مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدّسات عباس محمد سماحة


نسرين إدريس قازان
 

شهيد الدفاع عن المقدّسات عباس محمد سماحة (مهدي ياغي)

اسم الأمّ: غادة سماحة.

محلّ الولادة وتاريخها: طاريا 02/07/1994م.

الوضع الاجتماعيّ: عازب.

مكان الاستشهاد وتاريخه: القلمون -الجراجير 23/8/2014م.


يشير اسمه، "عبّاس"، ولقبه منذ الصغر، "أبو الهمم"، إلى الكثير من خبايا شخصيّته، التي كانت تتشكّل شيئاً فشيئاً، حتّى بلغت مناها، ولم يكن هذا الوصال إلّا الخاتمة المتوقّعة والمثاليّة لشابّ حوّله يقينه إلى مسافر في دروب العشق.

•أنيس الجلسات
اللافت في قصّة عبّاس، المعروف بسماحة الوجه وطيبة القلب، أنّه أينما توجّه، فثمّة عُصبةٌ من الرفاق يلتقيها؛ منذ أيّام الدراسة، إلى ليالي المعسكرات، إلى صباحات القتال، إذ ظلَّ ينسجُ صداقاته، التي انجذبت إليه بأنس حديثه، وابتسامته التي لا تغيب عن وجهه، وبحقيبته التي شُبّهت بمضيف نقّال، فيجد فيها الرفاق ما لذَّ وطاب ممّا خصّهم به عبّاس.

•في خدمة أهله
عبّاس ابنُ بيتٍ ملتزمٍ مجاهد، كلمعة برقٍ أضاءت حياة والديه، فملأها حبوراً وفرحاً. كان حنوناً على والديه وإخوته، يبذل قصارى جهده لخدمتهم، ولا يملُّ من تلبية طلباتهم، وخصوصاً والده، الذي كان مثله الأعلى وقدوته في الحياة، ظلَّ يلوذ بحضنه طفلاً وشابّاً، وكأنّ تِيك اليدين تحوطان الأرض، وليس خصره، وصوت والده يصدح في أذنيه بالحدو الذي كان يسمعه مذ كان في القماط، حتّى لبس الكفن: 

عبّاس يا أميراً يا قاتل الطغاة

يا قمراً منيراً يا مشعل الحياة

•كالعبّاسَين
لقد شكّل اسمه -الذي انتقاه والده له تيمّناً بأبي الفضل العبّاس عليه السلام وبالسيّد عبّاس الموسويّ (رضوان الله عليه)، الصديق المقرّب له- امتحاناً مستمرّاً، فلم يكن سهلاً عليه أن يحمل اسم رمزين للتضحية، بكلّ ما تجلّى فيهما من بطولة وإيثار ومروءة، فنسج من قصّتهما بُردة تقيه غربة الدنيا، يحوّلها شراعاً إذا ما عصفت به رياحُ الأيّام فمالت سفينته، ومن منّا لا تميل به السفينة؟ وإنّما تبقى العبرة في نجاح الربّان أن يعيدها إلى شاطئ الأمان. وهنالك في مجالس أبي الفضل عليه السلام، دعا عبّاس ربّه أن يوفّقه ليكون كـ "سبع القنطرة"، لقبُ العبّاس عليه السلام الأحبّ إلى قلبه.

•طفولة وعهد
التقت براءته مع براءة الشهيد مهدي ياغي، ابن الجيران في بعلبك، والشهيد محمّد باقر جابر، رفيقه منذ طفولته، اللذين شكّلا جناحَي عبّاس فحلّق بهما. كانت مغامراته مع الشهيد مهدي لا تنتهي، وقد أورقت ذكرياتهما الجميلة على أغصان العمر، وكذا رحلته مع "حمّودي" الشهيد (محمّد باقر)، الذي كان يعشق أن يناديه باسم محبّب، وقد كبرا معاً. ولمّا التحق عباس بإحدى الدورات العسكريّة، تعرّف إلى الشهيد علي أبو طعّام؛ لتكتمل دائرة عهد الشهادة.

لم يخطر في بال أحد أن ّالأيّام ستدور وسيعلّق عبّاس صورتيّ صديقيه قرب صورة السيّد عبّاس بمحاذاة سريره؛ ليناجيهما بشوقٍ في ليالي الغربة الأخيرة!

•حماية للحرم
انطلق عبّاس مع محمّد باقر إلى الدورات العسكريّة، وتدرّجا معاً، ولمّا دقَّ نفيرُ الحرب، وطّنا نفسيهما على لقاء الله، وانطلقا للدفاع عن المقدسات في العام 2012م، بعد الحصول على الموافقة من المعنيّين، ليكون عبّاس على نهج أبي الفضل عليه السلام كافل زينب عليها السلام وحاميها. وفي ذلك اليوم، دخل عبّاس البيت ووجهه يفيض بالفرح، وهو يحمل إذن الالتحاق بالجبهة يزفّه إلى أمّه، وقد سعى جاهداً لتحصيله بعد التحاقه بالدورات العسكريّة، فمعركة الدفاع عن المقدّسات ضدّ التكفيريّين كانت تستحقّ كلّ هذا الإلحاح؛ مواجهةً للمشروع الكبير الذي كان يُحاك ضدّ المنطقة. 

في تلك المعركة، فارقه صديق عمره، استشهد مهدي ياغي، فحفر عبّاس اسمه مع تاريخ استشهاده على زنده، وبات اسمه الجهاديّ في المعارك. وقد شكّل استشهاد مهدي تحوّلاً لافتاً جدّاً في حياته، لمسه كلّ من يعرفه. ومع هذا التحوّل، أوجس عبّاسُ خيفةً من فراق توأم روحه الآخر، محمّد باقر، حين شعر أنّه سيرحل قبله، صدق حدسه، واستشهد "حمّودي" تاركاً عبّاس في وحدة قاتلة، بعدما انقطع الجناحان اللذان طالما أمسك بهما وشدّ عليهما. بعد شهادة محمّد باقر، أصبح ضريحه المكان الذي يلوذ به عبّاس كلّما عاد من ساحة الحرب. 

•الصديق الأخير
أمّا الشهيد السيّد علي أبو طعّام، صديق الطفولة الأخير الذي بقي معه، كان عبّاس يقول له دائماً: "أنت ستستشهد". وفي أحد لقاءاتهما، اقترح عبّاس على أخ الشهيد علي، أن يصوّرهما وهما يتلوان وصيّتهما، وكان ذلك قبل فترة قصيرة من استشهاد السيّد علي، وكأنّ حدسه أنبأه أنّ رحيل آخر أصدقائه بات قريباً! وبالفعل، استشهد السيّد علي لمّا كان عبّاس في دورة، فطلب إذناً للمشاركة في تشييع صديقه، وظلّ بالقرب من أهله مواسياً لهم، مستأنساً بهم، وهذا ما شدَّ عليه الخناق.

•"ما اشتقتلّي؟!"
معركة بعد أخرى، وعتابٌ بعد عتاب، وشوق ووحدة، وأنين قرب ضريح الشهيد محمّد باقر، بعد رحيل أصدقائه الثلاثة، كان يقول لمحمّد باقر: "إنتَ ما اشتقتلّي؟ هيك الرفقا؟ يلي بيشتاق للتاني بياخدو لعندو، إنت بس استشهدت تكبّرت عليّ. إذا ما أخدتني لعندك، مش رح زورك مرّة تانية!".

•"سأبيّض وجهك إن شاء الله"
لاحت ابتسامة مهدي ياغي اللطيفة آتية من حلم جميل، مدّ يده إليه، فأمسكَ بها عبّاس، ومضيا معاً، فأدرك أنّ الرحيل قريب. قرّر أن يودّع أهله، ويودعهم ذكرى في سلّة ذكرياته التي لا تنضب، فاحتفل بعيد ميلاده، وهو الذي كان في كثير من الأحيان لا يهتم به، ولكنّه كان مناسبة للقاء الجميع، ومحادثتهم، وتصفّح وجوههم وضحكاتهم، فشعر الجميع أنّ ثمّة شيئاً غريباً في وجه عبّاس، وفي نبرة صوته. ولمّا حان وقت الرحيل، دخل على أبيه وقال: "يا حاج، سأتوجّه إلى الجبهة، وسأبيّض وجهك إن شاء الله"، ولم يكن عبّاس ينادي أباه بـ "الحاج"، إلّا عندما يريد أن يوصل إليه رسالة ما! واستوضح أبوه منه أمر إصابة في زنده، إذ كان يجب أن يزيل شظيّة استقرّت فيه، فطمأنه بأنّها لا تؤثّر في عمله.

•كأصحاب الحسين عليه السلام 
التحق عبّاس بجبهة القتال، وكانت المعارك صعبة وقاسية، ولكنّه تسلّح بإيمانه العميق أنّ هذه المعركة الكربلائيّة هي فرصة لإثبات مقولة "يا ليتنا كنّا معكم" بالفعل وليس بالكلام فقط، فأراد أن يتحوّل في سماء الشهادة إلى قمر منير، يشعّ في دروب من بقي من شبابٍ صغار، سيلمحون صورته ويقرؤون قصّته، ليأخذوا منها العبرة التي تنجيهم من حبائل الدنيا، مثل حاله تماماً، إذ كان له رفاق أشدّاء أوفياء، عبر معهم إلى حيثُ أصحاب الإمام الحسين عليه السلام. 

•موعد اللقاء
في ذلك الصبح في منطقة الجراجير، أيقظ عبّاس صديقه لاستلام نوبة الحراسة، وما هو إلّا وقت قصير وبدأ هجومٌ عنيف، فأصيب ذلك الشابّ بثلاث رصاصات في صدره، أنقذه منها الدرع الذي كان يرتديه؛ ليستشهد عبّاس أثناء التصدّي للهجوم، ويلتحق برفاقه الذين سبقوه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع