مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

تربية | المقاومةُ قصّةُ إنسانٍ نرويها لأطفالنا

زهراء بريطع(*)
 

كان يا ما كان، وفي شهر يسبِقُ نيسان، يوم حمل الصغار لأمّهاتهم من خمائل الربيع باقات ورد وسكر، وفي أفواههم كلمات سينشدونها لهنّ فور الوصول، مع ما حملته أياديهم الصغيرة من عبق ملائكيّ. كان كلّ شيء على ما يرام، إلى أن تغيّر فجأةً وجهُ السماء؛ فزمجر رعدٌ بغيض يُنذر بالسوء، وظهر وحشُ الحقد والشرّ، وبريشته الخبيثة غيَّرَ كلّ ألوان الفرح، وحاصر العصافير في قفصٍ مظلم، لينقَضَّ على حافلة الطفولة، ويكتب بين سطور دفاتر الأطفال حروف إجرامه!

هكذا عاد الأطفالُ وورودُهم إلى أمّهاتهم ذات آذار ليصير نشيدُهم: «سفكوا في يوم العيد دمي، فخُذيني في العيد هديّة».

هي قصّة حافلة النبطيّة(1)، تلتها مجزرتَا المنصوري وقانا، التي منها انطلقنا لنتوقّف عند مسألة الطفل وأدب المقاومة. فما قصّة النضال مع الأطفال؟ وهل تؤثّر حكايا الجبهة والمقاومة والبطولات الحقيقيّة في غرس قيم نافعة فيهم؟

* مفتاح الحكاية
تعلو الصرخات والأصوات من حين لآخر: أبعدوا الطفل عن العنف، حيّدوه عن مشاهد الدمار والقتل، لا ترووا له قصص الحرب والألم والجوع والموت؛ حفاظاً على صحّته النفسيّة.

ولكن عن أيّ تحييدٍ يتحدّثون، ولطالما كان الطفل هو أحد أبرز المستهدفين والضحايا على مرّ التاريخ؟ بدءاً من عاشوراء الطفل الرضيع والقاسم ورقيّة وعبد الله بن الحسن، وصولاً إلى عشرات أسماء الأطفال الذين كانوا ضحايا العنف والإرهاب الصهيونيّ وغيره.

هكذا تشرّب أطفالنا في يوميّاتهم مشاهد الدمار والقتل والاستشراس من عدوّهم المتغطرس، حتّى باتت المقاومة والعزّة حكاية تُغذّيها الأمّهات لأبنائهنّ مع اللبن، ويرويها الأب حين يودّع طفله فجراً.

من هنا، ثمّة أساليب كثيرة ووسائل متعدّدة قد تكون السبيل إلى مدّ الطفل بالعنفوان، وتحصينه من كلّ ذلٍّ وخنوع وهوان، وإحداها هي: «القصّة». فهل يخفى على أحد تأثيرها ووقعها على مسمع الطفل وفؤاده؟ أوَليست الحِكايةُ هي تلك الـ: «كان يا ما كان» التي تنجذب إليها الآذان، وتستريح عند ملامحها رؤىً تختزن تاريخاً وزماناً، حتّى باتت أوّل مفاتيح الحكايا؟

عندما نحكي للطفل حكاية فارس عودة والحجر الذي واجه الدبّابة، وحين نروي له عن ابنة اليمن(2)، كيف فصلت صواريخُ الحقد بينها وبين دُميتها التي كانت تخيط لها مع الصباح ثوباً، وغيرهما الكثير من القصص التي لا تنتهي، يدرك حينها كيف انتفض أكارم أهل الأرض وأنبلهم؛ ليذودوا عن الأرض والعِرض، وليقدّموا دماءهم هدايا، فتعودَ الضحكة ليمنٍ ما عرفوه في الماضي إلّا سعيداً، وتعودَ البسمةُ لقدسٍ رمت عليها الشمس رمشها المذهّب، وتعود العزّة لأرزةٍ ما ثبَّتَ جذورَها إلّا بنادقُ الثوّار، وسيّجوا حدودَها بنجيعهم القاني.

* أساليب قصّة الطفل
بـ«كان يا مكان» تسرحُ خيالات صغارنا إلى كلّ بقعة يُحيلُها المقاومون حدائق غنّاء، بعد ريّها بأغلى ما يملكون، وذلك عبر أسلوبَين:

الأول: الأسلوب المباشر: الذي نروي من خلاله للطفل الحقائق كما هي، بطرق مبسَّطة تلائم قدرته الاستيعابيّة، وخصائصه النفسيّة والذهنيّة.

الثاني: الأسلوب غير المباشر: الذي نوصل من خلاله مفاهيم الجهاد والوفاء والتضحية، بالاعتماد على الخيال والرموز.

وهنا، يُسجَّل للتجربة الإيرانيّة نجاح كبير في هذا المجال، حيث كانت الأمّهات يروينَ لأطفالهنَّ قبل النوم قصص البطولة والتضحية، ويخبرنهم عن شجاعة آبائهم الذين ضحّوا بأنفسهم في سبيل الدين والكرامة. هذه القصص، التي عرفت باسم «لا لا لا يي» وُثّقت لاحقاً، من خلال إنتاج عشرات الكتب والقصص التي تحكي هذه الملاحم بأساليب فنيّة راقية؛ لتتناقلها الأجيال جيلاً بعد جيل. ومن هذه القصص قصّة عين عين سمكتان، الصادرة عن دار ميم.

* سمٌّ في عسل الصغار!
لم يتوانَ أهل الضعف عن محاربة الفكر المقاوم والتصدّي له، حتّى سعَوا لإيصال رسائل العبوديّة والاستعباد عن طريق «القصّة» أيضاً، وذلك لعلمهم بقوّة تأثيرها الكبير في الطفل. وقد راجت في فترةٍ سابقة وبشكلٍ منظّمٍ ومدروس مجموعة من القصص الموجّهة للأطفال، والمغلّفة بقالب الحكاية والخيال والرسوم الجاذبة، من بينها قصّة «الضفدعة والبقرة»، التي انطلقت من إحدى الدول العربيّة المطبّعة جهارةً مع العدوّ الصهيونيّ، وقد لاقت جدلاً واسعاً في أوساط المعنيّين في عالم أدب الطفل في تلك الفترة.

تفوح من هذه القصّة رائحة الاستسلام، وهي تسعى لتنبت في نفوس الأطفال الرعب من فكرة المواجهة. فالعدوّ [في القصّة] جبّار لا يُقهر، ومن التهوّر مواجهته في ظلّ النتائج المحسومة لصالحه. وفي نهاية القصّة تموت الضفدعة المسكينة دهساً تحت قوائم البقرة، بعد أن طالبت بحقّها في الشرب من ماء البحيرة هي وصغارها.

هكذا وبشكل غير مباشر تقول للطفل: إنْ كنت ضعيفاً، لا بدّ من أن تبقى ضعيفاً لتحفظ وجودك، كما أنّها تبرمجه على استحالة تحصيل حقّه من أيّ غاصبٍ أو معتدٍ آثم. هكذا تتدرّج مع الطفل ليصل إلى مرحلة القبول بواقعه، بل والقَبول بعدوِّه، وربّما مصافحته ومصادقته.

* من حكاية إلى واقع
لأنّ المواجهة تتطلّبُ الكفاح، لا بُدّ من وجود القصص التي تحاكي الجهاد والبسالة، ولغات الكبرياء كلّها. وينبغي أيضاً أن تمتلئ مكتبات أطفالنا بقصص المقاومة والمقاومين والانتصارات التي توثّق أمجاد المجاهدين.

الطفل في مرحلة توقّد خياله يستعين بكلّ الصور المجازيّة التي يكتشفها في القصص، ليبدأ برسم صورة خياليّة عن واقعه في المستقبل. وعليه، تبدأ تلك القيم بأخذ مكانها في وعيه وفي أولويّاته، فتتأصّل في نفسه، ومنها: البسالة، الشجاعة، الإقدام، الكرامة، النزاهة، المواجهة، الصبر، مساعدة الضعيف،... وما إن يدرك جمالها وقيمتها وأثرها في خاتمة القصص ونهايتها، حتّى يرسم لنفسه مكاناً بينها. هنا، تكون هذه القيم وقود شخصيّته في المستقبل، حيث لا يفاوض عليها ولا يراوغ.

فما أجمل أن يتحلّق صغارنا حول مواقد شتائنا البارد، ونحن نروي لهم قصّة المجاهد الذي يرابط في ذاك الصقيع لينثر الدفء في حنايا قلوبنا!

ويا لروعة صيفنا، إذا ما ضجّ بساطُهُ الواسع بهتافات أبنائنا، ونحن نروي لهم عن بطلٍ في حرِّ صيفٍ، يقبع في قلب الميادين بين النار والبارود، ويعود إلى أهله إمّا بنصر أو شهادة!

أيُّ جيل سينشأ، ونحن نحكي له قصّة ثائر وبطل ومقاوم، وأيُّ عزّ سنحصد وأولادُنا يتوارثون المجدَ جيلاً بعد جيل، من أبٍ مقاوم إلى ابنٍ إلى حفيدٍ يعودُ إلى أحضان أمّهِ مكلّلاً بالنصر أو بثوب الشهادة؟!

ولكن عن أيّ تحييدٍ يتحدّثون، ولطالما كان الطفل هو أحد أبرز المستهدفين والضحايا على مرّ التاريخ؟

(*) كاتبة ومحرّرة متخصصة في أدب الطفل.
(1) مجزرة باص مدرسة النبطيّة الذي كان يقل أطفالاً في الروضات، قصفه العدوّ الصهيونيّ في عيد الأم سنة 1994م، متذرعاً بالخطأ، واستشهد عددٌ من الأطفال.
(2) مجزرة المنصوري: قصف العدوّ الصهيونيّ سيارة إسعاف تقلّ أسرةً متذرعاً بالخطأ أيضاً، وذلك في حرب عناقيد الغضب 1996م، واستشهد ت الأم وجميع الأطفال ما عدا الابنة الكبرى. أمّا قانا فهي مجزرتان؛ الأولى في عناقيد الغضب 1996م لعائلات لجأت إلى خيمة اليونيفيل، والثانية في 2006م في حيّ آل شلهوب، وحصيلة المجزرتين استشهاد عدد كبير من الأطفال وذويهم أيضاً.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع