مفردات من نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام
لقد اجتمعت لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام صفات الكمال وتآزرت فيه مكرُمات الشمائل، مجبولة بفطرة نقيّة ونفس مرضية. فظهر منه النفح الإلهي، والإلهام القدسي في أفعاله قبل أقواله.
وقد جرت على لسان باب مدينة العلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وصايا نافعة في رسائل جامعة، في أداء محكم ومعنى دقيق واضح ولفظ عذب سائغ ما جعلها حِكَماً ومواعظ، وأمثلة تُحتذى. وقد وصف أحدهم كلامه بأنّه: دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوقين.
وللتعرّف إلى آلائه النافعة، والتزوّد من حِكمة الواعظة، ننشر مقتطفات منها مع شرح، تشاركوننا في سبر غوره، لبعض الألفاظ الخفية، آملين أن نصل وإياكم إلى فهم كلامه وتطبيق تعاليمه لننال بذلك شفاعته والشرب من حوضه.
نتابع كلام الأمير عليه السلام في توصيف الحق تعالى حيث قال:
".. فاعل لا بمعنى الحركات والآلةِ، بصير؛ إذ لا منظور إليه من خلقه، متوحّدٌ، إذ لا سكنَ يستأنِسُ به، ولا يستوحِشُ لفقده. أنشأ الخلق إنشاءً، وابتدأه ابتداءً، بلا روية أجالها، ولا تجربةٍ استفادها، ولا حركةٍ أحدثها، ولا همامةِ نفس اضطرب فيها. أحال الأشياء لأوقاتها، ولاءَمَ بين مختلفاتها، وغرّز غرائزها، وألزمها أشباحها؛ عالماً بها قبل ابتدائها، محيطاً بحدودِها وانتهائها، عارفاً بقرائِنها وأحنائها".
1- لا بمعنى الحركات والآلة: يوجد الأشياء من العدم، يخترع اختراعاً، لا يتحرّك في فعله.
2- متوحّد: واحد في الأفعال، متوحد في الأشياء، وحدانيته منزّهة عن السكن إلى الغير.
3- بلا روية أجالها: بلا هدوء، بلا تردّد أو إمعان فكر، بلا سكون.
4- همامة نفس: من غير اهتمام وقصد، حرص، اهتمام بالنفس.
5- أحال الأشياء: أجلها، أقرّها في أحيانها، أبعدها.
6- لاءم: فرقها، زاوجها، قرن الروح بالجسد.
7- غرّز غرائزها: ثبّت الطبائع، أودع فيها الطبائع، خالطها.
8- أشباحها: أشخاصها، خيالاتها، صورها.
9- قرائنها: جمع قرونة وهي الشكل، جمع قرونة وهي النفس، أمثالها.
10- أحنائها: جمع حنو من الحنان، جمع حني من الانحناء، جوانبها ومشتبهاتها.