اخرج إلى الضوء | عندما يكون القائد والداً للمجاهدين مهارات | المساندة النفـسيّة في الأزمات والحروب الملف | كيف نواجه إشاعات الحرب؟ الملف | بصبركنّ... ننتصر الملف | دعاء أهل الثغور: مدد المجاهدين الملف | الشهداء المستبشرون معالم المجتمع الصالح في نهج البلاغة الملف | قيم المقاومة آخر الكلام | تحت الركام.. الافتتاحية | الصبر حليف النصر

شهيد الدّفاع عن المقدّسات جميل حسين فقيه (أبو عبد الله)

نسرين إدريس قازان 


اسم الأمّ: ميرا الدبق.
محلّ الولادة وتاريخها: الطيري 28/11/1978م.
الوضع الاجتماعيّ: متأهّل وله ثلاثة أولاد.
محلّ الاستشهاد وتاريخه: الفوعة، 01/07/2015م.


ثمّة من يسكنُ الغربة، ويضمّه ترابها، فيما ينتظر أحبّته عودته، ليجلسوا عند ضريحه فيهدأ الشوق بانسكاب الدمع. كذا وقف أطفال جميل، ينتظرون جثمان جميلهم بلوعة، بعد سنة و9 أشهر و10 أيّام على دفنه وديعةً في قرية الفوعة أثناء حصار التكفيريّين لها.

* له من اسمه نصيب 
جميل الوجه والخُلقِ، المؤمن الذي بشره في وجهه، تراه مبتسماً مرحاً يلاطف من حوله بكلامه الرقيق، حتّى أصبح ملجأ الكثيرين من الناس الذين كان يزيل عنهم حزنهم وغمّهم. 

جميل العِشرة الذي كان يحبّ مجالسة العجائز كثيراً، فهم «بَركَتنا» كما كان يعبّر، فيأنس بأحاديثهم وقصصهم التي يحفظها وينقلها عنهم بأسلوبه الخاصّ، فيزيد رونقها لتضفي على جلساته أنساً دافئاً. أمّا مع الأطفال، فحدّث ولا حرج، إذ كان يتحوّل إلى فتى يلعبُ معهم، ويتودّد إليهم، ولا يملّ من الضحك معهم. 

هو الابن الحادي عشر لعائلة مؤلّفة من عشرة صبية وفتاتين، أسماهُ أبوه «جميلاً» على اسم صديقه. وقد ظهرت روحه المرحة واللطيفة منذ صغره، فلم تغب الغبطة يوماً عن تقاسيم وجهه، ولم يخبُ أيضاً بريقُ السعادة في عينيه، حتّى في أقسى أيّام حياته غربة ووحدة.

* ظروف قاهرة ونزوح 
بين ربوع قريته الطيري، نشأ جميل في أحضان عائلته المحبّة والمتماسكة. ولكم كان يأنس بجمعتهم، فيعلو ضجيج أحاديثهم وكأنّه لحن عُزف على وتر الحبّ. ولكنّ واقع الاحتلال الإسرائيليّ فرطَ عقد العائلة، إذ نزح إخوته الشباب إلى بيروت، لئلّا يلتحقوا بصفوف التجنيد الإجباريّ لعملاء لحد، أو يُزجّ بهم في معتقل الخيام. وقد حذا حذوهم جميل ما إن صار في عمر المراهقة، العمر الذي كان فيه بأمسّ الحاجة إلى البقاء مع والديه، ولكنّه حزم حقيبته والتحق بإخوته في منطقة وادي أبو جميل في بيروت، وكانت تلك المرحلة غربته الأولى، ومدماك وعيه للصراع مع العدوّ الصهيونيّ، فتحصّن بالإيمان والتقوى والشجاعة والإيثار.

عايش جميل في بيروت ظروفاً اقتصاديّة صعبة من جهة، وضيقاً من المعارك المتنقّلة بين المناطق من جهة أخرى، فعمل في بداية حياته العمليّة في محلٍّ للنجارة. وعلى صغر سنّه، نسج الكثير من العلاقات الاجتماعيّة في تلك المنطقة، إذ كانت طباعه ليّنةً حبّبت به الناس من حوله، إضافة إلى أنّه كان يسارع إلى خدمة الناس وقضاء حوائجهم، حتّى أنّه في بعض الأحيان كان يقف في الطريق بانتظار فرصة لتقديم خدمة لأيّ أحد يحتاج إلى المساعدة.

* المسجد: الانطلاقة 
لم يمكث جميل كثيراً في وادي أبو جميل، إذ سرعان ما انتقل للعيش مع أخيه في منطقة بئر العبد، بالقرب من مسجد الإمام الرضا عليه السلام، هذا المسجد الذي شكّل على مدى سنوات طويلة نقطة انطلاق المجاهدين إلى ثغور الجهاد ليعودوا إليه شهداء يحمل نعوشهم رفاقهم على الأكفّ.

كان مسجد الإمام الرضا عليه السلام المكان الذي بلور شخصيّة جميل الإيمانيّة والجهاديّة، إلى جانب بقائه مع أخيه الأكبر غسّان، توأم روحه، والذي ترك فيه أثراً بيّناً على الصعيدين الشخصيّ والجهاديّ على حدٍّ سواء.

في عمر الثامنة عشرة، التحق بصفوف المقاومة الإسلاميّة في المحاور الجنوبيّة، خاضعاً لدورات عسكريّة عدّة في مستويات مختلفة. وبدأت سلسلة مشاركاته في العمليّات الجهاديّة على المواقع الإسرائيليّة واللحديّة. وقد تأثّر كثيراً باستشهاد صديقه الشهيد إبراهيم فقيه (أبو خليل)، الذي شكلّت شهادته منعطفاً مهمّاً في حياة جميل وتطلّعاته نحو المستقبل.

* العودة إلى الربوع 
كان تحرير الجنوب في أيّار من عام 2000م كالحلم بالنسبة إليه، فسارع إلى الالتحاق بمواكب الناس العائدة إلى قراها، ومذ ذلك الوقت لم يغادرها إلّا إلى عمله، فشيّد منزله وتزوّج ورُزق بثلاثة أولاد، وكان يسعى جاهداً إلى تعويض أولاده عاطفيّاً عن أوقات غيابه، وواكب تربيتهم مع زوجته رغم غيابه الطويل. 

* عمل وحصار 
في حرب تمّوز 2006م، أوكلت إليه مهمّة إطلاق صواريخ، إلى أن أصيب جرّاء استهداف مكانه، وقد احترق كلّ ما حوله باستثناء البقعة التي كان فيها.

ومع بداية حرب الدفاع عن المقدّسات، التحق جميل مباشرة بالجبهة، وأوكلت إليه مهمّة المسؤوليّة العسكريّة للدفاع عن كفريا والفوعة مع مجموعة من الرفاق. لم يُفصح جميل عن طبيعة مهمّته هناك، وسرعان ما تماهى مع أبناء تلك القريتين، حتّى بات كابن لكلّ بيتٍ من بيوتهما، وقد ساعده في ذلك شخصيّته المتّصفة بلباقة حديثه وبيان حجّته، فأحبّه الناس جدّاً لحسن تعامله معهم، إذ كان يسألُ عن أحوالهم، ويتفّقد مرضاهم، ويجالس عجائزهم، ويؤمّن لهم الماء والطعام، ولمّا حلّ موسم قطاف الزيتون كان يساعدهم في القطاف، إلى جانب إدارته المسائل الاجتماعيّة والاقتصاديّة في ظلِّ حصار مطبقٍ وما نتج عنه من نقصٍ حادّ في المواد الغذائيّة. وخلال مدّة الحصار، كان جميل يطمئن إلى أحوال عائلته عبر الهاتف، وكان يزورهم كلّما سمحت له الظروف بذلك. 

استطاع جميل الخروج من كفريا والفوعة في شهر آذار، وتلك كانت زيارته الأخيرة لهما. وفي طريق عودته، تعرّض إلى حادثين خطيرين نجا منهما، أوّلهما على طريق اللاذقيّة، وثانيهما على طريق ضهر البيدر، وقد قال حينها إنّ الله كتب له عمراً جديداً، ولكنّه لم يدرك أنّ عمره ذاك هو فرصته الأخيرة لوداع زوجته وأولاده!

* نداء الواجب أقوى 
أسبوع واحد فقط هي المدّة التي قضاها جميل مع أسرته ليعود من بعدها إلى العمل. كان الحصار حينها قد أطبق كلّيّاً على القرية، ولكنّه أصرّ على التوجّه إلى هناك رغم شدّة الخطر الذي شكّله رصاص القنّاصين التكفيريّين على طول الطريق، وقد وصل بخير إلى المكان المقصود، ولكنّه حوصر مجدّداً مع رفاقه. 

في 25 أيّار 2015م، عرف جميل باستشهاد توأم روحه شقيقه القائد غسان (الحاج ساجد)، وقد عزّ عليه كثيراً عدم قدرته على حضور جنازته، خصوصاً وأنّه خلال الحرب لم يلتقِ به كثيراً. وقد عُرض عليه تأمين خروجه للمشاركة في التشييع، ولكنّه خشي أن لا يستطيع العودة إن خرج، فأصرّ على البقاء مع رفاقه.

في 14 شهر رمضان المبارك، وبينما كان جميل يهمّ بالخروج من مسجد قرية الفوعة بعد أداء فريضتَي الظهر والعصر مع رفاقه لإتمام إحدى المهام، باغتته رصاصة قنّاص تكفيريّ استشهد على إثرها مباشرة، فدُفن وديعةً هناك إلى أن حُرّرت القريتان، فاستُعيد جثمانه في 17 نيسان 2017م، ليُدفن في التراب الذي أحبّ وبقرب من يحبّ.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع