عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال: مكتوب في التوراة التي لم تغيّر، أنّ موسى عليه السلام سأل ربّه فقال: يا ربّ أقريبٌ أنت منّي فأناجيك، أم بعيد فأناديك؟ فأوحى الله عزّ وجل إليه: يا موسى أنا جليسُ من ذكرني، فقال موسى فمن في سترك يوم لا ستر إلاّ سترك، فقال: الذي يذكرونني فأذكرهم، ويتحابّون فيّ فأحبّهم، فأولئك الذين إذا أردت أن أُصيب أهل الأرض بسوءٍ ذكرتُهُم فدفعت عنهم بهم".
لعلّ في سؤال موسى عليه السلام إشارةً إلى قرب الله أكثر من كلّ قريب، أمّا العبد ففي غاية البعد، كأنّ نبي الله موسى عليه السلام يشير إلى تنزيه الله سبحانه عن القرب والبعد، ولا يجد دعاءً يليق بالخالق وعظمته وجلاله..
يأتي الجواب من ربّ العزّة جلّ جلاله أنّ كلّ الأشياء حاضرة عندي، وأنا جليس من ذكرني.
فالله تعالى منزّهٌ عن القرب والبعد.. وما ذُكر في بعض الآيات فمن باب المجاز والاستعارة، كما في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ ويُستفاد من بعض الأحاديث استحباب ذكر الله تعالى في السر، إلاّ لدى أهل الغفلة، لكي ينتبهوا كما ورد في الحديث المبارك "الذكر له عزّ وجلّ في الغافلين، كالمقاتل في المحاربين".
كذلك يستحب الإجهار بالذكر في أذان الإعلام والخطبة وفي السوق عند غفلة الناس وشغلهم وغيرها.. ومن فيض رحمة الله سبحانه على العباد أنّه يذكر عباده إذا ذكروه، ولا ينساهم.
فاللازم تذكّر آيات الله سبحانه، ليصبح ملكةً راسخةً في الإنسان، ويجعل لبصيرته قوّة ترفع الحجب لمشاهدة الحبيب من دون غشاءٍ وحجاب .. ومن جملة ما يرفع الحجب، التحابب بين الناس في الله وهو سبب قائمٌ بحدّ ذاته لمحبّة الله سبحانه ونرى أنّ جواب الحقّ سبحانه لموسى عليه السلام في طائفتين:
الذين يذكرونني ابتداءً والذين يتحابون لأجلي حيث يكون تذكراً.
فهذان الصنفان في مأمني وجلسائي وأنا جليسهم.. ولكرامتهم يرفع العذاب عن العباد.
يقول العارف الأنصاري: "التذكّر فوق التفكّر، فإنّ التفكّر طلبٌ للمحبوب، والتذكّر حصولٌ للمطلوب.
إنّ للتفكّر والتذكّر نتائج كثيرة منها:
فعند الأولياء والعرفاء، تذكر الحبيب، غايةٌ في نفسه، وعند عموم الناس، أفضل مصلح للأخلاق والسلوك ولردع النفس عن الطغيان، لأنّهم يعيشون مع الحقّ سبحانه وتعالى في كلّ حال.
أمّا المعاصي والأمور التي تسخط الله فآتية من الغفلة عن ذكر الحقّ وعذابه وعقابه.