مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

شبابيك اجتماعية | يا جاري.. صوتك يملأ داري

ديما جمعة


«لم أعد أحتمل البقاء في هذا المبنى... أرجوك فلنبحث عن شقّة أخرى«، قالت شذى كلماتها وهرولت إلى غرفة النوم. ها هو طفلها أحمد يستيقظ فزعاً من نومه للمرّة الثالثة، وبينما كانت تدندن له ليهدأ، تقدّمت صغيرتها زهراء وهي تفرك عينيها: «ما هذا الصراخ؟ ماذا يحصل؟». وبينما كانت شذى تشير إليها كي تخرج ليغفو أحمد، رنّ جرس الباب مراراً فانتفض الجميع، بمن فيهم زوجها ووالدته، وتأهّب الكلّ عند الباب، وإذ بجارتهم أمّ عبد الله تدخل وهي تضرب يداً بأخرى وتتقدّم لتجلس على الأريكة دون استئذان وتصيح:

- «ماذا نفعل؟ كلّ ليلة يتكرّر الأمر نفسه! لا بدّ من أن يشرح أحد لأبي محمّد أن يعالج مشاكله العائليّة بهدوء... إنّ إطلاق الشتائم بهذه الطريقة مرفوض! بالأمس لم ننم لأنّه كان يتابع مباراة كرة القدم، وقبلها لأنّه أراد تعليق الساعة على الحائط، ومنذ أيّام بسبب خطوبة ابنته وأصوات الموسيقى والزغاريد... وها هو الليلة يطلق شتائمه غير اللائقة. هل تشاجر مع زوجته برأيكم لأنّ العريس لم يعجبه؟».

أطلّ جواد برأسه من المطبخ هامساً: «سمعت أنّ العريس لم يعجب ابنته» ركضت نحوه زهراء وقد فرّ النوم من عينيها: «إنّه يشتم زوجته... ربّما لأنّ العريس لم يعجبها أيضاً»، فصاح بهم الأب: «لا أريد أن أسمع كلمة واحدة! هذا الحوار مرفوض. لا دخل لنا بما يحصل. ليذهب كلّ منكم إلى غرفته». ابتسمت له الجارة وقالت: «بالطبع لنا دخل... فنحن نتابع يوميّات أسرته كلّ ليلة، وإزعاجه يتجاوز جدران منزله... منذ أسبوع تشاجر مع زوجي حين طلب منه أن ينظّم ألواح الطاقة الشمسيّة على السطح، فهدّده ولم يستجب له. ألا يوجد من يردعه؟».

وفجأة سمعوا ضربة على الباب، صياح رجل، بكاء طفلة، توسّل امرأة، أصوات هرولة على الدرج، شتائم من العيار الثقيل.

وصايا النبيّ  صلى الله عليه وآله وسلم
تعدّ الضوضاء ثاني أكبر مصدر للتلوّث البيئيّ بعد الهواء. ورغم أنّ السبب الرئيس لها في المدن هو الازدحام المروريّ، فثمّة مصادر أخرى تسبّب إزعاجاً مماثلاً، مثل: الضجيج الصادر من الجيران عند الصراخ واستخدام الآلات الموسيقيّة والأجهزة الكهربائيّة، وإقامة الحفلات، وأصوات الحيوانات الأليفة، وأعمال الصيانة، وغيرها. كلّها تسبّب ضرراً تتفاوت درجة خطورته بحسب مكان السكن وحجم الصوت وتوقيت صدوره.

في الوقت الذي أشار فيه الإسلام إلى حقّ الجار، وشدّدت تعاليمه على أهميّة احترامه، يتناسى الكثير من الناس حقّ الجيرة، لدرجة أنّهم يتعاملون مع الأقسام المشتركة، من مصعد ومدخل وسطح المبنى، على أنّها ملكهم وحدهم، ممّا يؤدّي إلى حالات نزاع مستمرّة. لذلك، لا بدّ من الإشارة إلى وصايا عدّة وردت على لسان النبيّ محمّد  صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الخصوص:

1. وصّى النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بالجار قائلاً: «ما زال جبرائيل يوصيني بالجار حتّى ظننت أنّه سيورثه»(1)، ممّا يشير إلى كثرة حقوق الجار وحساسيّتها، فنستنتج أنّ التقصير في حقّه يوجب غضب الله وعقابه، كما أنّ العناية به هي من موجبات رضوان الله تعالى.

2. ليس الجار فقط هو من يسكن في المنزل المجاور لمنزلك، فعن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: «أربعون داراً جار»(2)، فجميعهم لهم حقوق وعليهم واجبات.

3. التقصير في أداء حقّ الجار وأذيّته من عدم الإيمان الحقيقيّ، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَمْ يَأْمَنْ جَارُه بَوَائِقَه (ظلمه)»(3).

4. وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «وإن أصابته مصيبة عزّيته، وإن أصابه خير هنّأته، وإن مرض عدته، وإن مات اتّبعت جنازته»(4)؛ فمن حقّ الجار أن تفرح لفرحه، وتحزن لحزنه، وتعوده إذا مرض.

5. من حقّ جارك أيضاً أن تعينه معنويّاً وتدعو له، وأن تعينه ماديّاً إذا لزم الأمر، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «وإن استقرضك أقرضته، وإن افتقر عدت عليه»(5).

6. إنّ أذيّة المؤمن، فضلاً عن الجار القريب، من الكبائر، ويكفي في ذمّها ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من آذى جاره حرم الله عليه ريح الجنة، ومأواه جهنم وبئس المصير»(6).

7. من حقّ الجار أنّك إذا طبخت في منزلك، وكانت رائحة الطعام تصله، أن ترسل له من ذاك الطعام، وقد روي عن رسول الله‏  صلى الله عليه وآله وسلم: «يا علي، إذا طبخت شيئاً فأكثر المرقة فإنها أحد اللحمين واغرف للجيران»(7)، كما قال صلى الله عليه وآله وسلم: «وإن اشتريت فاكهة فأهدِ له، فإن لم تفعل فأدخلها سرّاً، ولا يخرج بها ولدك ليغيظ بها ولده...»(8).

جعلنا الله ممّن اختارهم لطاعته وأداء حقوق جيرانهم، لأنّ الاطّلاع على الأحاديث النبويّة ووصايا أئمّتنا عليهم السلام في هذا المجال تجعلنا نعيد حساباتنا وندرك أنّ دورنا لا يقتصر على تأمين الراحة لأبناء منزلنا، إنّما يتعدّاه ليطال جيراننا. فهل نحن مدركون لحقوقهم علينا؟


(1) دعائم الإسلام، القاضي النعمان المغربي، ج 2، ص 88.
(2) ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج 1، ص 488.
(3) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 666.
(4) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 79، ص 94.
(5) المصدر نفسه.
(6) الأمالي، الشيخ الصدوق، ص 514.
(7) عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق، ج 2، ص 78.
(8) ميزان الحكمة، مصدر سابق، ج 1، ص 488.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع