نسرين إدريس
الاسم: أمثل عبد الحسين حكيم
اسم الأم: فاطمة حكيم
محل وتاريخ الولادة: شقرا 01/03/1966.
الوضع العائلي: أعزب
رقم السجل: 130
الكنية: أبو مصطفى
تاريخ الاستشهاد: 27/05/1985
* ذاكرة زمن لا يموت
… "أمثل"، يرجع الصوت لحناً يعتصره الحنين.. وتتكسّر في نفسك أفكار الغد لتسكن بملء إرادتك في دائرة الزمن الذي مضى، الزمن الذي كتبه "أمثل" ورفاقه في بدايات الجهاد، فكان الإرث الذي ورثناه والعمر الذي حييناه ولا نزال نحياه..
وليس الحديث عن الشهيد "أمثل حكيم" سوى إبحار في ذكريات دفينة في حنايا قلوبنا، ذكريات توقظ في أنفسنا الشوق إلى مسافات الصدق والإخلاص والحقيقة.. ولمن لم يعر "أمثل" فإنه لا بدّ سمع عنه، فاسمه يدلّ على حقبةٍ مهمة من تاريخ جهاده سطَّرته المقاومة في بداياتها، ووجهه صورة تشع في ذاكرة زمن يحيا في داخلنا ويؤجج فينا روح الثورة والجهاد..
وإن كانت مسافة العمر الذي عاشه قصيرة جداً، فإنَّ حياته الحافلة بالعديد من المواقف البطولية لَهِيَ خير دليل على أن حياة المرء لا تقاس بالسنين بل بالتجارب التي يخوضها والأثر الذي يتركه، فالتسعة عشر عاماً التي عاصر من خلالها "أمثل" هذه الدنيا هي قصيدة رائعة من التضحية والإيثار، كتبها على جدران قريته "شقراء" وأنشدتها كل القرى العاملية..
وهو المميز منذ حداثته، المدرك أمور الدنيا، العارف بأحوالها، المشتاقة نفسه إلى بارئها، الساعية روحه إلى الشهادة التي كانت حلماً يراوده منذ الصغر، وقد عمد إلى تربية نفسه تربي إسلامية صحيحة، ساعدته على ذلك الأجواء المحيطة به، خاصة وأنه من قرية عاملية عُرفت بتاريخها وانتمائها، فكان يرتاد مسجدها ليقضي معظم وقته فيه منقطعاً إلى الله، تالياً القرآن، راكعاً ساجداً. ومن أجل المواظبة على دعاء "السحر"، أنشأ خيمة على سطح منزل ذويه، ليقضي شطراص من الليل مبحراً في عالم البعادة الخالصة لله، هذا ما جعل لديه خلفية واعية في حمل المبادئ والمفاهيم المؤمن بها، أضف إلى ذلك الجرأة التي تحلى بها بطرح الأفكار والمفاهيم، فكان مثلاً يُحتذى بأخلاقه وإيمانه وهدوئه ووعيه، وهذا ما جعل اسمه ذكرى طيبة بين أهل بلدته، وهو الذي كان من المؤسسين الأوائل للحركة الاسلامية الناشطة الهادفة إلى نشر الوعي المحمدي الأصيل المتمثل بنهج الإمام الخميني قده، فيحث الناس على الالتزام بطريقة لطيفة، فلم يكن الإيمان يعني عنده الصلاة والصيام فقط، بل كان بث الوعي بين أبناء جيله والناشئة هو همّه الأكبر، خاصة وأنه كان يعيش في زمن تتضارب فيه المفاهيم، وكان الخوف يعشش في قلوب الناس من إسرائيل وجلاوزتها، إلاّ أنه لم يكن يخشى إلاّ الله، فتراه حيناً في المسجد يعطي دروساً، أو يدوّنها ليوزعها على فرق الكشافة التي كان المساهم الأول في انشائها، وذلك بهدف استيعاب أكبر عدد ممكن من الفتية الذين يمتلكون النية الصافية، والقلب الصادق المشتاق لله وللحرية، فكان يقوم بإعداد البرامج والرحلات الترفيهية، ويعقد الحلقات الدينية ليلاً، ويوزع الكتيبات الإسلامية، والمنشورات السياسية، وينشد الأناشيد الحماسية الداعية للثورة والجهاد، ولا يتوانى عن قول كلمة الحق مهما كلفته، فكان له التأثير البالغ على جميع أبناء جيله ولاتمذته الذين ساروا على طريق الحق من خلال الدروس التي تلقّوها على يديه.
وحين أسدل اليهود ستائر الاحتلال على بلدته لم يقلل من نشاطه، فصار وأخوته المؤمنين يتعرضون للملاحقة والتضييق من قبل العميل "حسين عبد النبي" أينما حلّوا، وقد قام العملاء بتهديده مرة إذا ألصق صور الامام الخميني قده، فلم يمتثل لذاك التهديد وأصر على إلصاقها، إلى أن ترعض في إحدى الليالي للضرب ورفاقه من قبل العملاء وأمروهم بالرحيل عن البلدة، فاضطروا لمغادرتها إلى العاصمة بيروت، وكان أمثل في ذلك الوقت، قد أنهى دراسة المرحلة الثانوية من تعليمه في ثانوية تبنين بدرجة جيد جداً، فهو _ وبالرغم من تشعب نشاطاته وتأديته لدوره الرسالي – كان طالباً مجتهداً ينجح بدرجة امتياز في مدرسة "شقرا"، وحين وصل إلى بيروت التحق بكلية العلوم في الجامعة اللبنانية، ولم يكن ذلك الإباعاد بالنسبة إليه سوى باب جديد من أبواب الجهاد فُتح على صمراعيه، فقد التحق بصفوف حزب الله في العام 1984 وخضع لدورة عسكرية تؤهله القيام بالعمليات الجهادية بغية العودة إلى الجنوب حيث تهفو نفسه للبقاء..
وإن كانت الغربة ليست بالشيء السهل على فتى تعوّد العيش في قريته بين أهله وأحبته، إلاّ أنه جع لمنها معبراً للعودة، وبين دراسته الجامعية ونشاطاته الرسالية بدأ وأخوته المؤمنين يعدّون العدة للبدء بأعمال جهادية عسكرية نوعية تستهدف العدو الصهيوني في عمق وجوده، وكانت البداية في منطقة حساسة جداً على طريق شقرا – حولا..
وبتاريخ 27 – 05- 1985، كان من المفترض أن يقوم أحد الأخوة برفقة الشهيدين الحاج "سمير مطوط" و"عباس طالب" بتنفيذ المهمة التي تقضي بزرع عبوات ناسفة كبيرة على جانبي طريق شقرا – حولا، إلاّ أن الشهيد "أمثل"، أصر على المشاركة بها، وقد استخار الله تعالى على ذلك فكانت الآية: "ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل احياء عند ربهم يرزقون". وطلب المسامحة من أهله وأخوته ورفاقه، وأخبرهم أنه ذاهب لزيارة السيدة زينب عليها السلام في الشام، إلا أن الانطلاقة كانت إلى طريق حولا – شقرا، حيث فُجرت العبوات بقافلة صهيونية فيها عدد كبير من الآليات قُدرت الخسائر يومها بـ13 قتيلاً، ولكن المروحيات التي قامت بتمشيط المنطقة برشقات غزيرة من الرصاص أدت إلى استشهاد "أمثل الحكيم" و"عباس طالب"، وكان "أمثل" أول شهيد يسقط في بلدة شقرا..
ولكن غربة "أمثل" لم تنته باستشهاده، فقد اضطر أهله إلى دفنه وديعة في منطقة صور بسبب منع قوات الاحتلال لهم بدفنه في قريته إلى أن تم الانسحاب الصهيوني من البلدة، حيث أعيد دفن جثمانه الطاهر في تراب البلدة التي طالما أحبها وتربى بين أحضانها وفي ربوعها.. وقد رأته والدته في منامها ذات ليلة أنه في مكان عال في حديقة خضراء ومعه بعض الأخوة الذين استشهدوا فيما بعد، وقال لها إن مكانه هنا وليس على الأرض..
عاد "أمثل" إلى شقرا شهيداً، لكنه، ما غاب عن بال أهلها أبداً، فاستشهاده كان شرارة جديدة ألهبت قلوب رفاقه وتلامذته، وصار وجهه مرآة الانتصار، حملوه بقلوبهم قضية، وأقسموا إلاّ أن يسيروا على دربه، الدرب الذي سار عليها مطمئناً لا خائفاً ولا وجلاً، واستطاع خلالها الوصول إلى السعادة الأبدية..
"أمثل حكيم"، المؤمن الصادق، التلميذ المعلم، القدوة والمثال، تاريخ الأمس واليوم والغد، اسم خالد في صفحات زمن الانتصار، زمن المقاومة والاستشهاد..