يعتبر الإمام قدس سره من القلائل ـ لا بل الوحيد ـ الذي استطاع أن يقدم أطروحة متكاملة لقضية القدس والأراضي المغتصبة الأخرى (سبباً، مشكلة، حلاً). وتبرز فرادة الإمام قدس سره وتمايزه في نظرته العميقة والشمولية للقضية من مختلف أبعادها. فهو لا ينطلق في تقديم الحل للمشكلة إلا بعد أن يقدم على ذكر أسبابها وعوامل استمرارها ويصل بشكل تلقائي إلى عرض تصوره للحل. وفي كامل هذه العملية يتمايز الإمام أيضاً بخطابه السياسي السهل الممتنع المشحون بالتعابير والدلالات الرسالية والعبادية والجهادية والمتشعب الأبعاد والقريب حتى الالتصاق بالمفردات الشعبية. بعد هذا يصبح من السهل فهم الرؤية الإسلامية التي قدمها الإمام الخميني قدس سره لقضية القدس، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن قضية القدس بالنسبة للإمام كانت هاجسه اليومي ورفيقه الدائم في الحوزة والسجن في الوطن والمنفى منذ انتفاضة 15 خرداد (5/6/1963) وحتى يوم انتقاله إلى الرفيق الأعلى، لقد كانت حاضرة بالإمام وحاضر هو بها في حروب (67، 73، 78، 1982) وما تخلل هذه الحروب من أعمال عدوانية للغدة السرطانية.
وهنا لا يعتبر الإمام قدس سره أن القدس هي المشكلة الوحيدة للمسلمين بل إنها إحدى مشاكل المسلمين الكثيرة. ويعود سببها برأيه هو وجود أهداف وأبعاد استعمارية كبيرة من إنشاء الكيان الصهيوني في قلب هذه المنطقة الإسلامية يمكن تلخيصها، بالاستيلاء على العالم الإسلامي وتحقيق الهيمنة الاستعمارية على مساحات كبيرة من الأراضي الإسلامية الغنية بمواردها إضافة إلى التحكم بثروات المنطقة واحتواء وقمع واستنزاف الشعوب الإسلامية والاستمرار في أنهاك قواها حتى لا تقوى على الاستيقاظ والمواجهة ومما يقوله رضوان الله تعالى عليه في هذا المجال: "إن إسرائيل هي وليدة التفكير والتبني المشترك للدول الاستعمارية الشرقية منها والغربية وقد وجدت بالأساس لاحتواء وقمع الشعوب الإسلامية في المنطقة وهي اليوم تدعم وتسند من قبل جميع المستعمرين في العالم".
ومن خلال هذه الأهداف الخطيرة من وراء إيجاد الكيان الصهيوني تصبح قضية القدس قضية إسلامية كبرى بل أهم القضايا وأولاها باعتبار كون الكيان الصهيوني إحدى المحطات المتقدمة للنفوذ الاستكباري العالمي في قلب العالم الإسلامي ومصدر الأخطار المستمر والذي يهدد كل شعوب وكيانات المنطقة العربية والإسلامية ورغم هذه الأهمية وللخطورة الكبيرة لقضية القدس فإن الإمام قدس سره يعترف باستمرارها لأسباب عدة يوردها وفي مقدمتها فقدان الوعي السياسي الكافي من قبل الأمة في مواجهة القضية إضافة إلى وجود الحكومات والأنظمة العميلة ووجود الاختلاف والفرقة وعدم الوحدة بين الزعماء والحكومات في العالم الإسلامي فضلاً عن تبديد الحكام لطاقات الأمة ومنعها من خوض المواجهة ويجمع هذه الأسباب كلها عدم تبني الإسلام لحل المشكلة.
أما كيف يمكن تصوير رؤية الإمام لطريقة تحرير القدس؟ فإن ذلك يمكن استنتاجه من خلال تجميع عناصر الحل التي وردت في كلام الإمام قدس سره على امتداد معايشته للمشكلة فنراه يركز بداية على التفكير الجدي في كيفية تحرير القدس والقضاء على الكيان الغاصب لفلسطين وجنوب لبنان وبقية الأراضي المحتلة ويرى تبني الإسلام أحد العناصر الأولية الضرورية في التحرير حيث يدفع الإسلام إلى التزام بقية العناصر بشكل تلقائي وحي وجعل قضية القدس قضية المسلمين المركزية في العالم وهذا يؤدي بدوره إلى عملية تجميد لا بل تخلٍ عن التلهي بالأمور والقضايا الفرعية وصولاً إلى قيام شكل من أشكال الوحدة الإسلامية ـ التي لا بد إلا أن تأتي نتيجة للشعور بالعناصر المشتركة بين المسلمين ـ وتعزيز وتوفير الرغبة في الجهاد وحب التضحية والشهادة لدى المسلمين المعنيين بهذه القضية لأن ذلك هو رمز وأساس الانتصار. وهنا تقع على الشعب الفلسطيني واللبناني مسؤولية كبيرة في مباشرة المواجهة.
وتتويجاً لهذا التصور الرسالي للحل جاء إعلان الإمام قدس سره عن يوم القدس في 20/رمضان/1399 في أول محطة عبادية بعد انتصار الثورة بأشهر قليلة ليؤكد إسلامية الحل الذي كانت تنتظره الشعوب الإسلامية من الثورة وقائدها المسدد إضافة إلى كون مسألة القدس في قضية مركزية وجامعة. ونقطة تلاقٍ واتفاق بين المسلمين فضلاً عن كونها القضية السياسية المصيرية والأبرز وحديث الساعة الذي لا يتوقف كما أنها تختزن بما في القدس من مقدسات وبما في الطبيعة العدوانية للصهاينة والمظلومية الواضحة للشعب الفلسطيني ـ يختزن ـ قدراً كبيراً من القدرة على استنهاض الشعوب الإسلامية والمستضعفة.
هكذا فصّل الإمام قدس سره في خطابه التاريخي في 22/رمضان/1399 ما كان قد قدمه مقتضباً قبل يومين في دعوته إلى إعلان يوم القدس. لقد جعل من استمرار العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني وجنوب لبنان مدخلاً للدعوة إلى الالتفاف والتطلع إلى القدس المغتصبة والتفكير الجدي في الوحدة والتحرير ليس تحرير القدس فقط وإنما تحرير تراب الوطن الإسلامي بكامله من أقصاه إلى أقصاه مقدمة وتمهيداً للمهمة التي سيقوم بها صاحب العصر عجل الله فرجه الشريف على صعيد العالم بأسره. لقد أعلن الإمام قدس سره أن يوم القدس هو يوم عالمي لمواجهة المستكبرين وهو يوم الامتياز والتفريق بين المؤمنين والمنافقين مشدداً على ضرورة جعل هذا اليوم يوم النهوض لإنقاذ القدس والظهار شخصية المجتمع الإسلامي وتوجيه التهديد إلى القوى العظمى وقطع آمال المستكبرين من بلاد المسلمين عبر إحياء مراسم هذا اليوم وخروج المسلمين في شتى بقاع الأرض معبرين عن كل ذلك في عملية استعراض سنوي لقوتهم التي لا تهزم وهي تدافع عن الإسلام.
إنه باختصار يوم إحياء الإسلام وانبعاثه من جديد.
وهنا، لا بد من الإشارة إلى أن الإمام رضي الله عنه لم يركز على طريقة خاصة في إحياء يوم القدس ولكنه يرغب في القيام بالتكليف إلى المسلمين بضرورة إحياء الإسلام وجعله متحركاً في الساحة إنه يركز على ضرورة إبقاء الموقف من الغدة السرطانية ثابتاً لا يتغير لا يعرف التقادم أو التراجع وأن يكون موقفاً متبنى من قبل الأمة تعلن التزامها به كل عام عبر القيام بكل ما يمكن أن يؤدي إلى إيصال هذه الرسالة إلى المستكبرين وكل الأعداء.
إن الاستعراض الجدي للقوة المقترن بالشعور الحقيقي بها والعزم الأكيد على استخدامها في مواجهة الاستكبار ـ أن ذلك كله ـ يدخل تحت عنوان الإحياء لهذا اليوم.
وإن في الاختبار الدقيق لزمن إحياء يوم القدس دلالات ومعانٍ كثيرة فهو يؤكد ترابط الجهاد مع العبادة (الصوم) في شهر رمضان شهر الانتصارات الكبرى (معركة بدر) وهو في العشر الأواخر المباركة (ليالي القدر) وهو آخر يوم جمعة من الشهر حيث يصل المسلم فيه إلى ذروة تشبعه بالعبادة طوال الشهر ويكون في فترة الاستعداد لختم هذه العبادة وبالتالي فإن إحياء يوم القدس في هذه اللحظة يعتبر تتويجاً للجهاد الأكبر والعزم على خوض الجهاد الأصغر بكل صلابة واندفاع وشوق لولوج نهاره. وهذا العزم ليس عزماً فردياً وإنما هو عزم جماعي منطلق من جماعات المسلمين (صلاة الجمعة) المنتشرة في كل أصقاع الأرض والتي تردد في آن واحد عهدها والتزامها بالقضية المركزية الكبرى للمسلمين.
وبهذا يستمر "يوم القدس" مظاهرة سياسية عبادية سنوية ومعلماً شاخصاً ودليلاً على التزام الأمة بالإسلام منهجاً وطريقاً للحل الكامل والشامل لقضايا الإسلام الكبرى وتحرير القدس.
* القدس
هي عاصمة فلسطين
تعود أقدم آثارها إلى ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد
1000ق.م دخلها النبي داوود عليه السلام وجعلها عاصمة مملكته.
975ق.م بنى فيها النبي سليمان عليه السلام هيكله الشهير.
70م دمرها الرومان.
135م أعاد بناءها الإمبراطور هادريانس.
614م أحرقها الفرس.
638م إفتتحها المسلمون.
1099م إحتلها الصليبيون.
1187م حررها المسلمون بعد معركة حطين.
1948 احتل الصهاينة 66,2% من مساحتها الكلية.
1967 استكمل الصهاينة احتلالهم لها.
27/6/1967 أعلنت الكنيسة الصهيونية ضم القدس إلى الكيان الصهيوني الغاصب.
30/7/1980 أعلن الكيان الصهيوني جعل القدس عاصمة له.