مع الإمام الخامنئي | لا تنبهروا بقوّة العدوّ* نور روح الله | لو اجتمع المسلمون في وجه الصهاينة* كيف تكون البيعة للإمام عند ظهـوره؟* أخلاقنا | كونوا مع الصادقين* الشهيد على طريق القدس عبّاس حسين ضاهر تسابيح جراح | إصابتان لن تكسرا إرادتي(1) على طريق القدس | «اقرأ وتصدّق» مشهد المعصومة عليها السلام قلبُ قـمّ النابض مجتمع | حقيبتي أثقل منّي صحة وحياة | لكي لا يرعبهم جدار الصوت

بالدعاء ننتصر

الشيخ محمود كرنيب


طفل صغير ربما يبلغ الثالثة من عمره فقط، يجلس على الرصيف أمام ركام منزله، دموعه تجتاح وجهه، وهو يرفع كفيّه المضمّدتين ليقول بصوته الضعيف بأملٍ ويقينٍ كبيرين: «يا ربّ.. يا ربّ».

يعرف هذا الطفل ربّه، وهذه المعرفة مدّت قلبه بقوّة البقاء والصمود ولو كان يتيماً مُحاطاً بالركام. وعندما نعرف الله، لن تجتاحنا الأزمات، وسيكون الدعاء سلاحاً خاصّاً ننتصر به.

* الدعاء والتعبئة المعنوية
ممّا لا شكّ فيه أنّ في قوله تعالى: ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ (الأنفال: 60) أمراً بإعداد كلّ قوّة ماديّة كانت أو معنويّة؛ لذلك، يولي القادة الجهاديّون الجانب المعنويّ أهميّة كبيرة، إذ إنّه مصدر قوّتهم وصبرهم في جهادهم في مختلف الحروب والمعارك، وهو ما يتميّزون به عن أعدائهم، فيستجلب لهم المدد الإلهيّ ويستنزل النصر والفتح من العليّ القدير.

وكما أنّ لهؤلاء دوراً في التعبئة المعنويّة للقتال، فإنّ للمجتمع والأمّة دوراً في الشحن والتعبئة المعنويّة للمجاهدين أيضاً، وذلك بالدعاء لهم بالثبات والنصرة، وهو ما سنشير إليه بالاستناد إلى دعاء أهل الثغور للإمام زين العابدين عليه السلام (1).

* الحرص على ارتفاع الروح المعنويّة
ورد في فقرة من الدعاء «وأَنْسِهِمْ عِنْدَ لِقَائِهِمُ الْعَدُوَّ ذِكْرَ دُنْيَاهُمُ الْخَدَّاعَةِ الْغَرُورِ، وامْحُ عَنْ قُلُوبِهِمْ خَطَرَاتِ الْمَالِ الْفَتُونِ». إنّ الحرص على السلامة وحبّ الدنيا ونعيمها أثقال على الروح والنفس، وهي تضرّ بل قد تفتك بمهمّة وشجاعته وإقدامه. ولذا، استتبع الإمام عليه السلام كلامه ذاك بما يقوّي على الجهاد ويحفّز عليه ويُذهب الخوف ويخفّف الأثقال المبطّنة لخطوات ين في ساحات النزال، إذ يقول عليه السلام: «واجْعَلِ الْجَنَّةَ نُصْبَ أَعْيُنِهِمْ، ولَوِّحْ مِنْهَا لأَبْصَارِهِمْ مَا أَعْدَدْتَ فِيهَا مِنْ مَسَاكِنِ الْخُلْدِ»، وذلك بغية تحقيق أمرين:

- الأوّل: تخليص نواياهم في جهاد عدوّهم مما يشوبها دون الله. وفي ذلك يقول الإمام عليه السلام: «وأْثُرْ لَه حُسْنَ النِّيَّةِ»، واعْزِلْ عَنْه الرِّيَاءَ، وخَلِّصْه مِنَ السُّمْعَةِ، واجْعَلْ فِكْرَه وذِكْرَه وظَعْنَه وإِقَامَتَه، فِيكَ ولَكَ».

- الثاني: تقويتهم حتّى يثبتوا، ولذلك، جاء قوله عليه السلام: «حَتَّى لَا يَهُمَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالإِدْبَارِ، ولَا يُحَدِّثَ نَفْسَه عَنْ قِرْنِه بِفِرَارٍ».

إنّ الإمام عليه السلام يندبنا في هذا الدعاء للتوجّه إلى الله بالدعاء للمجاهدين، وأن نقرن هذا الدعاء بما نطلبه منه تعالى بالعمل بما نقدر عليه ممّا يُظنّ أو يُعلم أنّه سيوصلنا إلى ما نصبو إليه، ومعنى ذلك أنّ الإمام عليه السلام يريد منّا أن نساعد ين على تحصيل الإخلاص في النيّة بالجهاد بكلّ ما نقدر عليه، كأن نذكّرهم بثواب في سبيل الله، وأن لا نوقظ في نفوسهم ما يعزّز الميل إلى الدنيا وشهواتها، وتذكيرهم بالسعي لإخلاص نواياهم في جهاد أعدائهم.

* الدعاء للمجاهدين
المطلوب هو الدعاء للمجاهدين مطلقاً، سواء بالنصر أو بمقدّماته أو في ما يتعلّق بشؤون الجبهة كالمؤونة والدعم العسكري، أو يتعلق بشؤون المقاومين كسلامتهم ويقظتهم وعددهم وعديدهم: «وكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ، واشْحَذْ أَسْلِحَتَهُمْ، واحْرُسْ حَوْزَتَهُمْ، وامْنَعْ حَوْمَتَهُمْ، وأَلِّفْ جَمْعَهُمْ، ودَبِّرْ أَمْرَهُمْ، ووَاتِرْ بَيْنَ مِيَرِهِمْ، وتَوَحَّدْ بِكِفَايَةِ مُؤَنِهِمْ».

وإن كان الدعاء للمجاهدين بالحفظ وكثرة العتاد والأسلحة المشحوذة وتوفّر المؤن دعماً معنويّاً لهم، إلّا أنّه يرتّب بعض الوظائف للقادرين والمستطيعين، إذ ينبغي العمل على توفير كلّ تلك الاحتياجات أو بعضها، وبذلك نوصل رسالة التأييد الأبلغ من الدعاء، وهو أنّنا نجهّزهم بما يحتاجونه من أموالنا ومؤننا بل من أولادنا، ليوافق عملنا قولنا في الدعاء: «وكَثِّرْ عِدَّتَهُمْ».

* الاهتمام بالمدد الإلهيّ ومستنزلاته
برز ذلك في افتتاحيّة الإمام السجّاد عليه السلام في الدعاء، إذ علّمنا أن نقول: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وآلِه، وحَصِّنْ ثُغُورَ الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ، وأَيِّدْ حُمَاتَهَا بِقُوَّتِكَ، وأَسْبِغْ عَطَايَاهُمْ مِنْ جِدَتِكَ». فالاهتمام الذي ذكرناه أوّلاً بتحصيل ين النوايا الخالصة لله في جهاد عدوّهم، إنّما سببه ليستحقّوا من خلاله المدد بكلّ أشكاله: المعنويّة والماديّة وأتمّها النصر على الأعداء، ولنصل إلى قوله عليه السلام: «وأَمْدِدْهُمْ بِمَلَائِكَةٍ مِنْ عِنْدِكَ مُرْدِفِينَ».

أضف إلى ذلك، حيازة صفات تؤدّي إلى قهر الأعداء وغلبتهم، والتي منها إظهار الهيبة في صدور أعدائهم المباشرين بل حتّى الأبعدين، إذ إنّ الإمام عليه السلام يعلّمنا أن نعمل على نشر إنجازاتهم وإبداعاتهم القتاليّة لنشر الهيبة في كلّ عدوّ محتمل، فقال عليه السلام: «اللَّهُمَّ واعْمُمْ بِذَلِكَ أَعْدَاءَكَ فِي أَقْطَارِ الْبِلَادِ مِنَ الْهِنْدِ والرُّومِ والتُّرْكِ والْخَزَرِ والْحَبَشِ والنُّوبَةِ والزَّنْجِ والسَّقَالِبَةِ والدَّيَالِمَةِ وسَائِرِ أُمَمِ الشِّرْكِ».

* التنويه بهم وبجهادهم
وذلك من خلال:
1. الحرص عليهم وعلى سلامتهم ونجاحهم وانتصارهم، وغير ذلك ممّا ورد في الدعاء المذكور.

2. تقديس الجهاد وكلّ ما يذرفه من عرق ويقدمه من دماء والاعتزاز بذلك، كما يشير إليه الحديث النبوي الشريف: «إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ أَغْنَى أُمَّتِي بِسَنَابِكِ خَيْلِهَا ومَرَاكِزِ رِمَاحِهَا»(2).

ولهذا الأمر أثره في نفوس المجاهدين أوّلاً، وفي استعداد الأمّة للجهاد، ونظرتها إلى المجاهدين بصورة النقاوة والطهارة، ثانياً. من هنا، نفهم النهي عن النيل من سمعتهم كما في الحديث القائل: «من اغتاب غازياً في سبيل الله أو آذاه أو خلفه بسوء في أهله، نصب له يوم القيامة علم غدر فيستفرغ حسناته ثمّ يركس في النار»(3).

3. إظهار الرضى بهم والعرفان بفضلهم، وهذا ما يرشدنا إليه الحديث الشريف: «مَنْ قالَ لغازٍ مرحباً وأهلاً، حيّاهُ اللهُ يومَ القيامَةِ، واستقبلته الملائكةُ بالترْحيب والتسليم»(4).

4. التماسك والتوازن المعنويّ أمام الحرب وتكاليفها، فمن المعلوم أنّ للحرب كلفة في النفوس والأموال والأمن، فمنهم من قدّم جرحى، وآخرون قدّموا شهداء، وبعضهم له أسرى في سجون المحتلّ، وعن ذلك قال المولى عزّ وجلّ: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ (البقرة: 155).

أمّا عن الشهادة وحال الشهداء، فقال تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ (آل عمران: 169-170)، فهم أحياء لا تنقطع علاقتهم بأهليهم ومجتمعهم، وهذا ممّا يبعث على الصبر والثبات والتحمّل.

إنّ الدعم المعنويّ للمجاهدين هو أهمّ مقوّمات صمودهم، لذلك، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيّين وسيّد المرسلين يهتمّ بنفسه باستقبال المجاهدين بعد إنجاز مهامهم، إذ يُروى أنّه استقبل سريّة عائدة من الحرب بقوله: «مَرْحَباً بِقَوْمٍ قَضَوُا الْجِهَادَ الأَصْغَرَ»(5).

وهذا يرتّب علينا جميعاً، أفراداً وقادةً، مسؤوليّة الدعاء للمجاهدين، والتنويه بهم وبجهادهم، وإظهار عرفانهم وتضحياتهم وإنجازاتهم، وهذا أقلّ ما يمكن تقديمه أمام عظيم ما يبذلونه للأمّة جمعاء.

1- الصحيفة السجّاديّة، ص 126-130.
2- الكافي، الشيخ الكليني، ج 5، ص 2.
3- بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 97، ص 50.
4- مستدرك الوسائل، الشيخ الطبرسي، ج11، ص24.
5- الكافي، مصدر سابق، ج 5، ص 12.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع