الإسلام دين الله الكامل الشامل التامّ، في كلّ أبعاده، وهو لم يعتنِ بأحد الأبعاد الإنسانيّة على حساب بقيّة الأبعاد وما يحتاجه الإنسان في حياته، بل إنّ الأحكام التي جاء بها تنسجم مع احتياجات الفرد، سواء ما يتعلّق منها بالشؤون السياسيّة أو أحكام الثقافة الإسلاميّة.
هذا النظام الإلهيّ هدف إلى تربية الإنسان وتكامله عبر تعاليمه وأحكامه. وعندما نراجع تاريخ الأنبياء والأئمّة عليهم السلام وسيرتهم، نجد أنّهم بذلوا كلّ ما في وسعهم وتحمّلوا من العناء ما تحمّلوا في سبيل تربيتنا وسعادتنا. النماذج عديدة، لكنّ حديثنا سيكون عن الإمام عليّ عليه السلام كنموذج للحاكم في الإسلام.
* حاكم متواضع
عندما نقرأ في سيرة أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام، نكتشف أنّه بسط نفوذ حكومته وإمامته على بلاد شاسعة شملت جميع أرجاء الحجاز والعراق وسوريا ولبنان ومصر وإيران، وتوحّدت كلّ هذه البلدان تحت لوائه، فكيف يا ترى كانت حياته؟ هل كانت مشابهة لحياة الأمراء؟
كان عليه السلام يمتلك جلد خروف فقط يفرشه ليلاً -حسب ما يذكر التاريخ- وينام عليه هو وزوجته، وفي النهار كان يحشو جلد الخروف علفاً ليعلف به البعير. وكان عليه السلام يحفر القناة بيديه. وفي اليوم نفسه الذي بايعه فيه المسلمون عاد لمواصلة عمله، ولم يكن يعمل من أجل نفسه ومنفعته الخاصّة، بل حفر قناةً، وما إن تفجّرت عين الماء منها حتّى جعلها وقفاً للفقراء.
يُنقل عن الإمام عليه السلام أنّه كان يحسب عوائد بيت المال كالزكاة ومقدار ما يجب أن يدفعه الناس من ضرائب لبيت المال، وكان مصباحه الزيتيّ في يده ليضيء به المكان. وبينما كان منهمكاً بإعداد الكشوفات، جاء شخص حسب ما تذكره الرواية، وكان له حديث خاصّ مع الإمام عليه السلام، فأطفأ المصباح ثمّ راح يحدّثه.
نحن أيّها السادة نريد مثل هذا الحاكم، نريد حاكماً يقتدي بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والإمام عليّ عليه السلام. نحن الذين تحمّلنا المشقّات وعانينا ما عانينا، عندما نطالب شعبنا المسلم أن ينتخب حاكماً، فإنّ خلاصة ما نريد وما نطالب به أن يكون لدينا حاكم غير خائن لهذه المسؤوليّة.
* الإسلام يريد تحقيق العدالة
أنتم تلاحظون ماذا يفعل رؤساء الجمهوريّات وهؤلاء السلاطين، ونحن لم نطّلع إلّا على القليل من جرائمهم. راجعوا الأحداث لتروا ماذا يفعل (الشاه) المجرم، وكيف يعيث فساداً في البلاد، وكيف يتصرّف في بيت مال المسلمين. إنّ هؤلاء الحكّام الذين يتساءلون عن هويّة الإسلام عليهم أن يدركوا أنّ هذا الدين لا يريد أن يخرّب أو أن ينسف ويهدّم كلّ شيء، بل على العكس ممّا يتصوّرون، فإنّ الإسلام يسعى للحفاظ على نظم الطبيعة لكنه يعمل على تطهير العالم ممّا علق فيه من مفاسد.
ولا بدّ من حكومة إسلاميّة تحقّق هذا الهدف العظيم، حكومة لا تسرق ولا تخون شعبها، وقد كانت للمسلمين حكومة وسلطة لم يرافقها النهب أو السلب أو الخيانة.
لم نرَ ولم نقرأ في كتب التاريخ أنّ أحداً من السلاطين والحكّام، مهما كان متغطرساً وظالماً، يخون شعبه ووطنه. صحيح أنّ أكثر الحكّام كانوا جبابرة فاسدين ويعتدون على الناس، لكن لم يجرؤ أحد منهم أن يبيع وطنه إلى الأجانب، وتقديم ثروات شعبه إلى الأجانب مجّاناً.
* الإمام عليّ عليه السلام القدوة
إنّنا نقتدي بحاكم كان يطفئ المصباح الذي هو ملك لجميع المسلمين من أجل أن يحدّث أحد أصحابه حديثاً خاصّاً. لقد كان الإمام عليه السلام يأتي إلى المسجد ليستمع إلى الجميع. ومن المسجد أيضاً كان يجهّز الجيوش لتنطلق إلى فتوحاتها، غير أنّ ذلك لم يغيّر من بساطة حياته.
إنّنا نقتدي بإمام قصره المجد الذي حظي به دون غيره؛ ففي يوم حلّ هذا الإمام العظيم ضيفاً على ابنته وكان ذلك في الليلة الأخيرة من حياته، وكان حينها في عزّ عظمته، قدّمت له ابنته خبزاً مع الملح واللبن، فقال لها ما معناه: (متى رأيتني آكل نوعين من الطعام في وجبة واحدة؟!)، فقدّمت له اللبن، لكنّه، طلب منها أن تقدّم له الخبز والملح عوضاً عن ذلك، واكتفى أمير الحجاز وإيران وسوريا ولبنان والعراق وبلدان أخرى، بأكل الخبز والملح!
*من كلمة الإمام الخمينيّ قدس سره في باريس، نوفل لوشاتو، بتاريخ 25 ذي القعدة 1398 ه. ق. صحيفة الإمام، ج 4، ص 110-115.