلى منزله في الضاحية، وقد تأثّر بمشهد عودة النازحين رافعين أعلام المقاومة وإشارات النصر، والبسمة ترافق وجوههم المثقلة من معاناة الحرب والنزوح. يقول: "كشفت لنا الحرب أهميّة تكافل أفراد الشعب وتعاونهم ووقوفهم جنباً إلى جنب خلال الأزمات التي تعصف ببلدهم، فقد شعرنا أنّ من آوانا هم أهلنا وأصحابنا، إذ قدّموا لنا كلّ ما يستطيعون بكلّ حبّ". ويتابع: "ما كان يصبّرني خلال الحرب، هو كلمات سماحة السيّد الشهيد (رضوان الله عليه) وخطاباته حول الصبر والتحمّل والتوكّل على الله في كلّ حين. وقد كان السيّد الشهيد أوّل من تذكّرت عند عودتي إلى منزلي منتصراً، كما وعدنا سماحته".

* في بيتنا شهيد
لعوائل الشهداء الحصّة الأكبر في تذوّق طعم النصر مجبولاً بالشوق إلى الشهيد الذي قدّم نفسه فداء للوطن، فكانت عودة عائلته إلى البيت مسكّناً للوعة الشوق، حيث يدور الأبناء في زوايا المنزل باحثين عن الذكريات. تقول فاطمة (زوجة شهيد): "كثيراً ما تمنّيت العودة إلى المنزل لأستعيد ذكرياتنا وأيّامنا بتفاصيلها، فكلّ ما في المنزل يذكّرنا فيه، وعندما عدت شعرت بالفخر لأنّ دماءه ودماء الشهداء هي التي أعادتنا إلى بيوتنا". وتضيف: "كان يتبادر دوماً إلى ذهني الحديث الشريف: (نعمتان مجهولتان: الصحّة والأمان)، فقد علّمتني الحرب أنّ الحياة أبسط بكثير من التعقيدات التي كنّا نلزم أنفسنا فيها، وأنّ الأنس بالعائلة لا يعادله شيء في هذه الدنيا. كما علّمتني قيمة مساعدة الآخرين، وعرّفتني قيمة وطني لبنان، وأنّ البقاء للأقوى، لذا، يجب أن نكون الأقوى".

* حتّى لو استشهدنا جميعاً
أمّا زهراء (ابنة شهيد) فترى "أنّنا انتصرنا بمجرّد أن طلب العدوّ التفاوض لوقف إطلاق النار، فهو رغم تفوّقه العسكريّ والتكنولوجيّ وجملة الاغتيالات التي قام بها والضربات القاتلة التي وجّهها للمقاومة، إلّا أنّه لم يصمد أكثر من شهرين، وسارع نحو التفاوض. تقول زهراء: "في لحظة الإعلان عن وقف إطلاق النار، شعرت وكأنّ والدي استشهد من جديد، وتجدّد الحزن عندي، فكان شعور الفرح بالنصر مزيجاً بين الشعور بالفخر والعزّة من جهة، والحزن على فقد والدي من جهة أخرى". وتتابع: "عودتنا إلى الديار كانت بفضل دماء الشهداء وتضحيات المجاهدين الذين كنّا ننتظر أخبار بطولاتهم لتهون علينا معاناتنا وآلامنا وتبرد نار قلوبنا. وكنت دائماً أتمنّى لو أنّ كلّ بيوتنا وأرزاقنا تفنى ويبقى السيّد والشهداء لأنّنا نقوى بهم".

وعن تجربة الحرب، ترى زهراء أنّها كانت قاسية، "لكن ما كان يواسينا هو أنّ إمامنا الحسين عليه السلام وأهل بيته وأصحابه استشهدوا جميعاً في كربلاء، وكلّ مصائبنا تهون أمام مصائبهم. لقد استشهد أبي وعمّي وخالي وأولاده، ومع ذلك، سنظلّ نسير على نهجهم، فشعارنا كان: إمّا النصر أو الشهادة، وكما قال سيّدنا الشهيد: هذا الطريق سنكمله حتّى لو استشهدنا جميعا".

* الدعاء سلاح الأنبياء
"كلّ التضحيات التي حصلت منذ أكثر من سنة حتّى اليوم الأخير من الحرب، استحضرتها لحظة عودتي إلى منزلي. ورغم أنّه تضرّر، إلّا أنّني كنت سعيدة وفخورة لأنّني قدّمت شيئاً في هذه الحرب، وإن كان بسيطاً أمام التضحية بالنفس والدم، فشعرت أنّني صرت شريكة في هذا النصر"، تقول سحر. وتضيف: "طيلة فترة الحرب، كنت أشعر بالاطمئنان لأنّي على يقين بأنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو قائد المعركة ومن كان يديرها، ومسيرة هو قائدها يستحيل أن تنتهي. ومهما اشتدّت الأزمة، كنّا وسنبقى على ثقة تامّة بقرارات المقاومة وثبات المقاومين، الذين علّمتني الحرب أن أساندهم بالدعاء كأقلّ واجب تجاههم، وهو ما علّمنا إيّاه أنبياؤنا وأئمّتنا عليهم السلام كسلاح فعّال ووسيلة للنصر إلى جانب الجهاد والصبر".

هذه النماذج ليست إلّا جزءاً بسيطاً من بيئة المقاومة التي كانت وستبقى أسوة في الصبر والصمود كما في الجهاد والتضحية في كلّ الميادين، فأمّة كان معلّمها الشهيد الأسمى سماحة السيّد حسن نصر الله حتماً ستنتصر بدمائه، كما كانت تنتصر بكلماته وإرشاداته ودعائه.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع