نسرين إدريس قازان
اسم الأمّ: سناء حسن.
محلّ الولادة وتاريخها: جبيل 20/11/1990م.
الوضع الاجتماعيّ: خاطب.
مكان الاستشهاد وتاريخه: سراقب 28/2/2020م.
كان ذلك "إنجازاً عسكريّاً مثيراً للاهتمام"، بحسب ما عنون موقع إسرائيليّ خبر تحرير مدينة "سراقب" الاستراتيجيّة، بعد ثلاثة أيّام فقط من سيطرة التكفيريّين عليها.
• كرة نار مشتعلة
إنّها المرّة الأولى التي تشارك فيها قوّات النخبة في حزب الله بشكلٍ مباشر في مواجهات في تلك المنطقة، بعد أن تسلّل المجاهدون ليلاً إلى المدينة لاستعادتها، فوصلوا إلى مواقع التكفيريّين الأماميّة، مع مؤازرة ودعم أحاط بالمدينة، ألقى في نفوسهم الرعب؛ فسرعان ما تحوّل ليل "سراقب" إلى كرة نار مشتعلة، ووجه طلال كلمعة برقٍ بين أجنحة الظلام الخافقة، ينقضُّ كالأسد الغاضب على أوكارهم، وينسّق مع رفاقه خطوات التقدّم والتثبيت، فألحقوا الهزيمة بالتكفيريّين المدعومين من القوّات التركيّة في تلك المنطقة، والذين فضّل معظمهم الفرار.
• سعادة النصر
بزغ فجرُ "سراقب" حرّاً، وألقى شبابُ المعركة الرحالَ، فكانوا كأقمار سقطتْ من السماء، استوى الجمال على محيّاهم، وفاح طيبهم بين رائحة البارود والغبار، وكأنّ الجنّة قد تنفّست عليهم. وسرعان ما نزعوا عنهم رداء التعب، وعلت أصواتهم بالمزاح والضحك، وطلال بينهم يتنقّلُ بخفّةٍ مُلقياً مزحةً هنا، وتعليقاً جميلاً هناك، والسكينة التي ملأت قلبه بنجاح مهمّتهم جعلته يركنُ إلى لحظات السعادة التي تنتظره بعد أيّام؛ فقد هيّأ بيته الزوجيّ، وأتمّ ترتيب كلّ شيء، وما انتهاء هذه المهمّة إلّا إشارة لقرب عودته إلى عروسه، وإلى عينيْ أمّه اللتين تتلهّفان لرؤيته عريساً.
• كالقمر ليلة تمامه
تذكر أمّه أنّها عندما حملت به، رأت في منامها أنّها أنجبت صبيّاً، فأضمرت ما رأت إلى أن لمحت عيناها صبيّاً صغيراً جميل الوجه، عيناه خضراوان، وشعره أشقر، فتنهّدت هامسة في سرّها بدعاءٍ خافت أن يرزقها الله صبيّاً مثله جميلَ الوجه، فرُزقت قمراً في ليلة تمامه.
نشأ طلال في بيتٍ ملتزم. كان والده يعلّمه وإخوته الأحكام الشرعيّة منذ صغرهم، فيشرعون في الصلاة بالقرب منه وهم أطفال. وقد تأثّر برفاق الحيّ في حارة حريك حيث سكن العائلة، إذ منّ الله عليه بخيرة الأصدقاء الذين ساهموا في تشكيل وعيه المبكر، فكان يعود من المدرسة وينهي دروسه، ثمّ يلتقي بهم.
• ولادة جديدة
عندما بلغ الرابعة عشرة من عمره، بدا أنّه تخطّى ذلك العمر الحسّاس، إلى عمرِ الرجولة مختصراً السنوات، وهو يرى رفاقه يلتحقون واحداً تلو الآخر بالدورات العسكريّة، فأدركَ أنّ ما يريده في هذه الحياة هو الالتحاق بهم، أوَليس الجهاد في سبيل الله هو الباب الذي فتحه الله لخاصّة أوليائه؟! وهو أراد بصدق وإخلاص عبور هذا الباب والمشي في طريق المقاومة، طريق ذات الشوكة، الذي يحتاجُ من الزادِ القليل الثقيل، الذي لا يُرزَقه إلّا ذو حظٍّ عظيم.
انخرط طلال باكراً في العمل، وقد أخذته الحياة في تعبها وكدّها، فمشى معها بمحاذاة التحاقه بالدورات العسكريّة والثقافيّة، متحيّناً الفرص لتطوير مهاراته، وكانت تلك الأيّام هي مخاضُ ولادته الثانية لحياته الجديدة.
شكّل طلال مع رفاقه عُصبة جميلة، فتراهم كالجسد الواحد، متّحدين ومتعاونين. وهو المعروف بكرمه الشديد، لم تؤخّره حاجته للمال عن مساعدة غيره مؤثراً الآخرين على نفسه، فكان يسعى لقضاء حوائج الناس بصمتٍ، ولا يمرُّ على محتاج أو ذي عسرة إلّا مرورَ من يثلج القلب والروح.
• رحيل السند
هو المحبّ الحنون، صاحبُ الروح الجميلة والضحكة المليئة بالفرح، الذي كان يملأ البيت حياةً، فتراه يحتار كيف يساعد أمّه، ويخفّف عنها، خصوصاً بعد مرض والده الذي سرقه الموت منهم، فذابتْ روحه أمام رحيل السند والمتّكأ والصديق الذي رافقه في هذه الحياة. وعلى الرغم من أنّ وفاة والده كانت بعد سنة واحدة من التحاقه بالجبهة، إلّا أنّ طلال سارع إلى حمل المسؤوليّة مع إخوته والتصدّي لها.
• أوائل الملبّين
بعد نشوب حرب الدفاع عن المقدّسات، كان طلال من أوائل الشباب الملتحقين بالجبهة، وقد خدم في الكثير من المناطق، وشارك بعشرات المعارك على مدى ثماني سنوات، كَبُر فيها بين التلال والرصاص، واشتدّ عضده وقوي ساعده، وتبدّلت ملامحه، بين حضورٍ وغياب. وكان كلّما عاد، وجدته أمّه مثخناً بالأحزان، ورفاق دربه يرحلون عن هذه الحياة واحداً بعد الآخر.
طوال ثماني سنوات، لم يعرف أحد طبيعة عمله، ولكنّ التعب الذي كان يتمرّدُ أحياناً عليه، كشفَ أنّ ما يقوم به ورفاقه في سوريا لتنوء به الجبال.
• وكأنّه موعد الرحيل
في أحد الأيّام، عاد طلال من الجبهة جريحاً. لم تكن إصابته قويّة، ولكنّها كانت بالنسبة إلى أمّه إشارة اقتراب رحيل قمرها عن هذه الدنيا، وهو الذي كان يخبرها عند عودته عن استشهاد رفاقه، وكم يفتقدهم. ولمّا استشهد الحاج قاسم سليماني، أذهله الحزن عن الصبر، وتمرّدت ذكريات الجبهة على انعقاد الصمت، وهو يستذكرُ "البوكمال" و"حلب" و"الشام"، وكلّ شبرٍ زرع فيه الحاج قاسم من طيبه أثراً.
• مهمّة استشهاديّة
عندما أبلغَ طلال أمّه أنّه يودّ أن يعقد قرانه، عاشت أجمل لحظات حياتها، وانتظرت على أحرّ من الجمر أن تراهُ عريساً، فعمل على تجهيز بيته الزوجيّ، ورتّب كلّ شيء متّفقاً مع خطيبته أن يكون عرسهما بعد عودته مباشرةً من المهمّة التي طُلب إليها، وهو كان يعلم أنّ هذه المهمّة استشهاديّة إلى حدّ كبير، لصعوبة المنطقة، والدعم التركيّ القويّ والمباشر للتكفيريّين هناك.
• ثمانية أقمار
بقيتْ أزهار الوردِ في الأطباق غافيةً، حتّى عاد من عرينه الأسدُ مخضّباً بحنّاء دمه، هو ومجموعة من الرفاق الذين استشهدوا في غارة تركيّة على موقعهم. وكانت تلك الليلة في "سراقب" من أكثر الليالي عجباً، إذ توسّطَ سماءها ثمانيةُ أقمارٍ، انهمر ضوؤهم دموعاً في قلوب أحبّتهم الذين انتظروا عودتهم.
وبزغاريد عرس لا تخبو، زُفّ طلال إلى بيته الجديد في روضة الحوراء زينب عليها السلام ليجاور الشهداء، وحَسُن أولئك رفيقاً.