الأسير المحرر علي حيدر
* صدى المقاومة الإسلامية في المعتقلات
إن من الطبيعي أن يكون من عوامل ثبات وصمود الأسير المعتقل فضلاً عن تحديه ومقارعته للسجّانين المحتلين إلى جانب الشروط الذاتية المرتبطة بالجانب الفكري والنفسي والروحي للأسير، عوامل موضوعية وحركية تساهم في ترسيخ وتجذير دعائم ثباته وصموده وإن أول وأهم عامل موضوعي في هذا المجال والذي لا قيمة لأي عامل موضوعي آخر بدونه بل هو الذي يضفي عليها القيمة ويهيأ لها الشروط التي ترشحها للتأثير والفعالية هو المقاومة المسلحة. وبما أن الوضع على هذه الشاكلة فإن ذلك يملي علينا أن نتناول إسهامات المقاومة الإسلامية في دعم وثبات وتحرير الأسرى وكيفية تحقيق ذلك، ولكن بداية لا بد من الإشارة إلى أنه يمكننا أن نجمل الأهداف المباشرة للمقاومة الإسلامية بعنوانين اثنين:
1 ـ استنزاف العدو (الذي من نتائجه التحرير).
2 ـ استنهاض الأمة، وإذا ما أمعنّا النظر أو فصّلنا في هذين الهدفين (التحرير والاستنهاض) فإننا سنجد أن للأسرى موقعهم في كلاهما. ولكي نوضح ذلك نسأل ما الذي حققته المقاومة الإسلامية للأسرى المعتقلين وهم مقيدون بين الجدران تتلوى على أجسادهم السياط.
يمكن لنا التوصل إلى ذلك عبر طرق متعددة: فنقول لنفرض أنه بعد اعتقال من اعتقل من الأسرى وتعرضهم لأبشع أنواع التعذيب ومكوثهم في المعتقل سنوات طويلة، توقفت المقاومة عن أداء دورها في سعيها للتحرير، أو لنقل أنها تحولت إلى مقاومة غير جادة وغير فاعلة، عندها كيف سيكون الوضع النفسي والمعنوي والفكري لذلك الأسير الذي عندما اختار طريقه كان يتصور أنه في حال اعتقل هو ورفاقه أو جرحوا أو استشهدوا سيكون هناك من يواصل الطريق.
"كيف سينظر هذا الأسير نفسُه إلى تضحياته وتضحيات رفاقه التي قُدّمت على طريق المقاومة لتحقيق الأهداف العليا؟ وماذا ستكون ردة فعل هذا الأسير عندما يسمع من كثيرين شعارات وعناوين الحرية والصمود والثبات... فلنتخيل وضع الأسير: مقيد، مريض، جائع تحيط به صيحات الجلادين من كل مكان، والسياط تأكل من لحمه، وإلى جانب ذلك يضمر هذا الأسير (على سبيل الافتراض) في وجداه أن هذا الجلاد مرتاح في احتلاله، والشعب الذي ينتمي إليه هذا الأسير راكن يرجو أن يمنَّ عليه عدوه بحرية أبنائه الأسرى وأن يرد له أرضه المحتلة، أمام هذا الواقع الافتراضي من الطبيعي أن يكون شعور هذا الأسير في قمة الإحباط وفي قمة الهزيمة وأن يكون نادماً لإنتاجه هذا الطريق (على الأقل قد ينطبق هذا الكلام على بعض الأسرى) وهكذا يمكن لنا أن ندرك أهمية المقاومة بالنسبة للأسرى من خلال افتراض عدم استمرارها وما يمكن أن يترتب على ذلك. ولكن لما كانت هذه المقاومة قائمة مستمرة جادة وفاعلة فما الذي حققته للأسرى المعتقلين؟.
لقد كانت بطولات المجاهدين تشكل في أدنى أحوالها بالنسبة للأسير ثأراً من المحتلين على كل المعاناة التي كان يعانيها بحيث عندما يعيش الأسير المعاناة يستحضر أيضاً أن هذا الجلاد المحتل يعاني مثل أو أكثر مما يعانيه هو لأن هناك من يذيقه فنون الألم والعذاب.
ـ لقد كان دوي عبوات المجاهدين وأزيز رصاصهم يتشكل في آذانهم نداء: إننا على العهد مستمرون فاصبروا وصابروا ورابطوا في معاقلكم... إننا قادمون.
ـ وبالنسبة لدماء الشهداء فقد كان لها وقعاً ساحراً في النفوس إذ كانت تستنهض همم الأسرى وتُصلِّب عزيمتهم في مقابل أدوات التعذيب التي كانت تفتك بأجسادهم.
ـ لقد حولّ استمرار المقاومة نظرة الأسرى إلى معاناتهم من مجرد آلام وآهات بلا طائل إلى تضحيات هادفة تفرضها مسيرة التحرير.
ـ لقد حوّلت المقاومة الإسلامية حركة الأسرى داخل المعتقل من مجرد قفزة في الفراغ أو من طابع كان يمكن أن يلتصق بها واعتبارها حركة اليائس إلى اعتبارها جزءً وامتداداً مباشراً لمقاومة هزمت العدو وأذلّته وجعلت الأسير عندما يريد أن يتخذ موقفاً أو يقدم على خطوة
يشعر أنه يستند إلى جبل شامخ لا بل إلى مقاومة أين منها الجبال الشامخة.
ويمكننا أن نقول أن بطولات المجاهدين أوجدت جواً معنوياً عالياً كان له دور كبير في ثبات الأسرى وصمودهم.
بعد هذه النظرة العامة، من المهم الإلفات إلى كيفية وصول أخبار المجاهدين وبطلاتهم إلى داخل المعتقل (الخيام)، حيث كان لذلك طرق متعددة:
لقد كان للعمليات البطولية آثاراً تصل تداعياتها أحياناً إلى درجة أنه ينعكس على سلوك الإسرائيليين والعملاء عبر إجراءاتهم القمعية والتضييق على الأسرى، ويصل الأمر إلى درجة أن العملاء أنفسهم يتحدثون عن الموضوع خاصة إذا كان الحدث نوعياً أو مميزاً جداً.
ولقد توفر للأسرى فرصة الاطلاع ـ من فترة إلى أخرى ـ على ما يجري من أحداث خارج المعتقل عبر بعض الصحف أو المجلات التي كان يتم لحصول عليها سراً. كان يتم ذلك عند اعتقال أحد المجاهدين أو المواطنين الذي يُخبر الأسرى بما يجري وما يُسطّر من بطولات.
ـ ولم يقتصر دور المقاومة على شحذ همم الأسرى ورفع مستوى معنوياتهم وإشاعة الطمأنينة في نفوسهم... وإنما أيضاً كانت هي أملهم في التحرر من الأسر أمام عدو لا يفهم إلاّ بالقوة ولا يعبأ بنداء إنساني ولا ببيان لمؤسسة هنا ومؤسسة هناك وترسيخه كله يشهد على ذلك، وأمام هذا الواقع فإن استمرار المقاومة جعل رصيد التحرر لديهم يملك إمكانية عملية مما جعل الآفاق مفتوحة والرهان كبير، ثم أدى نجاح المقاومة الإسلامية بأسر جنود صهاينة إلى أن جعل قضية التحرر قضية محسومة ومسألة وقت إلى حين تلبية شروط المقاومة التي تمكّنها من تحرير أكبر عدد ممكن.
وهذا ما حصل إذ استطاعت المقاومة الإسلامية أن تحرر العشرات من الأسرى إلى جانب العشرات من رفات الشهداء على مرحلتي:
سنة 1991م سنة 1996م وشكل هذا التحرير نصراً إضافياً للمقاومة الإسلامية على إسرائيل وأثبت بشكل عملي صحة المراهنة على المقاومة الإسلامي باعتبارها الخيار الوحيد لتحرير الأسرى.
ثم عاد ذلك ليتكرر في حزيران 1997م والأمال الآن معقودة على هذه المقاومة في تحرير بقية الأسرى وتحرير ما تبقى من أراضٍ محتلة.
* موقف وعبرة
ـ بعد مضي حوالي السنتين على اعتقالي تم استدعائي من جديد إلى غرفة التحقيق حيث أجري معي تحقيق مطوّل استمر لمدة ستة ساعات تقريباً، وبطبيعة الحال كان وضعي خلال التحقيق على الشكل التالي:
"الكيس" في رأسي، والقيد في يداي، أساليب التعذيب التي خبرناها.. والتي انتظر بين لحظة وأخرى ممارستها عليّ حاضرة في الوجدان..
وفي هذه الأجواء التي كان ينتقل فيها المحقق من سؤال إلى آخر بطريقة فنية تختزن تخطيطاً وترصداً... وفي السياق وجّه إليّ المحقق سؤالاً...؟ هل تتعامل معنا!.. مقابل إراحتك في المعتقل وإطلاق سراحك بعد التأكد من عملك معنا؟ عندها أجبته:... لن أقول لك ما قد يقوله لكم البعض عند اعتقاله بأنني نادم على فعلي، ولن أعود إليه ثانيةً... وما إلى ذلك.. ولكني أقول لك لقد أصبحت أكثر قاعة في عملي ضد إسرائيل.
فقال لي المحقق: من عبّاك ضد إسرائيل؟
أجبته: إسرائيل هي التي عبأتني ضدها.
قال لي: كيف ذلك؟
قلت: احتلت الأرض، ارتكبت المجازر، وهجَّرت الناس واعتقلت و...
وعندها... انتقل إلى موضوع آخر.