* سؤال: منذ متى عرفتم بمرض الإمام قدس سره وشعرتم به؟
بسم الله الرحمن الرحيم
ذات يوم ظهراً كنت في خدمة الإمام وقت الغداء ولم يكن الإمام معتاداً على طلب الطعام بنفسه، بل كان دأبه الدائم أن يستمر في عمله إلى أن يقدم له. في ذلك اليوم التفت إلي وقال: "قولي لهم ليجلبوا لي الطعام" والظاهر أنه كان ملتفتاً لكونه قد فعل ذلك خلافاً لعادته.. فقال مباشرة "لدي ضعف شديد حتى أنني لا أستطيع رفع الملعقة" ولمعرفتي المسبقة بأخلاقه حيث أنه لم يكن أصلاً من الذين يبرزون ضعفهم، التفتُّ إلى أنه لا بد أن يكون أمراً طارئاً. لهذا السبب توجهت مباشرة وطرحت الأمر مع الدكتور طباطبائي وبعد ذلك اتصلت بالدكتور عارفي وبلغته بالأمر. فقال الدكتور عارفي: حسناً سنتصرّف بسرعة.
لم أكن أعرف ما يريدون فعله ولكنه علمت في اليوم التالي أنهم قرروا وضع الإمام تحت المراقبة في غرفة العناية الفائقة.
عندما تحدثت مع الدكتور طباطبائي ووضعته في جو الحادثة جاء إلى خدمة الإمام قائلاً: بأننا نريد أن نأخذ لكم فحوصات، ولكن الإمام لم يرضَ، فحدّثه في اليوم التالي ثانية فرضي الإمام في صبيحة ذلك اليوم.
* سؤال: ألم يقل الإمام بعد ذلك شيئاً في هذا الصدد؟
بلى.. ففي اليوم التالي ظهراً توجهت بعد الدرس إلى منزله لأسأل عن أوضاعه وكنت أدرس في صبيحة ذلك اليوم لأتهيأ لامتحان الدكتوراه وعند الظهر سنحت لي الفرصة لأصل إلى خدمة الإمام.. عندما رأيته بادرني بالحديث قائلاً: "لقد أخذوني صباح ذلك اليوم إلى المختبر فسألني الدكتور بماذا تشعر؟ قلت: لقد غدا مزاجي قاتم اللون، قال: أي لون؟ قلت: مثل هذا الجورب، بهذا اللون (وأشار بيده إلى الجورب الذي كان يرتديه وكان أسود اللون) ثم قال: تقرر بعد ذلك أن يأخذوني للفحص".
* سؤال: ألم يقل شيئاً بخصوص الفحوصات التي أجريت له؟
- لم يقل شيئاً خاصاً.. ولكنه أظهر انزعاجه من الفحوصات، وقال عدة مرات "لعلهم أجروا لي ثلاثين عملية - يعني فحص - وقد أذوني كثيراً". ومن خلال حركاته أراد أن يبيّن لي أنه تأذى كثيراً لأنه سمع بذلك. منذ عدة سنوات خلت، وعندما أصيب الإمام بإرهاق وتعب شديد - ولذلك قصة مفصلة - لم يشتكِ أبداً من أعمال الأطباء.
* سؤال: متى تقرر إجراء العملية للإمام؟
- لا أذكر الآن بدقة.. لعله اليوم الذي تلى إجراء الفحوصات أو لعل ذلك كان بعد يومين، ولكن على أي حال عندما أعلموني أنه تقرر أن يأخذوه إلى المستشفى لإجراء العملية له، كنت قد زرته في الليلة السابقة.. وقد كان يعتقد بأن لا علم لي بموضوع العملية. ولأنني كنت أظن بأنه يميل إلى تعريفي بذلك، فلم أبرز شيئاً على وجهي ولم أظهر أي قلق. عندها توجه بالحديث مخاطباً (أمي) وقال لها: "لا تصرّحي بأنهم سيجرون لي عملية غداً".. كان يريد لي أن لا أقلق، وأنا أيضاً لم أقل شيئاً لأنني شعرت بأن ذلك أكثر راحة له. ذلك اليوم ذهبت إلى البيت ليلاً.
كان من المقرر أن أجري امتحان الدكتوراه صباح اليوم التالي أي نفس اليوم الذي تقرر فيه إجراء العملية له. في الصباح الباكر ذهبت إلى خدمة الإمام لأراه قبل ذهابه إلى العملية وبعد ذلك أذهب إلى الامتحان.. عندما دخلت إلى المنزل وجدت كل من فيه فرحاً لأن الأطباء أعلموهم إلغاء العملية اليوم.
وحسب الظاهر كانوا يريدون إجراء مجموعة فحوصات أخرى. وحتى أنني كنت ألاحظ ارتياح الإمام لرؤيتنا فرحين.
عندما ذهبت إلى خدمته ضمني إليه وقبلني وقال: اذهبي أنتِ (كان يعلم بأنه لدي امتحان) ولعله أيضاً كان قد أوصى بأن لا يقول لي أحد بأنهم يريدون إجراء العملية له. فقد كان يعتقد بأنني لو علمت فسأقلق وينتكس امتحاني، ولأنه كان مهتماً بدرسي وامتحاني قال لي: "اذهبي أنت... اذهبي مرتاحة البال.. اذهبي وقدمي امتحانك.. فلا عملية لدي".
ارتحت كثيراً وذهبت إلى الامتحان، وبعد الامتحان رجعت ظهراً وعلمت حينها أنهم قرروا إجراء العملية في اليوم التالي. وصباح ذلك اليوم أخذوه لإجراء العملية، وكانت الساحة حوالي التاسعة صباحاً. عدت إلى البيت آخر الليل ونمت ثم في الصباح أي في الساعة السابعة والنصف من اليوم التالي ذهبت إلى بيت الإمام فلم أجده. وكانوا قد حملوه إلى غرفة العمليات، فقال لي أحدهم: لقد أخذوه حديثاً إلى غرفة العمليات. فانزعجت كثيراً لأنني لم أصل إليه قبل ذهابه إلى غرفة العمليات ولكن على كل حال فقد كنت أنا المقصرة، كان يجب علي إما أن أسرع بالمجيء أو أن أقضي الليل هنا.
* سؤال: في أثناء العملية.. أين كنتم؟
- أثناء العملية كان في صالون المستشفى جهاز تلفزيون يبين غرفة العمليات ونشاط الأطباء. كنت جالسة في ذلك الصالون مقابل جهاز التلفزيون، وكان السادة أيضاً في نفس الصالون: السيد أحمد، السيّد موسوي أردبيلي، السيّد الخامنئي، الشيخ رفسنجاني، الشيخ توسلي، السيد آشتياني، السيد صدوقي، كان الجميع هناك وكذلك كان يوجد عددٌ آخر. فقيل لنا: لا مكان للسيدات هنا.. ولكنني قلت سأبقى هنا، لأني كنت أرغب أن أرى كيفية تصرف الأطباء، وكنت أرغب في معرفة كل ما يجري، لهذا السبب بقيت جالسة وكنت أراقب كل ما يجري. وبالطبع كان السادة موجودين، وكان السيّد موسوي أردبيلي يبكي بصوت مرتفع، ثم غادر السيّد خامنئي لأداء الصلاة، وكان الشيخ رفسنجاني يبكي. وكان السادة الجالسون في الطرف الآخر يبكون بصوت عالٍ. بقيت جالسة من بداية العملية إلى نهايتها. وفي هذه الفترة دخلت السيدة الوالدة مع أختها (السيدة صديقة) وجلستا. وبعد أن جلست لحظات معدودة قال الشيخ هاشمي للوالدة "تفضلي بالذهاب فما هي الفائدة من جلوسكن هنا، لن تجنين إلا الضيق"، قلن: حسناً. وقمن من أماكنهن. لكني بقيت، فتوجه الشيخ إلي وقال:
"تفضلي أنت أيضاً مع الوالدة إلى الخارج، فقلت: لا أنا باقية معكم هنا.. عندها التفت إلى الوالدة وقال: خذيها معك لأنها لن ترتاح... فقلت: لا.. لن أنزعج.. أريد أن أبقى.. عندها سكت.. كنت أرغب بالبقاء بشدة.
* سؤال: عندما خرج الأطباء من غرفة العمليات هل كانوا راضين عن العملية؟
- الأطباء لم يظهروا القلق بل أظهر الدكتور فاضل (وهو الذي نفذها) سروره بنجاح العملية.
وعندما عاد الإمام إلى وعيه كان في حالة جيدة. بالطبع استغرق ذلك وقتاً طويلاً جداً وكان ذلك ما أقلقنا ولكن الدكتور قال: "هذا طبيعي ولا يوجد أية مشكلة". بعد ذلك أيضاً عندما كنا نأتي إلى خدمة الإمام لم يكن يصرح بأي شيء من الانزعاج والألم. فإذا سألناه كيف حالكم؟ كان يجيب: جيد لا بأس، أو أي جواب آخر مناسب. ولكن عندما كنا نسأله... ألديك ألم؟ فلأنه لم يكن من أهل الكذب كان يجيب دائماً، نعم لدي ألم... وكلما سألته هل يعاني من ألم أم لا.. يقول: جميع بدني يتألم.. ولعل هذه الجملة سمعتها منه مرات عديدة.
* سؤال: لطفاً إن كان لديك ملاحظات عن اليوم الأخير في المستشفى، السبت 13 خرداد فتفضلي بإبدائها..
- ذلك اليوم وفي الصباح الباكر ذهبت إلى خدمة الإمام، وقدمت له طعام الفطور - ولكن في آخره مباشرة أخذ بالسعال ليقيء ما كان قد أكله...
كانت الساعة بحدود العاشرة صباحاً حيث قال أن حالته غير جيدة ولكنه كان طبعاً بكامل وعيه، وقادراً على الحديث.. بعد الظهر قال: قولوا للسيدين آشتياني وتوسلي ليأتوا. فقلت لبعض الذين كانوا موجودين ليذهبوا ويحضروهم، وطال الوقت قليلاً فقال لي الإمام مرتين: قولوا للسيدين توسلي وآشتياني فليأتيا.. فقلت مرة أخرى معترضة لماذا لا تذهبون لتأتوا بهما. بعد ذلك جاؤوا وقالوا: السيد توسلي ليس موجوداً: فقال: "إذن ليأتِ السيد أنصاري وآشتياني" والتفت الإمام إلي وبملامح جدية جداً قال: إنني اتخذك شاهدة لتقولي لهم ليعلنوا. قالها مرتين: إنني اتخذك شاهدة فتقولي لهم ليعلنوا. أي شيء؟؟
قال مسألتين شرعيتين للسيدين آشتياني وأنصاري. والمسألتان واحدة متعلقة بالوضوء قبل الوقت والأخرى متعلقة بالبلدان الكبيرة.
كنت قد سألت الإمام قبل أن يذهب إلى المستشفى، "ما هو نظركم في مسألة الوضوء قبل الوقت"؟ فقال: أنا أرى بأنه يمكن الصلاة بالوضوء قبل الوقت بأية نية كان الوضوء، فقلت: تعلمون أن بعض السادة رأيهم غير هذا فهم لا يجيزون أن تصلى صلاة أخرى بالوضوء الذي تم لصلاة أو لعمل. فقال الإمام: سواء قيده بالصلاة أو كان قبل الوقت أو توضأ لأمر آخر فأنا أعتبره جائزاً. وقد طرح في المستشفى أيضاً مسألة الوضوء قبل الوقت وقال: أخبروا بهذا ليعلنوه. والمسألة الثانية كانت مرتبطة بالبلاد الكبيرة. بالطبع كان من الصعب جداً فهم كلام الإمام لأن صوته كان ضعيفاً جداً وكان أيضاً يتحدث من خلال كمامة الأوكسجين.. الكلمات الأولى التي كان يستعملها كانت هذه "إذا كانت المدينة كبيرة بهذا المقدار بحيث تطلع الشمس من طرفها ويغيب القمر من طرفها" وضعف صوته بحيث لم نكن نستطيع أن نسمع شيئاً مع أنه كان يكرر ذلك للسيد آشيتاني لكن القسم الأخير لم يكن مفهوماً، فقال السيد آشيتاني فقط: حسناً حسناً. بعد ذلك قال: ليس لدي عملٌ آخر معكم.. فذهب السيد آشيتاني.
في هذا الوقت قال: قولي لأهل البيت كي يأتوا. وكنت لأول مرة أسمع منه لفظ أهل البيت في خصوص عائلته. وذهبت وناديت الوالدة والأخوات والبنات وجئن جميعاً وتحلقن حول سريره ولكن لم يقل لهن شيئاً خاصاً.. التفت إليّ فقط وقال: من أراد أن يبقى فليبق ومن أراد الذهاب فليذهب.. أريد أن أنام فأطفئوا النور.
* سؤال: هل خرجتن من المستشفى؟
- بالطبع كنا دائماً نذهب ونعود، كنا نذهب ساعة إلى منزل الوالدة ونأتي مرة أخرى إلى المستشفى. وفي تلك الأثناء كنت في منزل الوالدة حيث شاهدت أختي السيدة فريدة مع واحدة من البنات قد جاءت من المستشفى وقالت بضيق شديد: يريدون إجراء عملية أخرى للإمام. بحسب الظاهر كانوا يريدون إدخاله إلى غرفة العمليات ليضعوا آلة للقلب، بعث هذا الكلام الصراخ والضجيج وقلقت الوالدة كثيراً حيث أنها لم تكن على علم بحالة الإمام وبأن حالته كانت وخيمة، فوضعت مباشرة عباءتها وأسرعت باتجاه المستشفى، لأن حالة الوالدة كانت تقتضي أن أذهب خلفها دخلت معها إلى المستشفى، وفي صالون المستشفى كان السادة يجلسون من أقصاه لأقصاه وكان الأطباء موجودين ومع أن السيدة لم تكن من اللواتي يتكلمن مع الرجال قالت وهي منزعجة.. اتركوه.. ارفعوا أيديكم عن رأسه، لماذا تؤذون هذا الرجل الكبير بهذا المقدار؟. ماذا تريدون منه. دعوه لشأنه والله إذا كانت لديه روح فأجروا العملية، والله لو يستطيع لتحمل. فأدى هذا لأن يتقدم الجميع قلقين حيث إنهم إلى الآن لم يروا السيدة بهذه الحالة، فتقدم الدكتور عارفي وقال: سيدتي الإمام حاله جيدة، لا يريد أحدٌ أن يجري له عملية، الكلام ليس عملية. تفضلي.. تفضلي الآن واذهبي إليه فحالته جيدة.. وأرشد السيدة إلى الإمام وبعدها قال لي: تفضلي أريد أن أكلمك، قال بما أن السيدة غير مطلعة على حالة الإمام وتعتقد أيضاً بأننا نريد أن نجري له عملية أخرى لهذا السبب قد تضايقت بهذا المقدار إذا تجدين في المصلحة أن أخبرها اليوم بوضع الإمام فأنا جاهز عسى أن يساهم هذا في الحد من اضطرابها.
قلت: بالنهاية يجب أن تعلم... أجل... والحق كان هذا بأن تعلم باكراً، لذلك عندما خرجت السيدة من غرفة الإمام: أخذها الدكتور عارفي جانباً وأجلسها على كرسي وأوضح لها الموضوع.
عندما شرح الدكتور للسيدة ما هو مرض الإمام.. ظهر عليها سكون عميق وكأن كل شيء قد انتهى بالنسبة لها. فقامت من مكانها بهدوء وغادرت صالون المستشفى إلى الخارج وبعد ذلك غادرت المستشفى.
* سؤال: هل أدخلوا الإمام إلى غرفة العمليات حسب هذا البرنامج الذي ذكرته؟
- نعم.. أدخلوه إلى غرفة العمليات، وقاموا بأمور، وكانوا يقومون بما من شأنه التخفيف عن الإمام، بعد ذلك أسرع الدكتور طباطبائي آتياً: الحمد لله لقد أنجز الأمر بنجاح وتوفيق.
ونحن أيضاً سررنا كثيراً فبالنهاية لقد تم الأمر بنجاح.. وأعادوا الإمام إلى غرفته والظاهر أنه لم يكن قد عاد إلى وعيه.
مرة أخرى ساءت حالته فبدأ الأطباء الموجودون بإجراء اللازم. كانت حالته سيئة جداً، كان بعض أطباء الإمام يعملون والآخرون كل واحد في زاوية يبكي.. وقد وضع أحدهم وجهه اتجاه الجدار وبدأ بالبكاء، وحمل الدكتور أنصاري القرآن وبدأ بتلاوته، الدكتور بور مقدس كان جالساً في زاوية على الأرض وأنا كنت واقفة في الطرف الأيسر للإمام مقابل تلك - الشاشة (التي تبين إشارات الحياة) وكنت أحدق بنظرة إلى وجه الإمام ونظرة إلى الشاشة، ورأيت في وقت أن إشارات الشاشة بدأت تخف شيئاً فشيئاً. وكان نظري يدور بين وجه الإمام والشاشة فتح الإمام عينيه بتحديقة عجيبة ناحية السقف فشرع الجميع بالبكاء ولطم الرؤوس عندها بدأ كل المسؤولين الذين تجمعوا في الباحة يدخلون الغرفة تدريجياً حتى ازدحمت بهم. وكان البكاء والنحيب يعلو من الجميع، وإذا بابني يردد بصوت عالٍ الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله، فقلت بضيق: الإمام يسمع فلا تتكلم.. والله إن الإمام يسمعك. في هذه الأثناء بدأت علامات التحسن تظهر على وجه الإمام، وكنت أتلو بشكل متوالي (أمن يجيب) لم أشعر بشيء وأنا فوق رأس الإمام فقط كنت أردد (أمن يجيب) وكانت حاله قد تحسنت نوعاً ما بعد أن أعادوا وصل الجهاز. عندها خرج السادة جميعاً من الغرفة لكنني بقيت هناك، فجاء الدكتور عارفي وقال: (اذهبي إلى الخارج) فقلت لماذا تقولون لي.. أنا موجودة بقرب الإمام.. أخرجوا هؤلاء السادة وكانت الغرفة ممتلئة..
بعد فترة أدخلوا الإمام إلى غرفة العمليات وأجروا عملاً لعله في رقبته أو في أعلى صدره حيث كنا نرى ذلك في التلفزيون، وعندما أرجعوه قالوا: حالته جيدة جداً، ولكن اليأس كان بادياً على وجوههم. ذهبت إلى الدكتور بور مقدس وقلت: سيدي الدكتور قولوا لي الحقيقة. لدي القدرة على الاستماع، فقال: لم يبق له إلا أربع ساعات أخرى.. أو خمس ساعات كحد أقصى. لم أكن أتوقع هذا الكلام.. وطاقتي لم تكن تسمح لي بذلك.. كنت أتوقع سماع أي شيء ولكن لم أعلم.. لم أكن مهيأة ليقولوا لي: حتى أربع ساعات أخرى فسرت ذهاباً وإياباً وجلست على زاوية الدرج لم يكن باستطاعتي القيام بأي عمل.. وكانوا قد قالوا لا تخبري العائلة فلا طاقة لديهم.. فمن الممكن أن يؤثر هذا بهم.. لم تكن البنات والبقية يعلمون.. فجلست بجانب الباحة بانتظار الذي سيحدث وكانوا قد فرشوا في الباحة سجادة.. وكان السادة جالسين ويتباحثون في ما يجب القيام كان نعقد جلس عامة لإخبار العلماء في كل المحافظات.. وبالنهاية كان الجميع يعلمون بأن الأمر قد انتهى. وكنت أخرج لعدة دقائق ثم أعود ثانية إلى الداخل إلى أن جاء الخبر فعاد السادة مرة أخرى إلى الغرفة وكانت حالة الإمام تدهورت مرة أخرى، فانكب الأطباء من جديد يقومون بما أمكنهم ولكن كان هذا دون فائدة. وكان نظري مركزاً على الشاشة فكنت أرى رقمها ينزل بهذا الشكل 27 - 17 - 12 وعندما وصل إلى الثاني عشر، مباشرة صفت الشاشة.. فنظرت إلى وجه الإمام ورأيته هادئا وساكناً.. فتحوا الأشرطة التي كانت فوق بدنه ورموا الباقي بعيداً عنه.. وكانت المسألة قد انتهت.. وكنت أيضاً أقف جانباً وأشاهد فقط.. لم أقدم على أي عمل، ولم أفكر حتى بذلك.
عندها اقتربت منه بانتظار مجيء النسوة، فأخبروا أختي السيدة صديقة فجاءت مهرولة باكية وتعلقت بأطراف السرير فأخرجوها من هناك.. لم يكن إلا نواح وبكاء.. وكان النواح عالياً وكنت أقف في زاوية وأنظر إلى جسد الإمام حتى أخرجونا.. عندما خرجنا من الغرفة ناداني الشيخ هاشمي وقال: تعالي.. بالطبع لم أكن مهيأة للتكلم فقلت بالله عليك الآن ليس وقت كلام، فقال: لا.. الكلام الذي أريد قوله مرتبط بالوقت الحالي، وأضاف أنا أراك أقوى من الباقين ولدينا أعداء كثيرون ورأيي أن لا نعلن المسألة. نجمع غداً كل أئمة الجمعة وممثلي الإمام ونطلب منهم المجيء إلى طهران ونعقد جلسة ونخبرهم بكل المسائل ويعودون إلى مناطقهم وبعد ذلك بيوم أي بعد غدٍ نعلن الأمر حيث أن لو حدثت انتفاضةً بوقت ما في المدن وإذا أراد العدو أن يعمل شيئاً يكون الجميع متحدين يدركون ما هو برنامجهم وما هي ردة فعلهم وأنا أرجو منك أن لا تدعي أحداً يبكي. بعد ذلك التفت إلى السادة وقال: أعداؤنا كثيرون، لذلك أرجو منكم أن لا يرفع أحد صوته ولا يفهم أحداً. وبالواقع هدأ جميع السادة وسكتوا.. وأحنوا رؤوسهم واحداً واحداً.
بعد ذلك رجعت ثانية إلى الدكتور عارفي وقلت: سيدي الطبيب أريد الذهاب إلى أبي. وذهبت ففتح الباب ودخلت إلى الغرفة كان راقداً بهدوء ذهبت فوق رأسه حدثته مقداراً من الكلام فلم يكلمني أو يجبني بشيء.. في ذلك الوقت جاء الدكتور طباطبائي (صهري) وأقامني (وإلى الآن لا زلت أشعر بضيق لأنهم لم يتركوني بجانبه أكثر) فقلت: حالتي ليست سيئة.. لست أشعر بشيء.. أحب البقاء هنا. فقالوا: لست واعية لكل شيء ولم يدعوني أبقى.. فأخرجوني من الغرفة، بالطبع رجعت مرة أخرى ولكني لم أشاهد وجهه المنشرح. فأتيت منزل الوالدة.
فكروا.. حقيقة يذكر الإنسان الأئمة عليهم السلام كيف كانوا يقولون لا ترفعوا أصواتكم بالطبع هناك العدو يقول لا ترفعوا أصواتكم وهنا الصديق كان يقول... وكنا قد ذهبنا إلى الطبقة السفلى لمنزل الوالدة وكانت قد جاءت زوجة الشيخ رفسنجاني وزوجة الشيخ توسلي... وكانتا تقولان إن أحداً لم يعرف وجاءت الوالدة أيضاً أول الليل وكانت قد شاهدت حال الإمام وبنظرها لم يكن سيئاً.. كانت قد ذهبت لكي تنام، وكنت أصر عليها كثيراً كي تنام لشدة ما كان يبدو عليها من تعب.. فنزلنا إلى الطبقة السفلى وأسدلنا البرادي وبهدوء لأننا كنا نبكي، بالنهاية كان القرار بأن لا يعلو صوتنا إلى الخارج. إلى الساعة الثانية أو الثالثة بعد منتصف الليل بعد ذلك خرجت وجلت في الباحة الصغيرة حيث كانوا قد جلبوا الإمام من أجل الغسل ولكن بسبب وجود غير المحرم لم أستطع التقدم.. وكانوا منشغلين أيضاً فكنت أذهب أحياناً وأحياناً أعود حتى الصباح ولكن في الصباح أخذت أفكر كيف يمكن للناس أن يتحملوا هذا الخبر مع هذه المحبة والعشق فأخذت الراديو بيدي واستمعت إلى أخبار الساعة السابعة وصوت مذيعها وكان كل شيء قد تم وانتهى.