رئيس التحرير
المتتبع للمفردات المستعملة في مجتمعاتنا، والكلمات التي تُقال على سبيل المجاملة، والأوصاف التي تُطلق على أناس لا يستحقونها ولا هم يستأهلونها، يدرك مدى الخطر المحدق بنا، ذلك أنّ قيمة أي مجتمع تكمن في انسجامه مع القيم التي يحملها، ومن لا يتحلّى بها فهو مذموم ومدحور في وسط محيطه. أما أن يصل إلى ما وصلنا إليه نحن فهذا هو الطامة الكبرى وجهنم الدنيا، وتوفيراً مني لوقت قارئي العزيز أدخل في تلك المفردات التي باتت تهدّد نقاء وطهر الثقافة الإسلامية التي نعتقد. فمثلاً حينما ينظر المجتمع إلى الجُبن فيراه دراية وحيطة وحذراً، وحينما يرى التهور شجاعة، والبخل وعياً لما يحمل المستقبل من يوم أسود يُدخر له قرشه الأبيض، وحينما يُنظر إلى النفاق الاجتماعي على أنّه دبلوماسية في التعاطي وإلى الكذب على أنّه نوع من أنواع حفظ المصالح وإلى ضعف الشخصية عند البعض على أنّه تواضع.
أمّا عن الغيبة فلعلّها عند إضراب هؤلاء تشخيص لواقع الناس المأساوي وبالتالي فإنّهم يسمحون لأنفسهم النيل من كلّ غائبٍ فإذا ما تحوّل الغائب إلى حاضر ومخاطب فلسان الحال والمقال ينطق مبجلاً بزعامة القادم أو فخامته (ما شئت لا ما شاءت الأقدار..) أقول هذا وأنا على يقين أنّ هذا الداء إذا ما انتشر في جسد الأمة فهو يهدّد هوية المجتمع الإسلامي وللتدليل على ما ذهبت إليه تعالوا نسأل أنفسنا عن بعض الأمثال التي تسود بعض المجتمعات فحينما ينظر أيّ مجتمع للمثال القائل "ألف كلمة جبان ولا كلمة الله يرحمو" فمعنى ذلك أنّ الطفل يكبر والكبير يشيب على تلك القاعدة ويتحوّل عملياً كل فرد من أفراد المجتمع إلى جبان يقبل الهوان وليس لديه أي فكرة عن التغيير والثورة وما شابه، أمّا لو ساد المثال الآخر "أن تعيش سنة كالأسد خير من أن تعيش مائة سنة كالخروف"، فإنّ لهذا المثال انعكاساته على الأرض التي لا يستهان بها ومما يحزّ في النفس أن يتحوّل المجتمع إلى مجتمع ينفعل بالتقاليد والأمثال، وتقوده بعض الأوصاف والكلمات التي تُقال حتّى لو كانت بعيدة كلّ البُعد عن الموضوعية والواقعية إلى التزام الباطل، فالكلمات اللامسؤولة والتي تبعد المرء عن الطريق القويم كلها تعطي خلفية كبيرة لحركته وتشكل حافزاً مهماً له تدفعه إلى حيث تريد لا إلى حيث يريد هو، وما أكثر هؤلاء في مجتمعاتنا التي باتت الكلمات فيها سيولاً جارفة لا تبقي إلاّ من ثبت على الإيمان في أفخاخ الكلمات ومصائد العبارات الجميلة التي تشبه إلى حد كبير العسل الممزوج بالسمّ.
وحريٌ بالعاقل والرسالي أن لا يخلط بين الكلمات فيضيع في حمأة أضاليلها وظلمة دهاليزها، بل إنّي أستطيع الزعم أنّ أمثالاً كثيرة منحرفة استطاعت تضليل عدد كبير من الناس، ففي روسيا مثلاً درج الناس على ذكر مثل يقول "من أعطاها الله جمالاً فعليها أن تعرضه على الناس حتى لو كلّفها ذلك البرد والصقيع".
فهذا المثل وأمثاله كم يشجع المرأة على الخروج وهي سافرة متهتكة غير آبهة لكلّ الصقيع الذي تواجهه. أمّا عن الأمثال في مجتمعاتنا فهي أكثر من أن تحصى وهي في بعضها تشجع على مناصرة الأخ على ابن العم ومناصرة ابن العم على الغريب..
والنماذج هذه تتحدانا وتتحدى فينا روح التغيير والثورة على الواقع المظلم، فهلاّ نكون من أولئك الذين يرفضون أن تُغرقهم أوحال ومستنقعات الكلمات الخادعة والمضلة، فالمولى عزّ وجلّ لم يخلقنا لنكون منفعلين بالواقع المزري وأمثاله و.. بل خلقنا لنكون فاعلين ومؤثرين وصانعين. فليست كلّ كلمة تُقال هي دستورنا في الحياة، فإلى مهمة التغيير، والسلام.