صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أدب الأنبياء: روح الله عيسى عليه السلام


سكنة حجازي‏


* أمه مريم البتول عليها السلام‏
من المعروف أن النبي عيسى عليه السلام ولد من غير أب، فقد قال تبارك وتعالى بشأنه: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ (آل عمران: 59).
لذا فقد اقترن كلا الله تعالى عليه، وفي كأثر من موضع، بذكر والدته مريم البتول عليه السلام.
ولا غرابة فهو الوليد المعجزة، وليد التقى والطهر من خلال اصطفاء الله تعالى لأمه ليكون نبياً ورسولاً إلى بني إسرائيل.
فأمه الصديقة المطهرة، المتأدبة مع الله تعالى ومع نبيه، وهي ثاني اثنين من النساء اللواتي ذكرهما القرآن الكريم بالوحي إليهن، وإن لم يكن وحي نبوة، وذلك بعد ذكره بأنه أوحى إلى أم موسى عليه السلام بشأن اصطفاء ابنها ليصنع على عينه ليكون نبياً ومن المسلين قال تعالى:  ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ (القصص: 7).
أما السيدة مريم عليه السلام فقد قبلها الله تعالى وصنعت هي على عينه في محراب العبادة لتكون محلاً لروح الله ومعجزة من معاجزه وآية من آياته للناس أجمعين، قال تعالى:  ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِين﴾َ (آل عمران: 42).
قال الله تعالى محدثاً عنها:  ﴿إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ  فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾(آل عمران: 35 - 37).
 ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا  فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا  قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا  قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا﴾  (مريم: 16 - 21).

لقد أثنى الله تعالى على الصديقة مريم ابنة عمران عليها السلام ثناءً تكاد تضاهي به الأنبياء عليهم السلام، إن من حيث اصطفاؤها وتطهيرها أو من حيث قبولها القبول الحسن عندما تقبلها ربها بعدما ولدتها أمها وسمتها مريم (ومعناها العابدة).
أو من حيث جعلها مثالاً يحتذى عند الرجال والنساء، قال تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ  وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ َ﴾ التحريم: 11 و12).
واختصاصها بأن تكون محلاً للمعجزة الإلهية من نفخ الروح فيها ولتكون هي وابنها آية للناس أجمعين  ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينََ﴾(الأنبياء: 91).
وقد قربها منه واختصها بالنداء تلو النداء، تشريفاً وقبولا لها إضافة "نا" المتكلم إليها زيادة في التشريفة والقربى.
لذا كانت أهلاً لذلك الثناء، بل وصلت بإخلاص عبادتها لربها وحسن إيمانها وتوكلها عليه بإخلاصها نفسها لله تبارك وتعالى.
وأنبتها سبحانه نباتاً حسناً بإعطائها الرشد والزكاة لها ولذريتها بحيث لا يمسها نفث الشيطان ورجس تسويله ووسووسته، لذا قال تعالى:  ﴿وَإِذْ قَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاء الْعَالَمِينَ﴾ .
وكانت متأدبة بأدب النبوة كطهرها، وذل في كل مراحل حياتها. فلزمت بيت الله تعالى للعبادة حتى كانت الملائكة تأتي لها الطعام، وعندما يسألها كفيلها زكريا عليه السلام تجيب متأدبة متواضعة: (قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب).
وثم أمرها تعالى وشرّفها بأنواع من العبادة  فكما ورد على لسان أمير المؤمنين عليه السلام: كفى بي عزاً أن تكون لي رباً وكفى بي فخراً أن أكون لك عبداً.
أما عندما جاءها الملاك جبرائيل عليه السلام ليهب لها غلاماً زكياً فقد استجارت بالرحمن، ولم تتعوذ بالله أو الرب بل الرحمن لأنها بحاجة للرحمة أكثر من أي مر آخر، فالرحمة غاية آمال المنقطعين إليه تعالى من أهل القنوت. ولم تسأله عن مهمته وتوجهت إلى الرب المدبر متسائلة مستفهمة لمعرفة الحقيقة غير مستنكرة  إذ الأسباب الطبيعية للحمل والولادة لم تحصل فكيف سيكون؟.
وتستسلم لمشيئة الباري عز وجل إلى أن يصيبها مخاض الولادة ساعتئذٍ تشعر بالوهن والضعف، وفكرت بما سيؤول حالها بعد الولادة فتمنت الموت بل أن لا تذكر في قومها حتى لا تقف موقف الاتهام في أغلى ما عند الإنسان، وهو الشرف.
وأطاعت المولى عز وجل فيما أمرها به من الصوم للنجاة من الاتهام. وهكذا تتم المشيئة الإلهية في أمر مريم المطهرة وابنها الرسول وليكونا الآية المعجزة للناس أجمعين.
وهي إحدى النساء الأربع من سيدان النساء: آسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد وفاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
هكذا يمكن أن تكون المرأة كالرجل محلاً للعناية الإلهية. ويمكن أن تتمتع بالقرب من الله تعالى إذا أخلصت نفسها لله تعالى، وعرجت بروحها إلى الملكوت الأعلى. كما كانت سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها السلام محلاً للطف والعناية الإلهية، فكانت الذرية الطاهرة المطهرة الهادية للأمة إلى قيام يوم الدين، كما كان النبي عيسى عليه السلام روح الله ورسوله هادياً لبني إسرائيل الجاحدين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع