مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

إلى "مركبا" الواقفة بعز فوق أشواك الشريط


في ذكرى الاستشهادي البطل عبد الله عطوي‏
ما أخطأت مقاومتك‏


كان الحديث العلمي الدائر بينهم، يتوزع في زوايا الغرفة على أجنحة مروحة متدلية من سقفها.. والدماغ، هذا الملتف كصندوق الغرائب، يحتوى كل مراكز الحواس.. والحواس هذه تتوزع بين اليمين والشمال..
وبين الحاضر الماثل أمامهم والماضي الذي كلفها قفزة واحدة، توزعت دلال... واستغرقت حتى غاب عن عينيها ابنها الذي غادر حضنها حد شؤون طفولته أتذكرين يا سناء عندما كنا معاً في الصف الخامس الابتدائي وكان أستاذنا (...) شديد النرفزة بالغ العصبية؟؟...

رحلت سناء على أجنحة الذكرى إلى حيث اتسع صف في مدرسة نأت خلف أسلاك الشريط لكل الشيطنة التي لونت بالفرح زمن الطفولة، وأجابتها بعينين سارحتين خلف جدران الغرفة:
أذكر أنني نلت منه علقة ساخنة أثناء قيامي بتمثيل دور زوجة غالب في درس القراءة العربية... وحملت لهجة دلال إحساسها بنشوة الانتصار قديماً..
أذكر أنني نلتُ منه تنويهاً لقيامي بالدور الآخر... دور أمه.
وحملها حديث الذكريات من حلقتها العلمية إليهما... موقنة أن الموقف سينتهي بلحظات مرحة لتخلد في ذاكرة السويعات الآتية وبلهجة تستدرج مزاحاً. سألتهما:
ما القضية؟ ثمة أم وزوجة؟ حماة وكنة وغالبٌ مغلوب بينهما أليس كذلك؟
اتسعت عينا دلال نافذتين على درس قراءة راقد بإحكام بين دفتي كتاب رمته الأيام بعيداً في إحدى زوايا الإهمال، لذلك لم تعن مع سناء، بإجابة لسؤالها، بل بدأتا معاً وبدون اتفاق مسبق "كنبْش" أعماق الذاكرة مسرحياً:
جاء غالب إلى أمه محتقن الوجه ويداه ترتشعان... صححت دلال: دخل غالب إلى أمه شاحباً...
قاطعتها سناء مستنكرة وبإصرار:
من أين أتيت بعبارتك الأخيرة؟ وكيف لونت وجه غالب بالشحوب وقد كان حتى وهو يشاركنا أداء الدور أحمر الوجه قد جمع انسجامه به كل دمائه فيه؟؟
تدخلت الوافدة الأخرى محاولة اقتناص فرصة حبك الطرفة المضحكة أولاً.
يبدو أن دلال عندما كانت أماً لغالب كانت ترى فيك يا سناء كنة مرعبة لها وزوجة مخيفة لابنها لذلك تصورته الآن شاحباً.
تلقت سناء مزاحها بابتسامة انتشرت على صفحات الوجوه الثلاثة دون أن تحجب صوتها وهي تؤدي من جديد.
أماه.. إن الدم يغلي في عروقي.. لقد غادر رفاقي بيوتهم ليصدوا عدواً جاءنا غازياً... أيرضيك أن أقبع جباناً في منزلي؟ هكذا بدأ حواره مه أمه؟
قطعت دلال استرسالها مدفوعة بحرارة البهجة في استعادة الماضي:
أتذكرين كمن ضحكت علي وأنا أؤدي دور الأم؟
أذكر أن مطرتك التي اعتمدتها للتوكؤ عليها محاكاة لعصا أم غالب قد انكسرت بعد أن دفقت بها وجه ارض بقوة وكانت سبباً في احمرار يدي وتورمها بعد عشرين مسطرة كان أستاذنا العتيد (...) قد تفنن في طبعها على يدي الصغيرتين المسكينتين يومذاك..
ومن قال لك أن تشمتي بي وكلفك مهمة الضحك عليّ؟!
يا إلهي! وكيف كان يمكن لي أن أكتم ضحكتي التي تزاحمت في أعماق حنجرتي؟؟ كدت أختنق وأما أقاومها منذ أن أختنق صوتك بحشرجة ثقيلة في محاولتك تقليد صوت أم غالب. وعندما وقعتِ فوق عصاكِ المكسورة، وقعت ضحكتي معك فتفرقعت على يدي المساطر العشرون عداً ونقداً.
كل هذا لا ينفي قدرتي على إجادة تمثيل دور أم غالب أكثر منك وهي تقول لابنها: "اذهب يا بني وعلم الآخرين معنى حب الوطن والشهادة في سبيله"..
بعد خيبة أملها الأولى في تحصيل طرفة الحوار اقتحمت بجدية مساحة الضحك المتقطع بينهما فطرحت سؤالها مباشراً هذه المرة...
ومن كان يقوم بدور غالب؟
أجابتاها معاً وبلهجة مسترسلة فيما سبقها:
عبد الله!
إحساسٌ يحتاج لتأكيد دفعها للتساؤل المتتالي بإلحاح؟
من عبد الله؟ عطوي؟ الحر العاملي؟
تابعتا بسرعة كأنهما على موعد للحقا بفصل مسرحي آخر..
أجل فقد كنا معاً رفاق صفٍ واحد...
لم تدرِ إحداهن كيف ارتسمت مساحة الصمت الواجم بينهن ولا كيف تراجعت ذكرياتهما المرحة أمام حضوره المفاجى‏ء بقوة خلف نقاب ذاكرة غابت برهة لكنها عندما صحت تعلقت بأذيال قامته المديدة؛ والتي بدت في مقاومتها ذهول اللحظة المفاجئة صحوة ذاكرة لفعتها حرارة اليقظة العائدة مع طلته الفتية... وانطلق صوت الوافدة إليهما يترجم صمت العيون التي ارتدت إلى الفرقة حاملة معها من أعماق الماضي صورته الاستشهادية.
لقد أجدت فعلاً يا دلال... فها هو عبد الله... غالب حيث وجهته ولكن سناء أجادت الآن قولاً عندما أعادته إليك بحلة البرفير الأرجوانية... لأنها قد سبقتنا جميعاً برؤيته استشهادياً.. وأنجى لمثله شحوب الزعفران وهو في رحاب الجنان حيث الحور عينٌ والحلل أرجوان؟؟
في تلك اللحظة نطقت عينا دلال وسناء بالغصة الملتمعة تأثراً وصافحتا تهدُّج الانفعال في صوت هذه الأخيرة التي لم يخب يقينها بالفوز بطرفة الموقف لقد فازن بطرفة جادة جداً... فكتبتها في مذكراتها اليومية:
يا عبد الله... ما كنت تلميذاً.. أستاذاً كنت... ! أقبلنا تلاميذ في صفك الذي فتحته بوابه للكون ولا يمر منها إلا العابرون إلى حب الوطن أمام عين الله.. ما أخطأت مقاومتك إذ سمتَّك حراً وما خابت أمُّك إذ نادتك "غالباً" يا عبد الله.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع