أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قصة العدد: العملية الأولى


فضيلة الشيخ كاظم ياسين


(مجموعات إسرائيلية، يظهر أنّها مجموعة هندسة عسكرية لدراسة طبيعة الأرض على الطرقات والتلال المطلة على القرى والمفارق وعلى الطرق المؤدية إلى القرى لاختيار المواضع المناسبة لإقامة الدشم والسواتر العسكرية).. فقد كانوا يترجلون من سياراتهم العسكرية ثمّ يصعدون إلى رابية ويهبطون من أخرى ويتحاورون ويتناقشون .. ففهم الراصد طبيعة عملهم .. وقدّر أنّهم هدف سهل مناسب كعملية أولى للمجموعة...
كان المنعطف حاداً إلى حد ما ومنحدراً ومحاطاً بالحقول المزروعة بأشجار الزيتون.

وقف علي بدوي وعلي سليمان فوق المنعطف، وبكلمات قليلة رسما خطّة العملية الأولى...
إنّ المجموعة الهندسية تمرّ عند الصباح وهناك حاجز للقوات الدولية من الكتيبة الفرنسية في أول عيتيت يراقب المنطقة، والمنطقة مطروقة بالفلاحين والمزارعين، فهذه ثلاث عقبات...؟

وقفا يتأملان، وسرعان ما وجدا الحلول فبادر علي بدوي:-بالنسبة لوقت مرور الدورية فلا مانع من ضربها في وضح النهار، بل هو الأنسب لأنّ درجة الحذر تتضاءل عندهم ومستوى رؤية الهدف يرتفع عندنا فسوف نكبّدهم خسائر...
وأكمل علي سليمان: وبالنسبة للفرنسيين، فسوف نأتي بالسلاح في الليل ونودعه هنا في نفس مكان المكمن فيأتي غداً كلّ إلى سلاحه؟
وراقت الفكرة لعلي بدوي: تمام.
وأما بالنسبة للفلاحين... فنرجو من اله تعالى أن يمنعهم غداً من العمل... وضحكا ثمّ انحدرا بسرعة إلى الطريق ووضعا أيديهما في جيوبهما واتجها إلى عيتيت على مهل بينما كان سيارات عسكرية إسرائيلية تمرّ مسرعة فلم يكترثا بها واستمرا يتبادلان الحديث والضحكات...
خرّاقتان وثلاثة رشاشات وستون طلقة لكلّ رشاش في أمشاط احتاروا أين يضعونها فلم يكن عندهم جعب لها .. هذا هو سلاح العملية الأولى لهم، وكان عليهم نقله خلال الليل إلى مكان الكمين والنزول صباحاً على الموعد تماماً، ولم يكن في الأمر صعوبة، فالمكان ليس بعيداً عن القرية وتمّت عملية نقل السلاح وتمويهه ليلاً ثمّ العودة إلى القرية في أقل من ساعتين...
وفي الصباح وعلى أشعة شمسه الأولى التي كانت تكحّل طرقات وروابي جبل عامل كان الشبان الثلاثة يتهادون نزولاً من عيتيت ولم يثر منظرهم ريبة عند الفرنسيين حتّى وصلوا إلى المنعطف العتيد...
وهناك فوجئوا بما كان بالحسبان وكانوا يتمنون بأن لا يقع... فلاح عجوز يحرث أرضه القريبة من المنعطف، وقد انشغل بثوريه ومحراثه... ولم يبالِ بهم للوهلة الأولى.
واكتفوا بإلقاء السلام عليه ووقعوا في حيرة من أمرهم... فهذا العجوز إمّا سيُصاب وإمّا سوف يتعرّف عليهم وكلا الاحتمالين غير مرغوب فيه... وتداولوا بسرعة.
توكّلوا على الله يا إخوان .. إنّ الله يتكفّل بما هو خارج عن إرادتنا، وانتشروا... كلّ في مكانه المحدّد... واسترعى الأمر انتباهه فكان يلقي عليهم نظرة بين الفينة والأخرى... ولكنّه بعد ساعة انصرف إلى حراثة أرضه ... وهنا أطلت مجموعة الهندسة اليهوديّة...

جيبان عسكريّان قادمان من جهة وادي جيلو، والكامن في تلك الرّبوة بين شجيراتها ونباتاتها الربيعية الكثيفة يستطيع ملاحظة القادم على الطريق بدون أن يظهر للعيان...
ودهش صاحبنا وترك محراثه وجلس خلف صخرة وهو يرى الرّجال وقد تجهّزوا في ثوان ... فقد أدرك وبسرعة ما يجري.
وبـ.. بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... ونهض على سليما وهتف... يا حسين .. وأخطأتا القذيفة ولكن رشيش علي بدوي كان يحصدهم حصداً ولم يكن الجيب الثاني قد اقترب إلاّ أن اشتباكهم مع الأول فوّت الثاني فنزل الجنود اليهود منه بسرعة وبدلاً من أن يطلقوا النار على رجال المقاومة فضّلوا الاختباء في الوهدة بينما كان الشباب يمزّقون الجيب الأول برصاصهم.
وهنا سقطت قذيفة وانفجرت غير بعيدة عنهم... وفوجئوا بالفرنسيين يقصفونهم بمدفع مصفحة دولية تابعة للأمم المتحدة ... وارتبك وضعهم ... فقرروا الانتهاء من العملية بسرعة خوفاً من فقدان زمان السيطرة عليها بسبب تدخّل قوات الطوارئ الدولية لحماية اليهود.
لم تستغرق المعركة دقيقة كاملة ... ولكنّ الرّعب الذي ساد الجنود اليهود كافياً في إعطاء مجال للرجال لكي يموّهوا أسلحتهم بسرعة ويشرعوا بالانسحاب...
- الله يعطيك العافية يا عم .... هل رأيت شيئاً؟
أجاب العجوز مبتسماً..
- الله يعافيكم ويسلّم أيديكم .. ولا يهمّكم .... لا ... لم أرَ شيئاً توكلوا على الله...
واستطاعوا بسرعة تجاوز الرابية والاختفاء عن أفق نظر الفرنسيين واليهود، ولكن سرعان ما طرق أسماعهم صوت مروحيات في الجو، ثم اقتربت الأصوات ثمّ ظهرت مروحيّتان فوق المنطقة وأخذتا تدوران بجنون والشبان ينتقلون بخفّة من تحت شجرة إلى تحت شجرة أخرى...
ثمّ ظهرت في أفق السّمع أصوات جنازير الدبابات في قانا وفي عيتيت.. وارتفع صوت مكبّر للصوت:
- مخرّب... سلّم نفسك...
ودبّب الحيرة في نفوس الشباب ووقفوا يتأملون الموقف...
- كيف استطاع اليهود رصد أمكنتنا؟
وأخذوا يتأمّلون التلال حولهم... وكان موقع عين بعال للفيجيين التابعين لقوات الأمم المتحدة فوقهم تماماً...
والتفت علي بدوي لعلي سليمان...
- الظاهر أنّنا يجب أن نأخذ مواقع الدوليين بعين الإعتبار من الآن فصاعداً... إنّهم أعينٌ مخفيّةٌ لليهود...
وتسلّل الشباب لقناة ماء قريبة وانبطحوا فيها بينما أصوات المروحيّات والمجنزرات تملأ الفضاء ضجيجاً مع أصوات مكبّرات الصوت .. إلاّ أنّهم لم يتحرّكوا وحبسوا أنفاسهم ... وصبروا .. ومضت ساعات وأخذت أنوار النهار تختفي تدريجياً وجنّ الليل فأخذوا يرفعون رؤوسهم بهدوء وقد عضّهم الجوع وأنهكهم التعب.
وبعد قليل كانوا يتسلّلون باتجاه باتوليه وقد اتخذوا الليل ستاراً ولم يكن ممكناً دخول أحد البيوت في تلك اللحظات، فالمنطقة قد امتلأت بالحواجز، وعيون العملاء أخذت تبحلق بالمارّة...
ووصلوا إلى مسجد القرية الخالي من المصّلين في تلك الساعة فهو الأكثر أماناً وهو الأنسب لهم إذ ينبغي أن يؤدوا صلاتهم قبل أن يفكّروا في أيّ شيء آخر.
وأمام لسع البرد لم يجدوا غير حصر المسجد يلتفوا بها طرداً لما يمكن من البرد، وأخلدوا إلى نوم عميق حتّى الفجر...
وفي الصباح وفيما هم يفطرون على الزيتون والزعتر في بيت علي سليمان كانت أخبار العملية قد انتشرت ووصلت إليهم...
لقد قتل جندي إسرائيلي وجرح اثنان في كمين تحت عيتيت، ونظروا إلى بعضهم البعض ... بداية طيبة ... ولكن...
- لكنها مليئة بالدروس...
- سوف تكون الثانية أفضل إن شاء الله
وعادوا إلى عيتيت ثمّ إلى شحور، وهناك بدأت خيوط عمليّتهم الثانية.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع