تحقيق: نقاء شيت
«أقساط المدرسة، الزيّ المدرسيّ، الكتب، القرطاسيّة، وسيلة النقل... مفردات تلازم الأحاديث اليوميّة عندما يُقبل أيلول، الشهر الذي يُنسب دائماً إلى بداية العام الدراسيّ بما يحمله من أعباء وضغوطات على الأهل بسبب تكاليف الأقساط المدرسيّة واللوازم المطلوبة كافّة. فما هو الواقع الذي ينتظر الأهل هذه السنة؟ وهل سيستطيعون تحمّل نفقات تعليم أبنائهم؟
* أقساط خياليّة
دعونا نستعرض سويّاً متوسّط الأقساط المدرسيّة لهذا العام الدراسيّ، والتي تبدأ من صفوف الروضات بمبلغ يقارب الألف دولار، مضافاً إلى بدلات رسوم التسجيل، والتأمين الصحّيّ، يتبعها مستلزمات الكتب والقرطاسيّة واللباس المدرسيّ والتي تتخطّى كلّها الخمسمئة دولار، زد على ذلك رسوم النقل التي تتراوح بين مئتين وسبعين إلى ثلاثمئة وستّين دولاراً سنويّاً.
وكلّما ترفّع التلميذ صفّاً، ازداد القسط المدرسيّ وتكاليف الكتب والقرطاسيّة حتّى يصل في المرحلة المتوسّطة إلى نحو ألف وخمسمئة دولار سنويّاً، يضاف إليها رسوم التسجيل والتأمين الصحيّ والكتب والقرطاسيّة واللباس المدرسيّ وكلفة النقل وغيرها.
مضافاً إلى ذلك، يلجأ بعض الأهل إلى اعتماد الدروس الخصوصيّة لأولادهم، وهو ما يكلّفهم نحو مئة دولار شهريّاً على الولد الواحد، أي تسعمئة دولار في السنة الدراسيّة.
أمّا إذا أردنا احتساب تكاليف التعليم السنويّة المتوجّبة على عاتق الأهل، فإنّ إجمالها يصل إلى ألفين وخمسمئة وسبعين دولاراً كحدّ أدنى، أي ما يعادل مئتين وستّة وثمانين دولاراً شهريّاً لمرحلة الروضات، وثلاثة آلاف ومئتين وعشرين دولاراً سنويّاً، بمعدّل ثلاثمئة وثمانية وخمسين دولاراً شهريّاً للمرحلة المتوسّطة.
* نموذج حيّ
ننتقل الآن لنقدّم نموذجاً واقعيّاً عن أب وأمّ يعملان بمتوسّط راتب شهريّ يصل إلى نحو ألف دولار في أحسن حالاته، وعليهما أن يدفعا الأقساط المدرسيّة لولدين تبلغ قيمتها نحو ستمئة وأربعة وأربعين دولاراً شهريّاً، وإيجاراً شهريّاً لمنزل مؤلّف من ثلاث غرف يقدّر بثلاثمئة دولار، ناهيك عن نفقات الحياة الأساسيّة كفواتير الكهرباء والماء والإنترنت التي يصل مجموعها إلى نحو مئتي دولار. وإذا ما أردنا أن نحتسب مجموع هذه النفقات شهريّاً، فإنّها تبلغ ألفاً ومئة وأربعة وأربعين دولاراً شهريّاً، أي ما يفوق متوسّط راتبهما، هذا ولم نحتسب بعد تكاليف المأكل والمشرب والملبس والطبابة. فما الذي يجب أن يتخلّى عنه الأهل في لبنان حتّى يتمكّنوا من تعليم أبنائهم؟!
* لِمَ هذا الغلاء غير المبرّر؟
بعد هذا الاستعراض، يتبادر إلى الأذهان سؤال عن سبب هذا الغلاء غير المبرّر. قد يعتقد بعضنا أنّ أحد أسبابه هو تأمين أجور المعلّمين والمعلّمات، ولكن في الواقع، إنّ متوسّط الأجر المدفوع لهم داخل المدارس لا يتجاوز الثلاثمئة دولار مع عشرة ملايين ليرة لبنانيّة، بشرط أن يكون التدريس بدوام كامل دون حصص فراغ، حتّى لو اضطرّ أحدهم إلى تعليم أكثر من مادة دراسيّة لتخفّف المدرسة عن كاهلها عبء دفع الرواتب وازدياد عدد طاقمها التعليميّ. وهذا الأجر الذي يتقاضاه هؤلاء يجبرهم على اللجوء إلى التعليم الخصوصيّ، حتّى إنّ معظمهم يراعي أوضاع الأهل الماديّة، فلا يطلبون أجراً مرتفعاً.
إذاً، لا يبدو أنّ أجور الأساتذة هي سبب ارتفاع الأقساط، وهو ما يطرح علامات استفهام حول غياب دور الدولة، التي يتوجّب عليها فرض رقابة على الأقساط المدرسيّة، فضلاً عن سنّ قوانين لتنظيمها، والعمل على رفع مستوى التعليم في المدارس الرسميّة حتّى يتشجّع الأهل على تسجيل أولادهم فيها، لأنّ تكاليفها أقلّ بكثير من المدارس الخاصّة لناحية التسجيل ونفقات اللوازم المدرسيّة المختلفة، وهو ما سيشكّل متنفّساً لمعظم الأهالي الذين يقاسون ظروفاً ماديّة صعبة بسبب ما تمرّ به البلاد. لكن ما هو واقع هذه المدراس أيضاً؟
* المدرسة الرسميّة
إذا أراد الأهل تسجيل أولادهم في مدارس رسمية بمستويات تعليمية متوسطة، فسيواجهون مجموعة من المشاكل: مبانيها قليلة، بعيدة عن معظم المناطق السكنية، وبالتالي على التلميذ قطع مسافة طويلة للوصول إلى مدرسته ما يهدر الوقت ويزيد الجهد.
كما أن ذلك يكبد الأهل دفع بدل نقل شهري لا يقل عن خمسين دولاراً أميركيّاً في أفضل الحالات.
والمشكلة الثانية هي كلفة القرطاسية والكتب التي باتت بأسعار باهظة بالنسبة إلى ذوي الدخل المحدود، فيقف الأهل عاجزين عن شرائها ولا سيما في ظلّ قلّة المعارض الّتي تقام لدعم القرطاسية المدرسيّة. وعليه يبقى سؤالنا، أيّ مستقبل ينتظر التعليم في لبنان إذا بقي واقع الأقساط على ما هو عليه؟ وهل يجب أن نجوع لنعلّم أبناءنا؟