مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

شهيد الدفاع عن المقدّسات المجاهد علي نمر دعيبس


نسرين إدريس قازان

شهيد الدفاع عن المقدّسات المجاهد علي نمر دعيبس (فداء علي)
اسم الأمّ: صفيّة دعيبس.
محلّ الولادة وتاريخها: ميس الجبل 13/8/1991م.
الوضع الاجتماعيّ: عازب.
مكان الاستشهاد وتاريخه: الزبداني 31/8/2015م.


أيّ لطفٍ ذاك الذي نزل على قلبه، فأنبت فيه العشق والحكمة؟ أيُّ توفيق قاده إلى ذلك الطريق الذي عبّده بالأعمال؟ بلى، لم يسعَ عليّ إلى الشهادة بالجهاد فقط، بل واظب على أعمالٍ خاصّة وأدعية، ولم يألُ جهداً بالبحث عن أيّ صلاة أو دعاء لتحقيق رجائه وأُمنيّته.

* "الشهيد ليس صورةً على الهاتف"
واضحٌ وضوح الشمس في منتصف النهار، صلبُ الإرادة، سعى إلى حيث يريد أن يكون بكلّ جهده. لم يتكلّف يوماً لأحدٍ أو لشيء، كان بسيطاً يشبه الحياة، وعميقاً لم يقتصر وعيه على شؤون الحياة وتحمّل مسؤوليّاتها، بل ربّى نفسه على تحمّل مسؤوليّة تصرّفاته إزاء محيطه، وخصوصاً تجاه الشهداء. تنضح وصيّته بجمال روحه وعقله وطهارتهما، وكانت كلماته مصداق الحبّ الحقيقيّ للشهداء: "الشهيدُ ليس صورةً تضعها خلفيّةً لهاتفك، ولا جملةً حزينةً تكتبها على مواقع التواصل، أو مرثيّة تسمعها، إنّما الشهيد نهجٌ وبلاغةٌ ومسيرةٌ ووصيّةٌ يجب الالتزام بها". هذه النظرة إلى الشهداء صقلت شخصيّته، وهذّبت أنفاسه التي وهبها لله مذ كان يافعاً، اختار طريق الجهاد قبل الأوان، فالتحق بأوّل دورة عسكريّة طويلة، وهو لم يكمل السادسة عشرة من عمره، مصرّاً على تحمّل ما قد يعجز عنه بعض من يكبرونه، حتّى أنّ أحد العلماء في الدورة رقّ قلبه لحاله، وسأله عن سبب عدم انتظاره ليكبر قليلاً، فأجابه أنّه يكسب الوقت.

* ربط قلبه بالحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف
كوّن عليّ مفاهيمه الخاصّة والواضحة جدّاً والمباشرة، وليس سهلاً أن يوفّق المرء لذلك، وخصوصاً أنّه كان في سنٍّ صغيرٍ حينما بدأت شخصيّته بالتبلور، وكلّما كبر زاد تأثّره بما يقرأ، ما انعكس تأثيراً في الآخرين؛ إذ إنّ سلوكه وأسلوب عباداته كانا مؤثّرين جدّاً، ولم يبخل يوماً بإسداء نصيحة عباديّة أو تعليم عملٍ معيّن لأيّ أحد.

في الدورات العسكريّة، كان الشباب يستيقظون على صوته الخافت الرقيق وهو يقرأ دعاء العهد، الذي كان عاملاً في حصول التوفيقات الروحيّة التي رُزقها؛ ففي الآونة الأخيرة، عمل على توطيد علاقته بصاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، لم يقم بأيّ عملٍ إلّا وكان يستحضر الإمام فيه، ربط قلبه به، فإذا ما استيقظ، قرأ سورة الإخلاص إحدى عشرة مرّة وأهداه إيّاها، وكذلك الأمر قبل النوم، ولم يكن ليخلف هذا الموعد أبداً.

* لا أحد يعلم بمهامه
عليّ، ابن عائلة متديّنة ومجاهدة، كان واحداً من إخوته المجاهدين الذين نذروا حياتهم للخطّ الجهاديّ. تميّز في طفولته بالهدوء والطاعة، وربطته بأمّه علاقة قويّة، حتّى أنّه كان كلّما دخل غرفةً هي فيها، ضمّها إليه وقبّلها، ولكنّ هذا التعلّق سبَّب له أرقاً في أيّام جهاده؛ إذ كان همّه كيف سيكون حالها كثيراً بعد رحيله. لذلك كان يحدّثها بفائض الحنان عن كربلاء وبكلّ صراحة، ويتمنّى لو كان مع الحسين عليه السلام، وأنّ زماننا هو زمن التلبية. وعلى الرغم من إشاراته الكثيرة ليمهّد لها شهادته فيما لو حصلت، إلّا أنّه لم يخبرها يوماً أين يعمل، وما هي مهامه، حتّى قبل استشهاده بساعات...

* "الشهيد حجّةٌ علينا"
عاش حياته ببساطة بين عائلته ورفاقه. وقد التحق بدورات عدّة في بيروت، ثمّ انتسب إلى الحوزة العلميّة، وكان كثير المطالعة للكتب، حتّى أنّه كان في بعض الأحيان يقرأ الكتاب الواحد خلال يومين، في الآونة الأخيرة ركّز في قراءته على سيرة الشهداء، وصار يتعامل مع كلّ تفصيل في حياته على أنّه سيُسأل عنه يوم القيامة أمام الشهداء، وقد وصفهم أنّهم "حجّة علينا"، وقال في وصيّته: "سنقف أمام الله وأمام كلّ شهيد يوم القيامة ونُسأل عن هذه الحجّة؛ فاحذروا".

ولم تقتصر هذه العلاقة مع الشهداء على شخصه، بل نصح الآخرين بها، أوَليس المثل يقول: "قل لي من ترافق أقل لك من أنت"؟! فإن كان الشهداء أصدقاؤنا، فكلّ تصرّفاتنا يجب أن تليق بهم".

* خيره صامت
عليّ شابّ خدوم، لم يتباهَ يوماً بفعل خير، وكلّ خيره عُرف بعد استشهاده؛ فقد تفاجأ أهله بحضور أمّ وبناتها إلى عزائه، كنّ من طائفة أخرى، بكينه؛ لأنّه كان يمرّ ليلاً أمام دكانهنّ؛ ليساعدهنّ في توضيب الأغراض خوفاً عليهنّ من مضايقات الشبّان. كما جاء إلى أخيه رجلٌ ليسدّد ديناً عليه، فأخبره أنّ عليّاً كتب في وصيّته أن لا أحد مدين له.

* أمارات الشهادة
شارك عليّ في العديد من المهام العسكريّة في حرب الدفاع عن المقدّسات في سوريا، وقد لاحت أماراتُ الشهادة على وجهه، حتّى أنّ بعض الأشخاص الذين التقوه في الفترة الأخيرة، لمّا سلّموا عليه، عبّروا أنّهم سلّموا على شهيد! وكان كلّما عاد إلى البيت، عوّض والديه وإخوته عن غيابه.

وفي زيارته الأخيرة إلى القرية، ألحّ صديقه عبّاس على الإخوان في المسجد، الذي تربّى عليّ فيه، أن يقرأ فقرة من دعاء كميل، فوافقوا، وقد قرأه حتّى النهاية، وكان في صوته نغمة حزينة، جذبت السامعين إلى حالة معنويّة رقيقة.

بعد أن استشهد رفيق دربه، الشهيد عبّاس حسن ياسين، تغيّر عليّ كثيراً، وصار يقضي أغلب الوقت بالقرب من ضريحه، وأوصى أن يُدفن إلى جانبه.

* أمٌّ صابرةٌ محتسبةٌ
ودّع عليّ أهله وانطلق إلى الجبهة. وهناك، التقى بأخيه الذي نقل أنّ عليّاً كان في غاية السعادة بعد أن فُرز مع القوّات الهجوميّة، ولم يره أحد إلّا وقال إنّه لن يعود. اتّصل ليطمئن والدته قبيل انطلاقه إلى المعركة، وتبادلا حديثاً عاديّاً؛ حيث اتّصل بها وسألها عن الأخبار في سوريا، فطمأنته أنّ معركة الزبداني تسير على ما يرام، وأنّ المقاومة قاب قوسين من المدرسة، فاستبشر خيراً من كلامها وبشّرها بالخير، وهو الذي كان في مقدّمة الهجوم على المدرسة، واستشهد فيها.

عندها أحسّت بغصّة في قلبها، حتّى أنّها سألت إخوتها قبل أن يزفّوا إليها نبأ الشهادة؛ أيٌّ من أبنائها الذي استشهد؟!

في واحد من أروع مشاهد الصبر والصمود في هذه الحياة؛ وقفت أمٌّ لمجاهدين بكلّ قوّة وثبات، وسألت: "أيّهم استشهد في المعركة"؟!

على الرغم من الحزن العميق الذي حزَّ قلوب أفراد عائلته بخبر شهادته، إلّا أنّ ما أراحهم هو تحقيقه لأمنيته الوحيدة؛ وقد دُفن بالقرب من صديقه عبّاس حيث أوصى. وصار شهيداً يغبطه من ينتظر، ويطلب منه المدد لاجتياز محن هذه الحياة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع