أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مراقب: رافقك القرآن يا بُني ...

 


من راقب الناس مات هماً، أمّاً من راقب الشهيد فقد عاش غماً. والغمّ هنا، همّ كبير، يحتل مساحات الوجدان التي تمتد حينها، صحراء قاحلة.. بعيدة النهايات، والبدايات عنيدة مشاكسة ترفض أن تبدأ. و"المراقبة" هنا مرابطةٌ على تخوم المستحيل. كيف أكتب عن الشهيد؟ أنّى لصرير قلمي أن يُحسِنَ الإفصاح والتعبير؟ أنّى للكتابة أن تقول وأنّى للقول أن يبلغ مدى ما كتبه دم الشهيد فوق صفحات الحياة في كتاب الآخرة؟ وأخيراً أنّى لصفحة "مراقب" أن تتسع لِمَا كتبه دم الشهيد بعد شهادته؟ أغلب ظنّي أنّها بالكاد ستتسع لِما كتبه على مساحات الوجدان التي تضاءلت أمام حرارة تدفق إضاءاته، قيل فلاذت ببلاغة الصمت، لذلك ستكتفي صفحة "مراقب" بعرض ما "راقبته" مع أختي الشهيد محمد حيدر الجوهري تاركةً مراقباتها برسم الشهداء وطلاّب الشهادة.

وصفت إحدى أختيه لقاءها الأخير به فقالت: مع صباح يوم السبت جاء باكراً. وطلب منّي إعداد طعام الفطور، ليشاركني تناوله. سألني مراراً عن أطفالي وكنت أجيبه كلّ مرة أنّهم في المدرسة. لا أدري لماذا لما يقلقني إلحاحه بالسؤال عنهم ولكنّ سلامه الأخير الذي حمّلنيه إليهم ما زال مدعاة سرورهم وألمهم وألمي في آنٍ. وعندما دعوته للبدء بتناول الإفطار، دعاني لمشاركته، فأعلنت له صومي استحباباً بمناسبة عيد الغدير الذي كان هو أكثرنا حِرْصاً على الإتيان بأعماله كاملة بما فيها صلاة "أم داوود" أطول الأعمال المستحبة.ما زلت أستعيد صور اللقاء الأخير بيننا وما زال طيف ابتسامته الحبيبة يطوف بخاطري كلما وصلت بي ذكرياتي إلى كلمته التي قالها ممازحاً: شو؟ بدّك تعيديني الأعمال كلّها مرّة ثانية؟ ما مبارح كان عيد الغدير...
وتضيف شقيقته: أنّه كان يترنّم بعشقه لأمير المؤمنين عليه السلام لدرجة أنّه كان يباهينا جميعاً باسمه فيقول متفاخراً وهو يفاجئ أمه – كعادته – بقبلاته: "أنا الذي سمتني أمي حيدرة"... وتتابع قولها عنه بعد استشهاده أنّها لاحظت وجود قطعة فضية مغلّفةٍ بمادةٍ لاصقةٍ كانت معلّقةٍ بمحاذاة قلبه وبعد أن مزّقت الغلاف وجدت أن الشهيد كان قد احتفظ بها لأنّها تحتوي على بيتين من الشعر. يتحدثان عن أمير المؤمنين علي عليه السلام وقد حسب لشهادته حسابها ولنزفه الطاهر حسابه فغلّف الأبيات مراعياً قدسية اسم الأمير عليه السلام حرصاً على عدم وصول الدم إليه.

أمّا شقيقته الأخرى فتقول: عثرت بعد استشهاده على مفكرةٍ خاصةٍ له منذ كان في التاسعة من عمره كم كان دقيقاً؟ كان يُسجّلُ عليها ما بذمته من حقوقٍ للآخرين في الشهر واليوم والساعة: تصوّري أنّه سجل تاريخ اليوم الذي بدأ فيه صلاته وصيامه، في اليوم نفسه وكان ذلك بعد تجاوزه السنة التاسعة بقليل! أمّا والده فيعلن أنّه كان يعلم بعمل ابنه الجهادي لكنّه طبعاً كان يجهل تفاصيله. وكان يرافقه دائماً بدعاء يعقوب لولده يوسف عليه السلام ولكنه، في لقائه الأخير به نسي الوالد في غمرة انهماكه بتوديعه بعد أن كان قد استأذنه بالذهاب للمرة الأولى والأخيرة، أن يدعو له ذلك الدعاء. وكأنّ الله أراد أن يهيئ بغياب هذا الدعاء عن باله، أحد أهم أسباب شهادته التي طالما تمناها الشهيد. أمّا عن لقائه الأخير بوالدته فإنّ أخته أضافت: أنّه قرّر أن يستأذن والديه في القيام بآخر أعماله الجهادية بعد أن طال انتظاره لموعده المقدّس مع الشهادة وكان يرى أنّ عدم استئذانه لهما هو السبب في عدم استشهاده حتّى تلك اللحظة، ولمّا صارحهما بما يريد وطلب منهما، أن يَدْعُوا له بسلامة العودة شهيداً، غادرت أمّه الغرفة التي كانوا فيها، لتعود بعد قليلة حاملةً بين يديها قرآناً وقبل أن يُغيّبه باب الغرفة عن ناظريها استوقفته وطلبت منه أن يحني رأسه قليلاً ولما فعل ذلك، رفعت القرآن فوق رأسه الذي طالما نعُمَت أناملها الحانية بلمسه. ثمّ دعته إلى عبور عتبة الباب إلى مهمته تحت ظلال القرآن قائلةً: الآن ... بأمان الله ... حينها فقط تأثر الشهيد، ودمعت عيناه، وارتدّ إلى يدي أمّه يقبلهما على لهف ونال القرآن الذي كان بين كفيها نصيبه كاملاً من تلك القبلات الوداعية. وكان طبيعياً أن تكون آخر نظراته إليها، إلى تلك العظيمة التي كتبته كلمةً مضيئةً في لوح الخلود. نظرةً ناطقةً بأبسط كلمة يحتملها موقف الوداع الرائع: شكراً .. يا أمّي .. شكراً لحيدر ... جَوهَريٌ عرف كيف يصوغ الحياة جوهرةً تقدّم بمنتهى الولاء. لعشق علي عليه السلام ومحبة الله .. شكراً ... لوالد حيدر وأم حيدر الذين علّمانا بهذا الموقف الاستشهادي كيف تصاغ الأبطال قلادات عزّ على جسد الأمّة في زمن المقاومة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع