اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

قصة | لا تترك سلاح أخيك


رقيّة كريمي


كنت أرى قلقاً عميقاً في عيني ابنتي، عندما كانت تراقبني بصمت. كنت أعرف أنّها تصرخ في صمتها: «هل أنت بخير اليوم؟».

كنت أنظّف البيت وأنا مبتسمة. أمسح الغبار عن صورتك الجميلة. أيّ غبار؟! لم يكن عليها أيّ غبار، فقد كنتُ أنظّفها كلّ يوم.

في مجلس العزاء، سمعت سيّدة تهمس لأخرى: «هي الآن لا تدرك ما حدث. لكن عندما يتركها كلّ المعزّين وتبقى وحيدةً في البيت، ستعي ما حدث»، فقالت الأخرى: «عندها ستنهار على الفور». أصحيح ذلك؟ أيعقل أنّني لم أعِ ما حدث فعلاً؟ بلى، كنت أعي ذلك، بدليل أنّني عندما حضنتك للمرّة الأخيرة قلت لك: «بأمان الله يا ماما».

كنت أعرف أنّك قد لا تعود، وكنت مستعدّة لذلك منذ ذلك اليوم. لماذا يظنّ الجميع أنّني سأنكسر اليوم، غداً، بعد أسبوع، بعد شهر؟ لماذا يجب أن أنكسر؟ عندما ودّعتُ جثمانك لم أنكسر. لم أسمح لأحد أن يرى دموعي؛ فلم يكن وقت بكاء.

سمعت جارتي تقول، عندما كنت أعبر أمام بيتها: «ستقتلها الذكريات». تذكّرت طفولتك، لعبك مع الأطفال، ابتسامتك التي كانت تنسيني كلّ تعبي بعد وفاة والدك. لم تطلب منّي يوماً حتّى لو ليرة واحدة. كنت أشعر بالألم يعتصر قلبي؛ لأنّك كنت تفهم أنّنا في ظروف ماليّة صعبة على صغر سنّك. ليتك طلبت منّي شيئاً يسيراً، ولو سكاكر.

أستتركني هذه الذكريات؟ لا! لكن هذا لا يعني أنّني سأنهار يوماً. لا أعلم لماذا يظنّ الجميع أنّني سأنهار وسأسقط، حينما يرنّ هاتفي ظنّاً منّي أنّك تتّصل بي، وعندما أهرع إلى فتح الباب، لأجد أنّك لست خلفه! كلّهم يظنّون أنّني سأنكسر قريباً، كبيت يدمّر تحت القصف!

أنا بخير، أشتاق إليك يوميّاً لأنّ الفراغ الذي خلّفته وراءك لن يمتلئ. يسألني شقيقك باستمرار: «هل أنتِ بخير؟»، ويحضنني. « نعم، أنا بخير».

الجميع كان يخشى عليّ من الانهيار، فقد حاولوا إخفاء حقيبتك عنّي، لكنّني رأيت جثمانك الدامي، ولم أنهر. فكيف أنهار الآن وأنا أرى حقيبتك؟

عادت حقيبتك، أخرجت ملابسك العسكريّة منها. ارتفع صوت بكاء من حولي. كنت أشمّ رائحتك، وتذكّرت من جديد ابتسامتك. كأنّني أحضنك مرّة أخرى، وقت ولادتك، طفولتك، عندما تذهب وتعود. وحين حضنت جثمانك، لم يتوقّف صوت البكاء! لم أبكِ. رفعتُ رأسي، أبحث عن أخيك، كان قربي، أدنيته منّي وهو يبكي، ألبسته ملابسك العسكريّة، حدّقت في عينيه وقلت له بكلّ حزم:«لا تترك سلاح أخيك على الأرض»!

عن لسان والدة الشهيد مهدي قيس خضر(*) (ساجد صيدا)

(*) استشهد بتاريخ 1/7/2017م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع