الشيخ خليل شرف الدين
*كثيراً ما يتداول على الألسن تعبير ولاية الفقيه فما المقصود بهذا التعبير؟
- الولاية هي السلطة والفقيه هو المجتهد الجامع للشرائط العامة. فولاية الفقيه تعني السلطة المجعولة للمجتهد في إدارة شؤون البلاد والعباد.
*الملاحظ أنّ مسألة ولاية الفقيه قد أخذت بالانتشار إبان انتصار الثورة الإسلامية في إيران فهل أن هذه المسألة كانت وليدة تلك الثورة وبتعبير آخر هل أن الثورة الإسلامية هي التي أنتجت مفهوم ولاية الفقيه؟
- ولاية الفقيه من القضايا ذات العمق مع غيبة الإمام الثاني عشر عليه السلام. إذ مع غيبة الإمام كان لا بدّ من وجود من يتصدّى للإفتاء على الأقل وطبيعي أن المجتهد المتصدي للإفتاء له ولاية على الناس ولو في خصوص هذا الإطار وبهذا لا تكون الثورة الإسلامية هي التي أنتجت وأحدثت مفهوم ولاية الفقيه، وما قدمته الثورة الإسلامية في هذا المجال يقتصر على تعريف الأمة الإسلامية بهذا المفهوم بإخراجه من الكتب والسطور إلى طرحه في الشارع الإسلامي رغبة منها في تنمية العقلية الإسلامية لدى الجماهير التي كانت قد أهملت التعرف إلى مثل هذا المفهوم.
*ما دامت مسألة ولاية الفقيه ذات عمق تاريخي فلماذا عرف هذا المفهوم مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران؟
-ليست الأرض هي التي تخرج الكنوز من باطنها بل اليد الممتدة إليها هي التي تعمل على إخراجها.
الإمام الخميني كان هو صاحب اليد التي عملت على نفض الغبار عن العديد من المفاهيم الإسلامية التي عاشت الراحة والسكينة في طيات الكتب ومن تلك المفاهيم: كان مفهوم ولاية الفقيه. فالمقارنة بين الثورة ومفهوم الولاية كانت على أساس أن الذي حرّك الثورة هو نفسه الذي أحيا مفهوم الولاية في نفوس الجماهير المسلمة.
*ما هو تصور الإمام الخميني وغيره من الفقهاء من مسألة ولاية الفقيه؟
-لا خلاف بين العلماء في أنّ للفقيه ولاية على الناس فالجميع متفق على هذا.
*كثيراً ما نرى الناس يقولون هذا المجتهد يقول بالولاية وذاك المجتهد لا يقول بالولاية فما مدى صحة هذا؟
- هناك معلومات خاطئة لدى الناس لأنّنا ذكرنا أنّه لا يوجد خلاف بين العلماء في أصل ثبوت الولاية للفقيه.
*هل هذا يعني أنّه لا خلاف بينهم أبداً في هذه المسألة؟
-في ثبوت الولاية للفقيه لا خلاق بين العلماء وإنما الخلاف بينهم هو في تحديد سلطة الفقيه وبعبارة أخرى الخلاف هو في تحديد الصلاحيات التي أعطاها الإسلام للفقيه.
*هل للإمام الخميني رؤية خاصة في تحديد سلطة الفقيه؟
- لدى جماعة من العلماء ومنهم الإمام الخميني نظرية خاصّة حول ولاية الفقيه عُرِفت بالولاية المطلقة للفقيه.
*هل يمكن إعطاء فكرة عن الولاية المطلقة للفقيه ولو بشكل موجز؟
-الولاية المطلقة للفقيه يقصد بها أن للفقيه ما كان للإمام المعصوم عليه السلام من السلطات، وبعبارة أخرى كل ما كان الإمام عليه السلام ولياً عليه فإنّ الفقيه أيضاً ولي عليه في عصر الغيبة اللهم إلاّ ما كان ثابتاً للإمام المعصوم(عليه السلام) تشريفاً له أو أنّه كان من مختصاته.
*ما الدليل الذي اعتمده أصحاب هذه النظرية في إثبات دعواهم؟
-الأحكام الإلهية سواء كانت أحكاماً مالية أم سياسية أم حقوقية أم غيرها هي أحكام باقية إلى يوم القيامة ونفس بقاء تلك الأحكام يقضي بضرورة وجود والٍ يضمن حفظ سيادة القانون الإلهي ويتكفل بإجرائه ولا يمكن إجراء أحكام الله إلاّ بوالٍ وحكومة لئلا يلزم الهرج والمرج. ومن الواضح إنّ الجاهل والظالم والفاسق لا يعقل أن يجعلهم الله تعالى أولياء على البلاد والعباد لأنّ ما فيهم من منقصة يمنع من جعلهم أهلاً لذلك المنصب وبذلك يتعيّن أن يكون هناك والٍ يرعى مصالح العباد والبلاد وأن يكون هذا الولي ممن اتصف بالعلم والعدل. وبهذا يتضح أنّ ثبوت الولاية للفقيه بالمعنى الذي ذكر من الأمور البديهية التي لا تحتاج إلى برهنة واستدلال.
*هل نفهم من هذا أنّه لا دليل على إثبات هذه النظرية باعتبار أنّها من البديهيات؟
-صحيح أنّ ثبوت الولاية المطلقة للفقيه من البديهيات كما ذكر إلاّ أنّ هذا لا يعني أنّه لا يوجد دليل روائي يثبت ذلك بل نحن نفترض أنّ المسألة لما كانت من البديهيات كدليل على إثبات تلك النظرية لأنّ بديهية النظرية تلغي الحاجة إلى الدليل وبذلك تكون تلك الروايات مؤكدة للنظرية لا أنّها مثبتة ومؤسّسة لها.
*هل يمكنكم إعطاء فكرة عن تلك الروايات المؤيدة للنظرية المذكورة؟
-الروايات التي تتحدث عن ولاية الفقيه كثيرة نذكر منها ما عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام حيث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا.. وواضح أنّ أمين الرسول أمين في جميع شؤونه إذ ليس شأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذكر الأحكام فقط بل شأنه إدارة البلاد والعباد بحفظ الإسلام من الإندراس وإجراء الحدود وبيان الأحكام وما إلى ذلك من الأمور التي ألقيت على عاتقه صلى الله عليه وآله وسلم من قبل الله سبحانه وتعالى.
*ما حكم الناس بالنسبة للأوامر الصادرة عن الفقيه هل يجب عليهم الطاعة والانقياد له؟
-ولاية الفقيه ركن من أركان المذهب الإمامي ونظراً لما ثبت في الفقه الشيعي فإنّه يجب على جميع المسلمين – فقهاء كانوا أم غير فقهاء – الالتزام والتسليم لأوامر ونواهي ولي أمر المسلمين لأنّ الأحكام الولائية الصادرة عنه نافذة على الجميع من غير استثناء ونفوذها على الجميع يعني وجوب الالتزام بها على الجميع أيضاً.