آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي قدس سره
من أهم البركات التي تترتب على هذا الانتصار العظيم، إحياء دور جديد للإسلام. في الحقيقة بعد هذا الانتصار، يزداد إيماني بكثير من الحقائق التي وردت في القرآن الكريم والسنة الشريفة، وإن كنت أؤمن بها، ولكن الإيمان يزيد الاطمئنان، كما طلب إبراهيم عليه السلام أن يعيد الله تعالى إحياء الموتى في قوله تعالى: ﴿قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ (البقرة: 260).
* القلّة تغلب الكثرة
الاطمئنان بالقلب أمر نفسي تتفاوت درجاته شدةً وضعفاً، وأنا -على الرغم من إيماني بقدرة الله تبارك وتعالى وإمداداته الغيبية، والمعجزات التي تحققت على يد سيدنا ومولانا ونبينا الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، والكرامات التي تحققت على أيدي الأئمة الأطهار وأهل البيت عليهم السلام- ازداد يقيني واطمئناني بهذه الحقائق بعد تحقق هذا الانتصار العظيم لحزب الله. هناك نعلم أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بُعث في بلدٍ بعيد عن الثقافة والتمدن والحضارة والعلم والمعرفة، فلما أظهر رسالته وقام بإبلاغ رسالة الله على أحسن ما يتيسر له، وُوجِهَ بمعضلات ومصاعب كثيرة نعرفها وتعرفونها، ولكن بفضل البركات التي جاء بها، والآيات التي ظهرت على يده، والمعجزات التي ظهرت للناس، أخذ الناس تدريجياً يلتحقون بالإيمان. وبعد مدة قليلة، أخذ الإسلام ينتشر على وجه الأرض. حين ذاك كان المؤمنون بالنسبة إلى المشركين قليلين، ولكن حسب النسبة الموجودة بينهم كانوا نسبة قابلة للمقايسة. مثلاً: في حرب بدر التي ذكرها القرآن الكريم، نبّه على الآيات التي ظهرت في تلك الحرب
بقوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ (آل عمران: 123) إلى آخر الآيات المتعلقة بهذه القضية، لكن المؤرخين ذكروا أن النسبة بين المؤمنين وبين المشركين تقريباً كانت نسبة الثلث إلى الواحد.
أمّا الحروب التي تخاض في هذه الأيام فتختلف عنها بكثير، وخصوصاً الحرب الأخيرة بين المقاومة الإسلامية وبين العدوّ الإسرائيليّ. فلا توجد بين الطرفين نسبة معقولة. ولذلك، كان أكثر الناس يعتقدون أنّ هذه الحرب لا تتم إلا بهزيمة المقاومة من قبل الأعداء، حسب المقارنة التي تجري بين الطرفين، من حيث القوة والعدة والتكنولوجيا وسائر الأمور التي تؤثر في الهزيمة أو في الغلبة. ونحن نرى ما أشار إليه تبارك وتعالى بقوله: ﴿وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ﴾ (آل عمران: 123) أكبر منه بمرَّات، وقد رأيتم معجزاتٍ وآياتٍ تفوق الآيات التي قرئت يوم بدرٍ... وإن شاء الله، يتنبّه إخواننا إلى هذه القضايا وكتابتها ونشرها، وإنها -حسب ظنّي- تعدل نشر حقائق القرآن والسنة، وتأثيرها في النفوس أكثر من تأثير الحقائق الأخرى. فعلاوة على أن الفئة القليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، وعلاوة على المضايقات التي حصلت للمسلمين، تحقّقت بذلك نجاحات أكثر مما كنا نأمل تحققه، والأهم من جميع هذه البركات -حسب ظنّي- أنه تيسرت أرضية لتحقيق وازدياد الاطمئنان بالغيب، وبقدرة الله تعالى وحسن تدبيره وحسن قضائه بما يوجب أن نتوكل عليه أكثر مما كنّا نتوكّل، وأن نفوّض أمورنا إليه أكثر مما كنا نفوّض.
* الإيمان الراسخ
إنّنا في الأمور الجارية في الحياة نتّكل على كثير من الأسباب العادية، وإذا فقدنا بعضها نحزن، وربّما نترك العمل لأجل عدم توفر الكثير من الوسائل المساعدة للنجاح، فإذا أخذنا مثلاً هذه القضية (الحرب) التي حكم فيها أكثر العقلاء على أنه محكوم علينا بالهزيمة، كيف يمكن للإنسان أن يطمئن فيها إلاّ إذا رسخ الإيمان في القلب، وصار الإنسان كالجبل الراسخ لا تحركه العواصف؟ فإنّ ما بعده أمرٌ هين ذكره باللسان، أمام ما شوهد من مقاومة الإخوان الأعاظم في هذه الحرب، كأساطير تذكر، ويختلج تصورها في البال، لا يمكن للإنسان تصديقها، ولولا ما تحقق من هذا الانتصار العظيم من هذه الفئة المباركة، أنا ما كنت مطمئناً لوقوع مثل هذه الكرامات الإلهية، لكن أنتم كنتم تتوقعون وتؤمنون وتطمئنون، أمّا وقوع هذه القضية العظيمة، فقد أثبت الكثير من الحقائق التي كنا نعتبرها كأساطير، ولا ننسَ أن هذه منّة عظيمة نزلت من الله تعالى على هذا الجيل الذي يعيش في هذا العصر، العصر الذي تسوده العوامل الماديّة والطبيعيّة، ونحن نرى القرآن الكريم يركّز في كثير من الآيات على نقل حكاية تلك القضايا للاعتبار بها والاقتباس من أنواعها، ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (البقرة: 52)، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ﴾ (آل عمران: 13)، ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ (الحشر: 2).