حسن الطشم
متكئاً على عصًى، تعينه على أثقاله الشيخوخة وأعباء تطوف به في الأحياء القديمة وتقوده من أفواه الزواريب إلى أبواب المساجد وردهات الحسينيات، بتؤددة الخطوات وصمت العرفاء ورزانة العلماء كان يمشي متلفعاً بعباءة لطالما تفيأ تحت ظلالها الفقراء والمساكين، معتمراً عمامة وهنة وبيضاء بيضاء والعرق يتحلب من جبينه النحاسي، يوزع بكسل نظراته الوقورة على المسرعين لتلقف يده والفوز بلثمة لأنامله الطاهرة.
لكأنه جبلٌ من الصبر والأنفة والترفع والزهد، هذا الذي يجرجر خطواته المتهالكة وكل ما فيه يلهج بكبرياء خفر معجون خميرة التواضع الشموخ ولا غرو، أوليس هو المطمئن إلى أنه قد عبَّ من نهر العمر ما شاء له من كؤوس التعب، أوليس هو أمن أفنى السنين باحثاً في شؤون الحاضر معالجاً مشاكل المنطقة وقضايا الناس، وهل فرّ يوماً من مواجهة المسؤوليات على الرغم من كل معاناته المريرة مع الشيخوخة والمرض.
أولم يبق مع الناس يخطب فيهم ويحاضر وشعاره أن الدين هو دائماً منهاج الحياة وأن الإسلام لا يسعى للآخرة دون الدنيا ولا يهتم للدنيا دون الآخرة.
شاهداً كان الشيخ موسى على الحرمان التاريخي الذي كان يعتبره سمة المنطقة الأساسية، ساخطاً على كل أشكال الجهل والتجهيل والتعمية التي مرَّت فيها منطقة الهرمل، فكانت مواقفه الثابتة، الثابت الوحيد الذي أجمعت عليه الهرمل بكل تياراتها وأحزابها، وهم ما اتفقوا على شيء اتفاقهم على عظيم شأن الرجل وكبير مكانته ونظافة كفه وفكره وضميره..
حمل الشيخ موسى شرارة في كفيه مياه العاصي إلى جرار العطاشى فشرب هو، وارتووا هم ورفوف حمامهم وحبق شبابيكهم...
سقاك الله أيها العالم الجليل من عذب فراته ونفعنا بالمياه الضحضاحة التي تركتها في جرارك.
ناضحةٌ جرارك يا شيخنا الكبير بالخير والبركة ناضحة.