هل ثمّة ارتباط بين عيدي الأضحى والغدير؟ في الواقع، إنّ الفاصلة الممتدّة من عيد الأضحى إلى عيد الغدير، ثم يوم المباهلة، هي مقطع متّصل يرتبط بموضوع الإمامة.
نطلّ عليكم في هذا المقال على بعض ما جاء من كلام الإمام الخامنئي دام ظله حول هذه المناسبات ودلالاتها.
* الامتحانات سبب للإمامة
يقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ (البقرة: 124). لماذا نصّب الله إبراهيم عليه السلام إماماً؟ لأنّه خرج بنجاح في امتحانات صعبة. يمكن اعتبار يوم عيد الأضحى بداية لهذا الأمر الذي يستمرّ إلى يوم عيد الغدير، يوم إمامة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام. كان هذا عقب امتحانات عسيرة. لقد أمضى أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام حياته المباركة كلّها في امتحانات خرج منها مرفوع الرأس. فمنذ الحادية عشرة أو الثالثة عشرة من عمره وإيمانه بنبوّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم راسخ، إلى ليلة المبيت في فراشه صلى الله عليه وآله وسلم، إذ كان شابّاً مضحّياً متفانياً وعلى استعداد للتضحية بنفسه في سبيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثمّ كانت تلك الامتحانات الكبرى في بدر وأحد وحنين وخيبر وسائر الوقائع. فهذا المنصب الرفيع هو نتيجة تلك الامتحانات؛ لذلك مالت القلوب إلى وجود صلة ما بين عيد الأضحى وعيد الغدير؛ وقد أطلق بعضهم على هذه الأيّام اسم "عشرة الإمامة"، وهي تسمية مناسبة(1).
* يوم المباهلة: يوم الحقّ
إنّ العشرة الأخيرة من ذي الحجّة، بل النصف الثاني منه، أيّام مهمّة من حيث تاريخ الإسلام والأحداث التاريخيّة الإسلاميّة. إنّ يوم الرابع والعشرين -حسب المشهور- هو يوم المباهلة، وكذلك يوم نزول آية الولاية في حقّ أمير المؤمنين عليه السلام وتصدقه بالخاتم: ﴿إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ﴾ (المائدة: 55).
وإنّ يوم نزول سورة (هل أتى) هو يوم المباهلة على قول من الأقوال. إنّها أيّام مهمّة. وفي النصف الثاني من ذي الحجّة لدينا يوم الغدير، وهو العيد الأكبر والحادثة المهمّة في تاريخ الإسلام.
إنَّ المباهلة -والتي ينبغي إحياء ذكراها [حادثة] مهمّة جدّاً- هي في الواقع مظهر الطمأنينة والاقتدار الإيمانيّ والاعتماد على الأحقّيّة، وهذا هو ما نحتاجه دوماً. اليوم أيضاً نحن بحاجةٍ إلى هذا الاقتدار الإيمانيّ وهذا الاعتماد على الأحقّيّة؛ لأننا نسير في طريق الحقّ، لذلك ينبغي أن نعتمد على هذا الشيء مقابل عداء الأعداء والاستكبار. وسورة (هل أتى) بدورها مظهرٌ لبركة عمل مُخلص، فلأجل إيثار أهل البيت عليهم السلام، أنزل الله تعالى سورةً في حقّهم. وهي -إلى جانب كونها حادثة تاريخيّة مهمّة جدّاً وعزيزة ومبعث فخر- درسٌ [يعلّمنا أنّ] للإيثار عند الله، حينما يكون مصحوباً بالإخلاص، أجراً دنيويّاً وأخرويّاً(2).
* المباهلة إثبات للتوحيد
جاء في الرواية: "ولم ينادَ بشيءٍ كما نودي بالولاية"(3)؛ إنّ مقام الولاية يفوق جميع الأحكام الإلهيّة؛ لأنّه الضامن لها كلّها، وما حدث في غدير خم، ذلك الحدث المهمّ جدّاً، خير دليل على ذلك.
كذلك في العشرة الثالثة ثمّة أحداث مهمّة، من جملتها، وربّما أهمّها، قصّة المباهلة. هنا أيضاً المسألة هي مسألة التوحيد، أي إنّ النقاش بين النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ومسيحيّي ذلك الزمان، نصارى نجران، انتهى إلى المباهلة.
كان النقاش حول حقيقة نبي الله عيسى عليه السلام، إذ كان النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم يقول إنّ عيسى عليه السلام هو عبدٌ لله، ونبيٌّ من أنبيائه، أمّا هم، فكانوا يقولون شيئاً آخر، فكان الاتّفاق على المباهلة، ثمّ اضطر هؤلاء إلى التراجع والانسحاب كما تعرفون القصّة.
أسأل الله أن يكون هذا اليوم مباركاً عليكم، وأن تكونوا قد أمضيتم عشرة أيّام مباركة، وأن تمضوا العشرتين الأخريّين من ذي الحجّة في ما يرضي الله(4).
(1) من كلمة له دام ظله بتاريخ 25/11/2009م.
(2) من كلمة له دام ظله بتاريخ 6/9/2018م.
(3) الشيخ الكليني، الكافي، ج2، ص 18.
(4) من كلمة له دام ظله بتاريخ 3/8/2020م.