سكنة حجازي
نحن نخلق الاستعدادات عند الطفل وليس الحتمية، فالاستعدادات هي الميول أو الدوافع التي تتكون مع الإنسان منذ بداية تكوينه (النطفة) وحتى مرحلة الشباب والنضوج العقلي والجسدي (الرشد).
فإما أن نساعد على نموها وتقويتها وأما على إضعافها أو القضاء عليها من خلال البيئة والتربية.
وهذا ما يتطلب عناية دقيقة بالطفل: جنيناً فرضيعاً ثم طفلاً فصبياً.
الحوار اليوم بين أم علي وجارتها حديثة الولادة والمعرفة بتربية الأطفال.
جارتها تسألها: طفلي دائم الصراخ ولا يكف عن البكاء ليل - نهار. لقد أنهكني وأتعبني. أبوه يخرج من البيت هرباً من صراحه المتواصل.
إنني حائرة حتى المسكِّن لم يسكته. ينام قليلاً ليعدو للصراخ من جديد.
لعله مريض يتألم، أعرضيه على الطبيب!
هذا ما فعلته، لكنه قال بأنه لا يشكو أي مرض عضوي.
لا ترضعيه وأنت غاضبة:
آه...! كأنّ وجود هذا الولد كان شؤماً علينا، فمنذ وجوده (حملي به) توقف زوجي عن العمل وبدأت المشاكل والخلافات تتفاقم بيننا يوماً بعد يوم.
- أو ترضعينه وأنت غاضبة متوترة؟
- وهل أتركه بدون طعام؟ إذا كان مع الطعام يبكي فكيف بدونه خاصة أنني لم أعد أعرف الهدوء أبداً؟
- إذاً إنّ هذا هو السبب ربما، هل لاحظت ذلك؟
- لا، لا! غير معقول! وما علاقة الغضب بالحليب ثم أنه لي جائعاً حتماً.
- ما رأيك لو تذهبين معي اليوم إلى المسجد حيث ستكون محاضرة الشيخ عن الأطفال الرضّع؟
- وهل أصبح الشيخ عالماً نفسياً؟
- بل إنه يعرف أكثر فهذا اختصاص الدين قبل علم النفس ألم تعرفي لقد ساعتدنا في ابننا كثيراً.
في المسجد، بعد حمد الله والثناء عليه والصلاة على النبي وآله صلى الله عليه وآله وسلم كما وعدتكم، نتابع اليوم حول الرضاعة وانعكاس ذلك على الطفل فكرياً وروحياً إضافة إلى الصحة الجسدية.
مما لا شك فيه أن هناك ارتباطاً وثيقاً بين غداء الأم الحامل والمرضع فلا يختلف غذاء المرضع عن الحامل كثيراً لأنه هو الذي يشكل غذاء الطفل الحقيقي والأساسي.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تأكل نفساء الرطب، فيكون غلاماً، إلاّ كان حليماً، وإن كانت جارية، كانت حليمة".
إما الأحاديث التي تؤكد أهمية الرضاعة من الثدي (ثدي الأم أو مرضعة أخرى) فإنها كثيرة.
وقد كانت العادة استئجار المرضعات اللواتي يستوفين الشروط والمواصفات لما في ذلك من انعكاس وتأثير في تكوين شخصية الطفل. لقد ورد عن الإمام الباقر:
عليه السلام: "لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء(1) فإن اللبن يُعدي".
إضافة إلى كثرة الأحاديث التي تنهى المرضع عن تناول الأكل المحرّم من نجاسات أو اللحوم المحرمة والخمر وغير ذلك، إذ تورث الفسق والخبث والإجرام وحتى الحمق والبله.
وقد ركزت الأحاديث من جانب آخر على أهمية أن تكون الأم المرضعة بشكل خاص ممن تتصف بالشجاعة والإيمان والخلق الحسن والعفة والطهارة وهذا يؤكد أن الرضاعة هي التي تكوّن ذلك الاستعداد القوي في المستقبل القريب للأولاد.
تقاطعه الأم:
ولكن الصراخ والبكاء هل ما ذكرته علاقة بهما؟
- لعلك لم تكوني في المرة الماضية؟ على كل حال، فإن حالة الأم النفسية كما الصحية، تنعكس على الطفل (جنيناً كان أم رضيعاً) فكيف يمكن لطفل أن يكون هادئاً وفي جسده حليب يغلي فيحرق أعصابه؟
أنت أيتها السيدة الفاضلة تستطيعن إدراك ذلك إذا تناولت شيئاً منبهاً قوياً (طعاماً حاراً، أو دواء منشطاً) فهل تستطيعين الخلود إلى النوم؟
فإذا كنت تمرين بمثل هذه الحالة فما عليك سوى تهدئة نفسك بالوضوء وتلاوة القرآن وذكر الله تعالى (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب) الرعد، 28، قد ترفقين ذلك بدعاء خالص لله.
إضافة إلى تناولك طعاماً وشراباً يساعد على ذلك مثل الرطب والحليب والخضراوات.
أرفقي ذلك بتجنب الإثارة النفسية من مشاهد العنف والإجرام والأفكار المثيرة، فإن كل ذلك، ومرة تلو الأخرى، ستلاحظين أن طفلك تلو الأخرى، ستلاحظين أن طفلك سينعم بالهدوء والاطمئنان كما أنت، ولكني لن يكون ذلك بين ليلة وضحاها كما أنه لم ينشأ من ليلة وضحاها.
أسألك الله تعالى أن يسددنا جميعاً لبناء جيل صالح ومجتمع مؤمن واعٍ يؤدي بنا إلى صلاح الدارين.
(1) العمشاء: الضعيفة البصر مع سيلان الدمع.