نسرين إدريس قازان
اسم الأم: ديبة شمص
محل الولادة وتاريخها: شَعْث 2/1/1976م.
الوضع العائلي: متأهل وله 5 أولاد
رقم السجل: 58
محل الاستشهاد وتاريخه: القصير 19/5/2013م.
"من تحت مظلّة فاطمة عليها السلام وعباءة عليّ عليه
السلام ونظر الحبيب عجل الله تعالى فرجه الشريف أُهدي سلامي..". رسالة حملها الهاتف
على حين غرّة من رضوان إلى زوجته، وكانت المرة الأولى التي يراسلها أثناء تواجده في
المحاور المتقدّمة.
* تحت وابل الرصاص
وما إن رجع إلى البيت سالماً حتّى سألته عن معنى تلك الرسالة وتوقيتها، فأخبرها أنه
كان يقوم بعملٍ استشهاديٍّ في منطقة "عين التنّور" في مدينة "القصير" قبيل تحريرها،
وهو زرع عبوة ضخمة للتكفيريين... فقد نَقل رضوان بسيارة "بيك أب" عبوة زنتها مئة
كيلو غرام، واخترق صفوف المسلحين تحت وابل كثيف من الرصاص، فيما أمّن له رفاقه غطاءً
ناريّاً، حتّى إذا ما وصل إلى النقطة المحدّدة، تفقّد جسده ليعرف أين أُصيب، معتبراً
أنه لن يشعر بالإصابة وهي ساخنة، لكن تفاجأ بأنّه سالم وأبلغ رفاقه بذلك، ثم بدأ
تنفيذ مهمته.
ركن سيارة البيك أب في مكان مرتفع، لتنزلق العبوة بسهولة معه، وسارع إلى وضعها في
مكانها المناسب، وهم يتمتم آياتٍ قرآنية ليغشي الله عيون الظالمين، فقد مرّ أحد
المسلّحين بالقرب منه وهو يزرع العبوة، ولكن لشدّة الرعب الذي سكن قلب التكفيري لم
يرَه، حينها لم يكن رضوان يحمل سلاحاً.
* يا فاطمة الزهراء...
أبلغ رضوان رفاقه بأنّ العبوة جاهزة، وانسحب ناحيتهم، وكان سببُ إرساله الرسالة إلى
زوجته، وإخبارها لأول مرة تفصيل عمله، نداء أطلقه أحد المجاهدين بصوت جهوريّ وبلكنة
جنوبية أثناء تفجير العبوة قائلاً: "يا فاطمة الزهراء"، فهزّ النداء كيانه، وفاض
قلبه بدفءٍ غريب وودّ لو أنّ هذا الشاب كان قريباً منه ليضمّه إليه.
ذكّرت هذه الحادثة رضواناً بالأيام الخطرة التي قضاها مع الشهيد راني بزي عند أطراف
وادي الحجير في تموز 2006م؛ إذ كان يتنقلُ بحذرٍ فيما الشهيد راني يمشي مطمئناً تحت
عيون طائرات الاستطلاع، وقد باح له بسرّ هذا الاطمئنان حينما سأله رضوان عنه، وضع
يده على قلبه، فهناك أربعة عشر معصوماً يسكنون قلبه ويحمونه.
* "مجنون راني" وتموز
"مجنون راني"، هذا ما لُقّب به رضوان بعد عودته من حرب تموز التي غاب فيها ما يزيد
على 33 يوماً قضى أغلبها صائماً تحت حرارة الشمس وبين الأودية والجبال، فقد تغيّرت
كلّ حياته بعد مرافقته للشهيد راني الذي استشهد في مواجهات الغندوريّة، وتأثّر به
كثيراً. ولكن كان الرجوع من الحرب، بالنسبة إليه، نقطة بداية التحضير لمرحلة جهادٍ
جديدة.
منذ صغره عاش رضوان حياة الحرب، فمنزلهم في حيّ الجامعة (حي السلّم) كان بمحاذاة ما
سُمّي بخطوط التماس في الحرب الأهلية. عايش اجتياح العدوّ الإسرائيليّ صغيراً، وسمع
بطولات قلّة من الذين تصدّوا للجحافل الإسرائيلية عام 1982م فحفظ قلبه تلك المواقف،
واختزنت ذاكرته الكثير من المشاهد، منها المؤلم ومنها ما يرفع به الرأس عالياً.
* تعاون هدفه الأجر المشترك
كان لـ"رضوان" ثلاثة عشر أخاً وأختاً، وكان والده مؤذّن المسجد، فعلّم أولاده ما
ارتشفه من العلم، أمّا رضوان فكان يجلس صغيراً بين يديه يستمع لتلاوة القرآن الكريم،
فإذا ما كبر قليلاً، صار يقرأ معه ويصحّح لوالده بعض الكلمات. وقد تميّز بحسّه
المرهف تجاه والديْه منذ صغره.
ما إن بلغ عمر الشباب، حتى بدأ رضوان العمل مع إخوته في محلّ لتصليح الدواليب إلى
جانب التحاقه بصفوف المقاومة، وكان رجلاً ملتزماً محبّاً لأهل البيت عليهم السلام،
فهو رغم تعبه في العمل وانشغالاته، يقسّم وقته في العشر الأوائل لشهر محرم بينه
وبينه زوجته، فيتولّى شؤون البيت ورعاية الأولاد عنها لتشارك في إحياء المجالس،
مقابل نيل أجر مشترك في الحضور والبكاء، وكيف لا يفعل ذلك وهو الذي اشتهر عنه أنه
ملأ أوراقه الشخصيّة بعبارة: "حبيبي حسين" أو "الحبّ حسين"، وقد اهتم كثيراً بجمع
الروايات عن الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ليؤنس عائلته وأهله وزوّاره
بما قرأه من روايات عنه، وكان مؤمناً بأن الناس يلتقون بحضرته عجل الله تعالى فرجه
الشريف من دون أن يعرفوه. لذا عمد إلى دعوته دوماً إلى سفرة طعامهم وخصوصاً أيام
الصيام.
* إحياء الليل برنامجٌ يوميّ
لطالما كان بعضُ رفاقه في العمل ينتقدون نومه في النهار، فقد حرص كثيراً على أن لا
ينتبه أحد إلى أنه يحيي الليل إلّا قليلاً، فالبرنامج العباديّ الذي وضعه لنفسه
والتزم به لسنوات طويلة، أوصى به أولاده، وخصوصاً قراءة القرآن وصلاة الليل.
جمعت المحبة عائلة رضوان، فترى الإخوة يخاف بعضهم على بعض ويتفقّدون بعضهم بعضاً،
وقد تشاطروا أيّام العمر، كما تشاطروا أيام محاور الجهاد، وكان لذلك نكهة خاصّة في
حياتهم؛ إذ كان الأخ يتفقّد أخاه ويسأل عن حاله حتّى في المحاور.
"الدعاء بالشهادة" هذا ما كان يطلبه رضوان دوماً من والدته، وكانت ووالده يعرفان أنّ
هذا هو طريق الوصول إلى الله، فكانت دعواتهما ترافق أولادهما دوماً وقد حضّرا
نفسيهما لخبر استشهاد أحدهم بين يوم وآخر.
* نخوة مميّزة
كان رضوان صاحب نخوة مميّزة. وتلك العاطفة المرهفة التي ميّزته صغيراً، ميّزته
كبيراً، فكان يحمل همّ كلّ مَن حوله، ويظهر عليه ذلك، فإن سُئلَ عنه يكون إما بسبب
مرض ابن رفيقه، أو يكون صديق له يعاني من مشكلة، وفي كل الأحوال يسعى جهده ليخفّف
قدر المستطاع.
عندما شنّت الجماعات التكفيريّة حربها الضروس، في سوريا، وبدأت حرابها تجرح خاصرة
البقاع، استبشر رضوان خيراً، ولاحت بين ألْسنة الدخان ابتسامة الشهيد راني، الذي
مضى على استشهاده سبع سنوات كانت عجافاً، والشوق يشدّه إلى الصوت الذي كان يناديه
بين هدير الطائرات وهما يزرعان العبوات: "احتمِ تحت الشجر يا حيدر".. وقد زاد من
حزنه رحيل رفاقه الشهداء في التصدّي للحرب التكفيرية، ولكنّه استبشر برؤيا زاره
خلالها شهيدان، اصطحباه معهما في السيارة؛ بعدها صار يطلب من رفاقه أن يوصّوه
مودّعاً؛ لأنّه سيلتحق بركب الشهداء قريباً.
* صالحٌ بعد صالح
كان يوم أحد من شهر أيار، والربيع الذي يفكّ بردته عن الدنيا زيَّنته أزرار الدم
الأحمر، فالمجاهدون كانوا يرتفعون إلى بارئهم صالحاً بعد صالح، وصادقاً إثر صادق،
ورضوان في قلب المعركة يتنقل من مكان إلى آخر، مستذكراً أيام تموز؛ إذ إن الأيام
أيضاً كانت أيام رجب الأصبّ..
كان صديقه يستريح قليلاً قبل معاودة القتال، حينما قفز أمامه رضوان صارخاً: "الله..
الله.." وجلس مبتسماً، فلم يدرِ صديقه لمَ فعل ذلك، إلّا حينما سقط مباشرة أمامه
وقد فداهُ بنفسه من رصاصة قنصٍ غادرة.
تباهى "مجنون راني" بجنونه، وعلّم الناس معنى العشق والارتباط الحقيقيّ.. هو ابن
عائلة، حينما بُلّغت بنبأ استشهاده، استقبلت ابنها الثاني "علي" الذي استشهد في
اليوم ذاته في محور آخر.. فأيُّ كرامة؛ وأيّ عطاء يُبذل فداءً للسيدة زينب عليها
السلام.