مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أدب الأنبياء: نبي الله أيوب (عليه السلام)


سكنة حجازي‏


 ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾  [ص: 41].
  ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِب بِّهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب﴾ٌ  [ص: 44].
 ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ   فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾  [الأنبياء: 83 - 84].


النبي الصابر أيوب عليه السلام الذي أصبح صبره مثلاً يضرب عند كل شدة وكل بلية. هذا النبي المبتلى بمرض مدة من الزمن، سبع سنوات وربما أكثر على اختلاف الروايات، قد ذكره الله تعالى مع الأنبياء السابقين فيما خصهم من الثناء الجميل مع ذرية إبراهيم عليه وعليهم السلام وأثنى عليه وعليهم في سورة الأنعام بعد بيان رفع درجاتهم وجزائه لهم بما هم محسنون وصالحون وبأنه فضلهم على العالمين، وأنه آتاهم الحكم والنبوة ثم أمر بالاقتداء بهم فقال عز من قائل:  ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِين﴾َ ثم وصفه بأنه أواب وهي العودة الدائمة إلى الله تعالى بالتوبة والذكر وهذا مدح من الله تعالى له.

لم يذكر الله تعالى قصته مع قومه في تبليغ الرسالة، كأخوته الأنبياء على نبينا وعليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، بل ذكر ما ابتلاه به وكيفية صبره ومواجهته لهذا الابتلاء بل وشكره له، من هنا ندرك أن الاقتداء المطلوب بهذا النبي القدوة إنما يتمثل صبره وأوبته لله عند البلية وعند المحنة. قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾.

إنه دعاء ولكن ليس كأي دعاء بل من (عبدنا) وهذه الصفة لا تكون إلا لمن كان عبداً له جلّ وعلا. وبعدها نسب المناداة إليه تعالى بصفة الغائب وكأنه يشير إلى أنه أكبر من أن تدركه الأبصار والأفهام فلذا فهو أكبر من أن نشير إليه بكلمة قال تعالى: (قل هو الله أحد) أشار إلى نفسه كذلك (هو). وكيف كان طلبه؟ وماذا طلب معه ما به من ضر وألم؟

كان يريد سؤال العافية وكشف البلاء الذي طال وأبعد عنه أهله والنسا أجمعين، ولكن أدب النبوة يأبى عليه أن يصرح بما يريده، بل يسأل سؤال المتواضع، بل المتذلل الخاشع ﴿نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيٍ﴾َ. لقد حكى الله عنه الحكاية نقلاً على لسانه ثم أشار إلى النصب والعذاب وهما التعب والمرض من خلال مصيبته في نفسه وأهله بذهاب ماله وأولاده والمرض الذي أصاب بدنه.
وأدب النبوة يأبى عليه أيضاً أن ينسب المرض والبلاء إلى الله تعالى فقال: ﴿مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ﴾ فأشار إلى أن العذاب من الشيطان باعتبار وسوسته للناس للابتعاد عنه حال المرض.
ولأن الشر لا يكون من الله تعالى إلا أن المرض شر وامتحان أريد به اختبار الإنسان في بعض المواضع فقد ابتليَ هذا النبي الصابر بالمرض لبيان مدى صبره وإخلاصه بمداومته على الذكر والشكر اللذين كانا قبل المرض فاستمرا أثناءه وبقيا بعده، وهذا حال الأنبياء عليهم السلام.

إشارة، هنا، إلى أنه ربما يكون تسليط الشيطان على بدن النبي، أو على أموره الدنيوية، وهذا لا يتنافى مع الأسباب الطبيعية العادية، فقد حكى الله تعالى ذلك عن النبي موسى عليه السلام في سورة القصص الآية رقم 15 فقال:  ﴿وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ وأيضاً عن النبي يوشع عليه السلام فقال عز من قائل:  ﴿قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا﴾  [الكهف: 63]. لأن السبب قد يكون غير مباشر وذلك بسلب الخر المادي (الدنيوي) من الإنسان، كفقد الأمن والرخاء والصحة والمال والأولاد، وغير ذلك، وليس ذلك بعقاب للإنسان دائماً بل قد يكون امتحاناً وليكون الثواب على الصبر أكبر قال تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ [الزمر: 10].

هكذا يظهر لنا كم كان صبره وتحمله وق وصفه الله تعالى فقال جل وعلا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب﴾ٌ فانظر إلى كلمة ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ﴾ كم فيها من حكمة الابتلاء ثم انظر إلى مدح الله تعالى له باستعماله فعلاً خاصاً بالمدح ثم إطلاق صفة العبودية مرة أخرى ﴿نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب﴾.
ومع كل المعاناة لم يطلب الطلب الدنيوي بشكل صريح بل وكما قال في آية أخرى: ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾ رغم ألم الفراق والإهانة من قومه فلم يقل رب اكشف عني الضر بل عرّف أنّ به ضر وأن رحمة الله الواسعة تشمله وعنايته الفاضلة تصله فقال: ﴿وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.
لذا فإن مدح الله تعالى له لم يكن لغير مناسبة أو إطراء لغير سبب بل هو مدح بجميل الصفات التي يطلب من الإنسان المؤمن حقاً والعابد حقاً لله تعالى. فالعبد يتحمل كل ما يحمله إياه مولاه ليس بالقبول فحسب بل بالرضى به وربما بالفرح والسرور.

ولما لم يكن كالذين قال عنهم الله تعالى  ﴿وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَن﴾ِ [الفجر: 16]. بل ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّاب﴾ استجاب له ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ [الأنبياء: 84] فقد نجح أيوب عليه السلام بالامتحان وآتاه أجره مرتين:  ﴿أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾  [القصص: 54].
فالله تعالى يبتلي أولياءه امتحاناً منه لهم ثم يؤتيهم أجرهم ولا يضيع أجر المحسنين.
اللهم اجعلنا من الصابرين العابدين لك في السراء والضراء واكتبنا مع المحسنين والصالحين إنك حميد مجيب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع