مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أدب الأنبياء: نبي الله إسحاق عليه السلام

 


 ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ *  وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِين﴾َ [الأنبياء/72 و 73].
 ﴿وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ *  وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ﴾  [الصافات/112 و 113].
  ﴿وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ  * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ  *  وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَار﴾ِ  [ص45-47].

لم يرد في القرآن الكريم عن النبي إسحاق عليه السلام أنّه توجّه، كأبيه إبراهيم عليه السلام، بكلام مباشر إلى الله تبارك وتعالى، ولكن ذكر الله تبارك وتعالى بعضاً من أوصافه مع أوصاف أبيه إبراهيم وولده يعقوب عليهم السلام، وهي وإن كانت أوصافاً قد أطلقت على غيرهم من الأنبياء إلاّ أنّها تدلّ على ما كان يتمتع به هذا النبي الصالح العابد لله تعالى من قوة في العبادة والدعوة إلى الله بحيث أنّها تبين ما أخذه من أبيه، وما خصّه الله العلي الحكيم من خصال كثيرة جعلته ﴿وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ﴾.

فالصفة الأولى التي وصف الله تعالى نبيه إسحاق بها أنّه من الصالحين، والصلاح إنّما يكون بصلاح الأعمال والأقوال. وهي صفة عامة للأنبياء بصلاح أنفسهم قبل إصلاح مجتمعاتهم.
هذا وقد كرّمه الله تعالى بجعله وأباه وابنه أئمة وهذه الكرامة لم تكن إلاّ لأنبياء خاصين جداً، فالإمامة أعلى مرتبة من النبوة، فقد كان إبراهيم الخليل عليه السلام عبداً لله تعالى، ثمّ نبياً ثمّ رسولاً ثمّ خليلاً ثمّ إماماً، فالإمامة منصب خاص لخاصة أولياء الله المقربين. وهكذا قد استجاب الله المجيب دعاء خليله وجعل النبوة والإمامة في ذرته، في إسحاق ويعقوب اللذين كانا دائمي الدعوي إلى عبادة الله الواحد القهّار فضلاً عن فعل ذلك قبل أن يدعوا الناس إليها، وفي ذلك قال تعالى:  ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ﴾.

وقد أوحى إليهم فعل الخيرات وتحقّق هذا الفعل بدليل إضافة المصر إلى معموله مما يدلّ على تحقّق معناه فعلاً، قبل تحقّقه قولاً، فالوحي الإلهي تعلق بالفعل الصادر عنهم.
لذا، فإنّ الإخلاص من الله تعالى للعبد لا يكون إلاّ بإخلاص العبد نفسه، وذلك من خلال العبودية الحقة، فأعمال العبد وطاعته للتشريع الإلهي يجعلانه موضع كرامة الله تعالى ومن ثمّ يرافقه التسديد الإلهي، ولذا يكون للنبي بمثابة وحي تسديد وبهذا يصبح محلاً للفيوضات المعنوية والمقامات الباطنية التي يهتدي إليها المؤمنون بأعمالهم الصالحة ويتلبسون بها رحمة من ربهم.

إذا، فالإمام هو الرابط بين الناس وبين ربهم في الفيوضات المعنوية-الباطنية أمّا النبي فهو الرابط بين الناس وبين ربهم في الفيوضات الظاهرية هي الشرائع الإلهية.
وبهذا نصل إلى خلاصة مفادها أنّ الإمام دليل وهادٍ للنفوس إلى مقاماتها المعنوية، فيما النبي هادٍ إلى الاعتقادات الحقة، وقد اجتمعت النبوة والإمامة في إبراهيم وابنيه عليهم السلام.

وفي ذلك قال تعالى أيضا:  ﴿أُوْلِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار﴾ِ . فأما الأيدي دلالة على العمل بل قوة هؤلاء الأنبياء الصالحين في الطاعة وإيصال الخير. وأما الأبصار فهي تعبير عن قوة تبصرهم في إصابة الحق في الاعتقاد، لذا فإن جعلهم أئمة بالأمر والوحي يفسر أولي القوة في العبادة والبصر فيها ذلك أنّ عبادة العالم تفوق عبادة الجاهل أضعافاً تضاعف بمقدار علم العالم.

ثم قد مدحهم بأنّه تعالى  ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار﴾ِ وهي الاستغراق في ذكر الدار الآخرة والدعوة إليها، ذلك أنّ الاستغراق في ذكر الدار الآخرة وجوار رب العالمين يلازمه معرفته في جنب الله تعالى، وإصابة نظره في حق الاعتقاد والتبصر في سلوك العبودية، والتخلص عن الجمود على ظاهر الحياة الدنيا وزينتها كما هو شأن أبنائها قال:  ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾  [النجم/30].
إذاً، إنّما كانوا أولي الأيدي والأبصار لـــ ﴿إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار﴾ِ بخصلة خالصة غير مشوبة عظيمة الشأن هي ﴿ذِكْرَى الدَّار﴾الآخرة.
ثمّ (وإنّهم عندنا لمن المصطفين الأخيار). الاصطفاء ملازم للإسلام التام لله تعالى. والأخيار جمع خيْر أو خيّر ومعنى كلاهما ما يقابل الشر فيكون اصطفاؤهم ناتجاً عن أعمالهم.
اللهم اجعلنا من المصطفين لجنتك المخلصين في عبادتك الفائزين برضوانك ورحمتك ومن الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنّك قريب مجيب.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع