مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أوجُه الجهاد في المقاومة

محمود دبوق


المقاومة، لا يمكن أن تُختصر في الطلقة أو العبوة أو الصاروخ، مع ما للسلاح من سمة الردع والقوة المطلوبة، لكن هل يمكن للسلاح أن يبلغ هدفاً معيّناً دون ثوابت عقائدية وأخلاقية تزيد من فعاليته؟ ونحن عندما نقول إنّ المقاومة أنواع وأساليب، فهذا يعني أنها جميعها من مظاهر القوّة والإعداد المسبق، إن على مستوى بذل النفس، أو المال، أو الكلمة، أو التثبيت والمواساة، فلا بأس من تناول هذه العناوين بقليل من الإيضاح.

* الجهاد بالنفس
إنّ الجهاد في سبيل الله ببذل النفس هو غاية الجود والفداء. والإنسان الذي يُعِدُّ نفسه لهذا الطريق، إنّما هو صاحب قرارٍ وإرادة نموذجية. وماذا يمكن أن يقدّم الرجل بعد نفسه وروحه وجسده في سبيل الله؟! فلا شكّ في أنّ الكلمات والحروف تحار في وصف هذا النوع من الإنسان المقدام والذي لا يرى في والديه وأبناءه وإخوانه وزوجته أو عشيرته أو ماله وتجارته مانعاً من التضحية والعطاء، وهو الإنسان العاقل الذي يدرك معنى العقاب الإلهي إن هو تخلّف، وهو قادرٌ على البذل والجهاد، حيث يقول تعالى في محكم كتابه: ﴿قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24).

إنّ الإنسان الذي يدرك قيمة نفسه، لا بدّ له أن يصونها ويرفعها. وغاية صيانة النفس أن تصبح طوع الأمر الإلهي من غير أنانية فيما يرضي الخالق. وهكذا فإنّ الإعراض عن الجهاد في سبيل الله هو استسلامٌ للرغبات ووقوعٌ في الضلال والأذى. ويفسّر ترك الجهاد بالميل إلى الدنيا الفانية وللنفس وهواها، ما لم يكن هناك عذرٌ، حيث يقول الإمام الصادق عليه السلام: «لا تدع النفس وهواها، فإنّ هواها (في) رداها، وترك النفس وما تهوى أذاها، وكفُّ النفس عما تهوى دواها»(1).

ومن المحسوم أنّ ما للمجاهد ليس لغيره من الدرجات عند الله، وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ...﴾ (النساء: 59). ويقول الشيخ مظاهري في كتابه (خصال المجهادين): «إنّ لأهل الجنّة درجات متعدّدة يوم القيامة، وهي درجات لا تتحمل عقول أمثالنا فهمها، ولا تقدر على إدراكها، ولكن مع ذلك، هناك ما هو أعظم وأعلى درجة من هذه الجنّات، هناك جنّة المجاهد ومكانها عند الله، فالشهداء عند الله: ﴿أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾ (آل عمران: 169).

* الجهاد بالمال
المال -بلا شكّ- من الوسائل الفعّالة للمقاومة، وللجهاد بالمال والنفس درجة عظيمة عند الله، يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ (التوبة: 20).

فإذا أعدنا النظر في الصراع القائم بين المستعمرين وأصحاب الحقّ في أرضهم، ممّن اتخذوا من المقاومة منهاجاً ومسلكاً، لرأينا مدى الهجمة الشرسة التي يتعرّض لها الممّولون الماليّون لأي مقاومة تحمل عقيدة حقّة بالخصوص. فكم من التدابير والإجراءات الصارمة وضعتها أمريكا لملاحقة أولئك الناس، وذنبهم الوحيد أنّهم ينتصرون لمقاومتهم ببعض مالٍ، لأجل ترميم منزلٍ دمّره الحقد الأمريكي الصهيوني، أو لسدّ رمق عائلة شهيد أو جريح، أو لشراء طلقة أو صاروخٍ مقابل أسلحتهم الفتّاكة، لكن يستحيل على العاقل صاحب العقيدة أن يتخلّف عن حديث رسول الله  صلى الله عليه وآله وسلم الذي يقول: «من جهّز غازياً بسلك أو إبرة غفرَ الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر»(2).

إنّ أبناء المقاومة الحقيقيّين، هم دائماً في حالة استنفار مفتوح، وإنّ الميسورين منهم ممّن يملكون حسّ الغيرة على وطنهم يدركون معنى كلام الإمام الخمينيّ قدس سره حين يقول: «لا تهتمّوا كثيراً بشكل بيوتكم وطريقة حياتكم وما شابه، بل اهتمّوا بما يحقّق العزّة الإنسانيّة، وبالمُثل التي حقّقت لكم النصر»(3).

إنّ نظرتنا لهذه الوسيلة الفعّالة، يجب أن تعيش في الوجدان. والشعور بالشراكة هو شيء هام جداً، فمن عناصر القوة في الأمّة أن يشعر كل فرد بدوره. وعندما يرى باذل المال أنّه شريكٌ في الجهاد وهو لا يقدر عليه بنفسه لسبب أو لآخر، فإنّه سيصبح مقاوماً فعلياً، وقد يوفقه الله تعالى ليبذل نفسه وماله معاً في يوم من الأيام.

* الجهاد بالكلمة
وما نريد أن نلفت إليه، هو خصوص الكلمة التي تمثّل حالة حقيقية ومؤثّرة من أنواع وأساليب المقاومة، فالكلمة المقاومة هي أشدُّ فهماً وأكثر الأصوات وضوحاً؛ لأنها صرخة مدوّية في وجه المعتدي، وميزان حقّ يميّز بها الناس أهل الحق من أهل الباطل. والكلمة المقاومة تبلغ بصاحبها مراتب السموّ والتكامل، وكلمة الباطل أو السكوت في موضع الحقّ تضع صاحبها في الدرجات الدنيا ليصير الساكت شيطاناً أخرس، يقول الإمام علي عليه السلام: «جاهدوا في سبيل الله بأيديكم، فإن لم تقدروا فجاهدوا بألسنتكم، فإن لم تقدروا فجاهدوا بقلوبكم»(4).

لعلّ نظرةً إلى موقف السيّدة زينب عليها السلام في وجه يزيد بن معاوية تشرح هذه الأبعاد وهي تنتصر للإمام الشهيد عليه السلام، بعد أن خاطبها ابن مرجانة بخسَّةٍ وحقد، قائلاً: «الحمد لله الذي فضحكم وأكذب أحدوثتكم»، فردّت عليه غير هيّابة لسلطانه ولا لجبروته، قائلةً: «الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه، وطهّرنا تطهيراً، إنّما يُفتضح الفاسق، ويُكذَّب الفاجر، وهو غيرنا... ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة»(5).

هذه بعض كلمات السيدة زينب عليها السلام وهي تختزن في مضمونها الاستعداد للشهادة في هكذا مواقف. ولا شك في أن السيّدة زينب عليها السلام كانت تدرك المعايير ومدى التأثير في هذا المشهد البطولي.

عندما نتناول قضية المقاومة، فإنّ الكلمة تصبح واجبة إذا أمنَ المتكلم على نفسه، واحتمل التأثير، وتجنّب السخرية والاستهزاء، بل تصبح سلاحاً ماضياً في موقفٍ يقتدي بموقف السيدة زينب عليها السلام.

وفي قراءة قريبة لتاريخنا المعاصر، ما زلنا نشهد مدى الحضور القوي والجاذبية المتميزة لكلمات قادتنا العظام، وكذلك كلمات المجاهدين والشهداء والجرحى وعوائل الشهداء وأطفالهم، وكلام محبيّ المقاومة، فكل هذه الكلمات هي نوعٌ من أنواع المقاومة.

* الجهاد بالتأييد والنصرة
إن التأييد للمقاومة والوقوف بجانبها يشكّل عاملاً مهماً من عوامل الانتصار، وخصوصاً في هذه الأوقات التي يحاول فيها الأعداء من أمريكا و«إسرائيل» بثّ الفرقة والنزاع بين المقاومة والناس، واصطناع برزخٍ أو مسافةٍ معنوية تضغط وجدان الناس وتزرع في قلوبهم «فيروس الخوف» كما يسميه الإمام الخامنئيّ دام ظله من خلال «إمبراطورية الإعلام الأمريكية». ونحن الذين جرّبنا الانتصار في لبنان، ندرك جيداً تجربتنا السابقة والكمّ الهائل من التهديد والتهويل الصهيوني، الذي ربّما ترك دماراً وتخريباً في الأبنية والدور والشوارع وبعض البنى التحتية بشكل محدود، وربّما ترك أثراً لبعض الوقت في نفوس القلّة، لكنّه لم يمنع الانتصار التاريخي والهزيمة الإسرائيلية الأولى على يد المقاومين، ولا سيّما أبناء حزب الله، ولم يستطع أن يهزم الروح المقاومة لشعبنا المعطاء، حين وقف يطلق عبارات التأييد للمقاومة ودعمه لها ولخطها ومنهجها. وهذا التأييد كان سنداً ودعماً لثبات المقاومة حتى تبقى اليد على السلاح، وتبقى راية الحق الصفراء المجبولة بدم الشهادة والمصداقية مرفوعة في الأعالي.

قد يطول الصراع، وقد ينتهي بين ليلة وضحاها بنصر جديد وموعود، لكنّ تأييدنا ومواساتنا للمقاومين هو فعلٌ حقيقيٌّ وأسلوب من أساليب المقاومة المؤثّرة والفاعلة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع