آية الله الشيخ عبد الله جوادي الآمليّ
لا شكّ في أنّ فقدان الأمن وشيوع الظلم والعدوان من جملة الآفات التي تهدّد المجتمع الإنسانيّ، والتي تنشأ من غياب العدالة. إنّ المجتمع الذي لا يؤخذ فيه حقّ المظلوم، ويحارب فيه أصحاب المال والجاه من يحول دون وصولهم إلى أطماعهم الشخصيّة، لن يذوق أفراده الأمن الاجتماعيّ المطلوب. وعندما يرفرف لواء حكومة الحقّ والعدل المهدويّ عالياً خفّاقاً، ويعزف نشيد التوحيد، ويحكم بالعدل والقسط، لن يبقى أثر لما يهدّد الأمن من الظلم والتجاوز على حقوق الآخرين.
أمن وعدالة
إنّ الباحثين عن الحقّ من الأُمّة الإسلاميّة، ممّن بايع الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف ونال ببركته كمال العقل وروح القناعة والغنى، لن يكون سيرهم وسلوكهم إلّا في ظلّ التوحيد والعدل؛ لينالوا ثمرة عدل المدينة المهدويّة عجل الله تعالى فرجه الشريف وأمنها: "فمن بايعه ودخل معه ومسح على يده ودخل في عقد أصحابه، كان آمناً"(1).
وفي عصر الظهور، لن يُحرم أيّ فرد من أفراد الدولة العالميّة المهدويّة من الأمن والعدالة، كما سيقوم إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف بتوزيع الأموال العامّة والوظائف الحكوميّة على أساس الاستحقاق والكفاءة، ووفق قانون الوحي السماويّ من دون أيّ تأثير للعلاقات الحزبيّة، فيتساوى في ذلك جميع الخلق: "إذا قام قائمنا عجل الله تعالى فرجه الشريف فإنّه يقسّم بالسويّة، ويعدل في خلق الرحمن، البرّ منهم والفاجر"(2).
إجراء القوانين المعطّلة
عن مولانا أبي جعفر عليه السلام قال: "إنّ قائمنا عجل الله تعالى فرجه الشريف إذا قام دعا الناس إلى أمرٍ جديد، كما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وإنّ الإسلام بدأ غريباً، وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء"(3).
ويظهر أنّ هذا "الأمر الجديد" الذي وردت الإشارة إليه في بعض الأخبار عبارة عن جملة من الأحكام الواقعيّة مقابل الأحكام الظاهريّة، وإقامة الأحكام، وإجراء القوانين المعطّلة، فيقوم القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف بتنفيذها، ما قد يُتوهّم معه أنّه جاء بدينٍ جديد.
وهو الذي يدلّ عليه ما أفاده مولانا الإمام الصادق عليه السلام في جوابه عن سؤال عبد الله بن عطاء حول سيرة صاحب العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فأجابه عليه السلام أنّه يعمل بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويهدم السنن الجاهليّة الخرافيّة، ويعرض الإسلام في حلّة جديدة. قال: سألته عن سيرة المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف كيف سيرته؟ فقال عليه السلام: "يصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يهدم ما كان قبله، كما هدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الجاهليّة، ويستأنف الإسلام جديداً"(4).
عدلٌ وحقٌّ
لا يخفى، أنّ الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف يحمل على عاتقه مسؤوليّة كبيرة ترتبط بإقامة العدل وإحقاق الحقّ، ولذا، سيحكم بنحوٍ مغاير لما كان عليه الأمر في زمن أجداده ممّن كانوا يحكمون في النزاعات القضائيّة على أساس البيّنة والشهادة والقسم؛ أي الحكم بالظاهر؛ إذ سيحكم هو عجل الله تعالى فرجه الشريف بحسب الواقع. عن مولانا أبي عبد الله عليه السلام: "لا تذهب الدنيا حتّى يخرج رجلٌ منّي يحكم بحكومة آل داود، ولا يسأل بيّنةً، يعطي كلّ نفس حقّها"(5).
عصر العزّة والنصر
فقد ظهر، أنّ عصر الظهور وزمان حاكميّة آخر حجج الله عجل الله تعالى فرجه الشريف، هو عصر العزّة والعظمة والنصر للمظلومين وللمستضعفين، وزمان هزيمة الظلم والظلمة؛ وذلك أنّ حاكميّة الجور والكفر التي سادت العصور السابقة ضيّقت الخناق على أئمّة الهداية عليهم السلام، وسدّت الباب أمامهم، وفرضت عليهم مبايعة حُكّام الجور، فرأوا أنّ مصلحة الإسلام والمسلمين تقتضي المداراة. وأمّا الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، سيؤسّس لظهور حكومة الحقّ، ولن يكون في عنقه البيعة لأحد، ولن يكون له عهدٌ مع الطواغيت؛ فلن تكون له مساحةٌ أو مصالحةٌ معهم، ولن يعرض عليهم عدا الهداية أو التسليم.
عن مولانا الإمام أبي عبد الله عليه السلام: "يقوم القائم عجل الله تعالى فرجه الشريف وليس لأحد في عنقه عهدٌ ولا عقدٌ ولا بيعةٌ"(6).
يشفي صدور قومٍ مؤمنين
وآنذاك، يواجه الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف المعاندين المخالفين للحقّ وغيرهم ممّن لا يترقّب منهم غير الظلم والجهل والاستغلال، فينتقم منهم، ليظهر عجل الله تعالى فرجه الشريف في مقام مظهر اسم الله المنتقم، ويشفي صدور قوم مؤمنين: "وهذا الحجّة الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، ويشفي صدور قومٍ مؤمنين"(7).
(*) من كتاب: الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف الموجود الموعود، الباب الثالث: من الظهور إلى المدينة الفاضلة، الفصل الثاني، بتصرّف.
(1) علل الشرائع، الصدوق ج 1، ص 91.
(2) (م. ن)، ج 1، ص 161.
(3) الغيبة، النعمانيّ، ص 336.
(4) (م. ن)، ص 236.
(5) الكافي، الكليني، ج 1، ص 398.
(6) (م. ن)، ج 1، ص 342.
(7) بحار الأنوار، (م. س)، ج 36، ص 303.