الشيخ بلال حسين ناصر الدين
من يريد الوصول إلى قمّة جبلٍ، فإنّه لا محالة سيبذل قصارى جهده في أن يتخلّص من كلّ ما يعيق طريق الوصول إليها، وسيزيل عن ظهره الأثقال التي قد ترهقه في مسيره، والتي لو احتفظ بها، فإنّه سيصل بسببها متعباً منهكاً، لا حيلة له في الوقوف والثبات.
هكذا هو الساعي إلى الفوز والفلاح في الآخرة، الذي يؤمن بأنّ يوماً سيأتيه طوعاً أو كرهاً، ويقف فيه بين يديّ الله مسؤولاً ومُحاسباً على كلّ صغيرة وكبيرة، فلا بدّ لمثل هذا الإنسان من أن يزيل عن كاهله أثقال الذنوب والمعاصي التي اقترفها في حياته، والتي تقف حائلاً دون فوزه العظيم.
ولكن كيف السبيل لمن تكاثرت على ظهره الذنوب، وتراكمت عليه الخطايا والدواهي العظمى، ومضى من عمره ثلاثون عاماً وربّما أربعون أو خمسون أو ستّون، قبل أن يتخلّص من تلك الأوزان الثقيلة التي أثقل بها ظهره بنفسه؟ كيف له أن يصل إلى هدفه المنشود، خالي الوفاض، خفيف الظهر من أوزار تلك الذنوب وأوزانها؟
أيّها القارئ العزيز، إنّ الله سبحانه وتعالى لم يصف نفسه بأنّه الرحمن الرحيم، وبأنّه ذو رحمة واسعة دون أن يدلّنا على سبل الوصول إلى تلك الرحمة، وإنّ هذه الرحمة هي كأيّ شيء ثمين لا بدّ من السعي نحوها. ولأنّ الله رحيم بعباده، فقد سهّل علينا ذلك بأن وضع بين أيدينا بعض الأفعال والأعمال التي ما إن نقوم بها بنيّة صادقة دون رياء وسمعة، حتّى تكون سبباً في غفران كلّ الذنوب، سوى الشرك به سبحانه.
ومن ذلك أن يفعل المرء الحسنات، التي قال فيها الله سبحانه: ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ﴾ (هود: 114)، فمن قام بفعل الحسنات من صدقة وكلمة طيّبة وإصلاح بين الناس وقضاء حوائج المحتاجين، وغير ذلك من أمور يستطيع المرء أن يقوم بها يوميّاً ولو بالقدر المستطاع، ووضع ذلك في خطّة حياته، في علاقته مع أهله وعائلته وجيرانه وكلّ من حوله، فإنّه بذلك يضمن غفران ذنوبه بوعد الله تعالى.
وأيضاً ممّا يغفر الذنوب جميعاً الموت في سبيل الله، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «يُغفر للشهيد كلّ ذنب إلّا الدَّين»(1).
وكذلك الصلاة على محمّد وآل محمد، فعن النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «من قال اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد [...] خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه»(2).
ومن ذلك أيضاً الصلاة بين يديّ الله، فعن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: «إذا قام العبد إلى الصلاة فكان هواه وقلبه إلى الله انصرف كما ولدته أمّه»(3).
ومنها صوم رجب، فعن الإمام الرضا عليه السلام: «...ومن صام شهر رجب كلّه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه»(4).
وغيرها الكثير من الأعمال التي يستطيع المرء من خلالها أن ينال رضى الله سبحانه، ويزيل عن كاهله أعباء ما تقدّم من ذنوبه وخطاياه، خاصة في مثل هذه الأيّام التي دخلنا فيها إلى أشهر النور الثلاثة التي تحمل لياليها وأيّامها، بركات عظيمة، تعدّ فرصاً ثمينة يغتنمها المؤمنون لنيل التوبة بين يديه والتقرّب منه سبحانه.
1- ميزان الحكمة، الشيخ الريشهري، ج2، ص1514.
2- مستدرك الوسائل، الميرزا النوري، ج5، ص335.
3- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج81، ص261.
4- فضائل الأشهر الثلاثة، الشيخ الصدوق، ص 39.