مايا عثمان*
لا تستطيع منى السيطرة على أعصابها كلّما انتابها قلق أو شعرت بالخوف من شيء ما، فتبدأ بالتصرّف بشكلٍ غريب بعد أن يتملّكها ذلك الشعور كلّيّاً ولا تستطيع السيطرة عليه.
نتعرّف في هذا المقال بهذه المشكلة التي قد يعاني منها كثيرون دون أن يلتفتوا إلى ماهيّتها وكيفيّة علاجها.
* الهلع مشكلة نفسيّة
قد يعاني بعض الأشخاص من أمراض نفسيّة ناشئة عن صدمات نفسيّة وإحباطات ومعاناة حقيقيّة، أو قد يعتقدون بأمور وهميّة لا وجود لها إلّا في أذهانهم، وهو ما يسبّب لهم ردّة فعل تُتَرجم على شكل نوبات من الهلع (panic attacks)، وهي ليست مجرّد شعور، بل أحد أنواع الاضطرابات النفسيّة التي تستدعي عناية خاصّة. فعندما يتعرّض الإنسان إلى موقف ما، فإنّ الأدرينالين يُفرَز دون محفّز حقيقيّ، وهو ما يدفع الجسم إلى عدم استعمال الكمّيّة الزائدة منه لعدم وجود خطر حقيقيّ، وعندها، يدخل الشخص في نوبة أو نوبات متكرّرة من الهلع. وتأخذ النوبة أشكالاً عدّة، مثل:
1. شعور متصاعد من الخوف الشديد غير المحتمل.
2. توقّع الخطر.
3. القلق والخوف من الموت أو الشعور أنّ شيئاً مزعجاً جدّاً سيحصل.
4. شعور الشخص المصاب أنّ هذه النوبة ستُنهي حياته.
كما أنّها تترافق مع بعض الأعراض الفيزيولوجيّة، مثل: تسارع نبضات القلب- الرجفة – التعرّق - مشاكل وصعوبات في التنفّس. وتستمرّ نوبة الهلع دقائق عدّة، وربّما ساعات بحسب قابليّة كلّ فرد واستعداد جهازه العصبيّ. وتعدّ النساء أكثر عرضة للإصابة بالهلع بمقدار الضعف مقارنةً مع الرجال.
* أسباب الهلع
ما زالت أسبابه غير معروفة حتّى اليوم، إلّا أنّه قد يكون للعوامل الآتية دوراً في تحقّقه:
1. الجينات والعوامل الوراثيّة.
2. تعرّض الشخص باستمرار إلى القلق والتوتّر ما يتسبّب له بضغوطات نفسيّة.
3. مرور الشخص بمراحل انتقاليّة مهمّة، مثل: الانتقال للدراسة في الجامعة، والزواج، وإنجاب الطفل الأوّل.
* التغيير والعلاج
الإصابة باضطراب الهلع ليست أبديّة، فثمّة بعض الطرق التي تساعد في علاج هذا الاضطراب، لكنه يحتاج إلى صبر وعزيمة ووقت. نذكر منها:
1. التطمين التدريجيّ: هو بثّ الطمأنينة في نفس المريض بطريقة تدريجيّة وتشجيعيّة دائمة لمواجهة القلق والتوتّر والخوف، بهدف مساعدته على تقليل الحساسيّة الانفعاليّة.
2. التعزيز: هي عمليّة تقديم معزّز اجتماعيّ أو نفسيّ أو ماديّ مضادّ لمثير القلق الذي سبّب نوبة الهلع، ويهدف المعالج إلى تكوين استجابة سلوكيّة مضادّة لسبب القلق لدى المريض؛ حتّى تصبح مشاعره إزاء السبب حياديّة، مستقرّة.
3. تبادل الحوار: يعدّ الحوار أحد أساليب التغيير والمعالجة، ويعمل على تصحيح الأفكار والمعتقدات والاتّجاهات، وإعادة تربية ما تحتاجه الشخصيّة من خلال خطوات العلاج المعرفيّ. ويعمل الحوار التشاركيّ بين المعالج والمريض، على بناء الثقة والاعتراف بمعاناة الأخير؛ لأنّ ذلك يُشكّل شرطاً أساسيّاً لنجاح العلاج، فيتهيّأ نفسيّاً لتقبّل الأفكار الجديدة، وتعديل الخاطئة لديه التي يسبّب تراكمها أعراض الهلع. كما يساعد الحوار في تحديد الأعراض الأكثر توتراً، وتعيين مجموعة من الخطوات التي يمكن اتّباعها لتحقّق عمليّة العلاج النفسيّ النتيجة المرجوّة. وكذلك تخفّف عمليّة التعبير والمصارحة عن كلّ فكرة وشعور من حدّة الأفكار المترسّبة في عقل المريض، بهدف تخليصه منها شيئاً فشيئاً حتّى تتحوّل في نهاية المطاف إلى أفكار منبوذة بالنسبة إليه.
* تقنيّات مساعدة ذاتيّة
في ما يأتي، نُقدّم بعض النصائح لكلّ من يُصاب بنوبة هلع:
1. توجّه إلى الله سبحانه بالدعاء، فهو الشافي والمعافي الذي يستمع إلينا ولديه مفتاح الحلّ لكلّ مشاكلنا.
2. لا تتحدّث عن الطاقة السلبيّة والإرهاق أثناء نوبة الهلع؛ لأنّ ذلك من شأنه أن يزيد الإحساس بالألم والتعاسة ويسبّب ضيقاً في التنفّس.
3. اخرج من المكان الذي تمكث فيه ولو لدقائق؛ لأنّ ذلك يساعد على الحركة وتنشيط الدماغ وإشغاله بأمر آخر.
4. قم بعمل محبّب إليك، كممارسة هواية مفضّلة أو زيارة أحد الأصدقاء، من أجل الترويح عن نفسك، وحتّى تشعر بنوع من المتعة والطاقة الإيجابيّة.
5. فكّر وتأمّل بكلّ ما هو خير، مثل وجودك بين أهلك، والتمتّع بصحّة جيّدة، وغيرها من نِعم الله التي تحيط بك، فهذا يساهم في زيادة طاقتك الإيجابيّة، ويُشعرك بالأمل وبالرغبة في التغلّب على الصعاب والتخلّص من الأفكار السلبيّة المسيطرة. وأطلق العنان لخيالك لرسم أهداف رحلة جديدة.
6. نظّم وقتك بشكلٍ جيّد، لأنّ الفراغ أكبر عدوّ للصحّة النفسيّة، وهو خزّان المشاعر السلبيّة.
7. تذكّر دائماً أجمل أيّام حياتك ولحظاتها، وثق بأنّ هذه الآلام ستزول، وستتبدّل المشاعر السلبيّة، ويتحقّق الرضى والاطمئنان.
* تمرين التدوين الكتابيّ
هو تمرين ذاتيّ أيضاً، حيث تقوم بتدوين بعض الأمور التي تصاحب إصابتك بالهلع، وفق الخطوات:
- الأولى: اشرح بالتفصيل أصعب حدث أو موقف واجهته هذا الشهر، وسبّب لك حالةً من الهلع.
- الثانية: دوّن الأعراض الجسديّة التي صاحبت حدوث هذا الموقف أو الحدث أو الفكرة، مثل: جفاف الفم، غصّة، برودة الأطراف، خفقان سريع في القلب، صداع، آلام في القولون، إمساك، آلام متفرّقة يصعب تمييزها، شعور بالدوّار، غثيان، أرق. ودوّن الأعراض النفسيّة المصاحبة للموقف أيضاً، مثل: خوف، قلق، إحباط، شعور بالذنب، ضعف تقدير للذات، أفكار سلبيّة، شعور بالعجز، رغبة في الموت، قلّة التركيز، ضعف الذاكرة.
-الثالثة: اكتب كيف تعاملت مع الضغط الذي واجهته سابقاً، والإجراءات التي اتّخذتها، وردّات الفعل السلوكيّة التي صدرت منك.
- الرابعة: خذ نفساً عميقاً وركّز على جميع حواسك، تخيّل أنّك تشمّ رائحة تحبّها، وتتذوّق طعاماً تُفضّله، وتسمع صوت أحد الأحبّاء، وتلمس شيئاً يُشعرك بالأمان، وترى أجمل مشهد مرسوماً في ذاكرتك، ثمّ فكّر بهدوء بأفكار إيجابيّة جديدة تناسبك لتواجه بها المواقف التي تتعرّض لها. اكتب عن هذه الأفكار.
- الخامسة: صفْ مشاعرك بعد أن قمت بالتمرين السابق بلحاظ الحواس الخمسة.
من شأن هذا التمرين وغيره من الخطوات العلاجيّة أن يساعد المريض في تعلّم ضبط ردود فعله التي تسبّب له نوبات الهلع، فيستطيع عندها السيطرة عليها تدريجيّاً ثمّ التخلّص منها. التخلّص من الهلع أمر جدير بالمحاولة، لأنّ الصحّة النفسيّة حياةٌ جديدة.
*معالجة نفسيّة.