محمد ناصر الدين
ليس غريباً على مجاهد يدفعه للجهاد قوة العقيدة، والإيمان بالشهادة، وحب الأرض التي اقتلع منها اقتلاع النبتة من التراب فأبعد عنها، أن يكون استشهادياً، كالشهيد عمار حمود، وهو الذي استشهد أخاه قبل عام فقرأ وصيته فأحسن قراءتها، ووعاها بقلبه، وأبصر بإيمانه انتظار أخوته له في جنان الخلد على مائدة الإفطار قرب رب العزة مع من تحب من أولياء الله وأنبيائه وسادته ليفطر معهم بعد صيام دام أعواماً طويلة عن حب الدنيا وملذاتها، فلم يعجبه من دنيانا شيء ليفطر فيها، بل رأى بأم العين ما لم نره مما ننتظره فعجل الرحيل ليلاقي ربه صائماً حيث اختاره ليدعوه للإفطار، فلببى الدعوة سريعاً فكان اللقاء وكان إفطار من نوع آخر، وهو الذي نذر نفسه أن يستشهد كما استشهد الإمام الحسين عليه السلام عطشاناً مقطع الأوصال، ليشرب من الكأس التي لا يظمأ بعدها أبداً.
بالله عليك يا عمار، ماذا شاهدت قبل أن تضغط على الشيء الذي كان يفصلك عن رؤية ما تحب؟ كيف كنت تبتسم لفرحة اللقاء؟ ماذا كان إفطارك؟ كيف كان استقبال الأحبة لك؟ ماذا فعلت ليختارك الله لمائدته؟ أي سرَّ فيك؟
لا، لن نسمع الجواب لأننا نتكلم بلغة الدنيا. ولأنك ستتكلم بلغة لن نسمعها. وإذا سمعناها لن نفهمها. لغة أهل الآخرة والبقاء، ونحن في هذه الدنيا دنيا الفناء والبلاء.