ولاء حمّود(**)
كُمَيْل، ولاسمكَ الجميل دعاء ترتّله الأمسيات على مسمع ملائكة الليل، فتزهر الأقمار بأنوار ربّها.
ناداك عليّ، من أعماق حلمه، بشّرك ببدء مسكِ الختام، شهادة ذبيح من الوريد إلى الوريد مسراها...
ما أروع ما أجبته! وما أجمل أثرها في الروح!
"هذه الحرب، أنخوضها دون أن نُجرح أو نَجرح؟ من دون أن نُقتل أو نَقتل؟ نَأسر أو نؤسر؟".
اغفر لي تصرّفي بكلماتك، فأنا لا أملك شجاعتك، بل عشقك... لا أملك إقدامك، بل شغفك، اغفر لي بحقّ عينيك، وشموخ قامتك، وبهاء النور من أعماق قلبك المضاء بحبّ محمّد وآل محمّد...
اغفر لي.. فما أخبرتنيه أمّك عنك أخجلني، وجعلني أبدو في عين نفسي صغيرة. لا أملك أمامك إلّا وجه ابن الشهيد الذي يحمل ابتسامتك، ونظرتك، واندفاع قلبك، وثبات قامتك.
اغفر لي يا كميل، أتساءل الآن عمّا كنّا نفعله نحن عندما أسَرتك الذئاب وتكالبت عليك!
ماذا كنّا نفعل؟ نأكل؟ نشرب؟ نتزوّد بالطاقة ليوم حياة جديد؟ في وقت كنتَ فيه تهب كلّ طاقاتك لحياة سواك من أبناء أمّتك؟
يا كميل، كنتُ أنتظر كأمّك، أشتاق شوقها، أحنّ حنينها، وأُقَلِّب على جمار أمومتي الوالهة قلبي، يا كميل، يا أجمل قصيدة، كتبتها أمّك بألق مواجعها، ثق أنّها لا تُغمض جفنَيها إلّا على وجهك، ولا تطبق شفتيها إلّا على خدّك، ولا تلفّ ذراعيها إلّا وبينهما قامتك المهيبة.
يا كميل، يا بنيّ، يا شهيدي أنا أيضاً، إنّ النصر الذي روته دماك بعد أن زرعته كفّاك، نصرٌ عظيمٌ يليق بوجهك وقلبك وقامتك.
إنّ شهادتك حياة، وغيابك حضور، ورحيلك مجيء أمّة إلى معالم الضوء، وأنتَ في هذا كلّه الجمال... سيّد من أسياد هذا النصر وصنّاعه، وكما قلتَ أنتَ لعليّ: "هاي الحرب، ما مننتصر بدون ما نضحّي"!
كميل الحبيب: لم تذهب تضحياتك سدى... لقد ساندتَ تضحيات نور ورضوان والكرّار وذي الفقار، وسائر الأسماء التي علّقها أصحابها على مشاجب الجهاد أيقونات انتصار، فانسكبت في قوالب الحبّ أجمل مصاديق العشق الحسينيّ، تمهيداً لظهور بقيّة الله الأعظم عجل الله تعالى فرجه الشريف الذي سيظهر، وستكون أنت في عداد جيشه العظيم... مصابيح خلود وتسابيح عزّ لحياة باقية في رضى الله.
اغفر لي يا كميل، أتساءل الآن عمّا كنّا نفعله نحن عندما أسَرَتك الذئاب وتكالبت عليك!
(*) الشهيد إبراهيم محمد شهاب "كميل"، استشهد بتاريخ 16-6-2016م. ما زال مفقود الأثر.
(**) والدة الشهيد حسين حمّود.