ذكر والدي المرحوم السيد رضا قائلاً: *
توفي والدي وأنا صبي، وكانت لي أخت كبيرة تزوجت وسكنت مع زوجها في أحد المصايف في أطراف مدينة مشهد يسمى (مايون بالا)، وعندما بلغ عمري ستة عشر عاماً أردت أن أذهب إليها مع والدتي وأختي الأصغر مني هرباً من حرارة صيف تلك السنة، فاستأجرنا ثلاثة من الحمير لتحملنا إلى هناك مع أمتعتنا. وكان صاحبها شاباً غير مؤدب. قبل أن نصل إلى نهر مايون بنحو ثلاثة كيلومترات أخذ صاحب الحمير يتشاغل بالحديث مع أحد الأشخاص، ثم صاح بنا أن لا تتجهوا إلى (مايون بالا) واذهبوا إلى (مايون بائين) أي إلى المدينة الأقرب. لم نعن بقوله لأنا كنا قد اتفقنا معه منذ البداية على ذلك المكان الأبعد!
عندما وصلنا إلى أول النهر حيث بقيت ثلاثة كيلومترات أخرى للوصول إلى القرية المطلوبة جاء إلينا مسرعاً فأوقف الحمير وأنزلنا عند الأشجار الكثيفة، وربطها جانباً - في حين كان الظلام يزداد بسرعة - ثم قال لنا: أعطوني بقية الأجر هنا، واذهبوا سيراً على الأقدام.
حاولت والدتي أن تقنعه بإيصالنا إلى القرية على أن تعطيه كل ما يريد من زيادة، إلا أنه لم يوافق، ويبدو أنه كان ينتظر ازدياد الظلام ليعتدي.
فهمت والدتي هذا المعنى واضطربت اضطراباً شديداً، وكلما ازداد الظلام عند تلك الأشجار الكثيفة ازداد اضطرابها حتى أخذت تضربنا بشدة وتقول: ألستم سادة؟ لم لا تستغيثون بجدكم؟
أخذنا نبكي وننادي: يا جداه... يا جداه...
وفجأة أقبل سيد طويل القامة من الجهة السفلي للنهر، وكنا نرى هيئته وحتى لون ملابسه رغم شدة الظلام، ولا أزال أتذكر العمامة الخضراء التي كانت على رأسه وقباءه الطويل المخطط.
وما أن وصل إلينا حتى توجه نحو ذلك الشاب بدون أن يسأل عما حدث فقال له: يا عديم النجابة، أتخيف ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟!
هذا مع أنه لم يكن يعرفنا ولم تكن علينا أية علامة تشير إلى أننا سادة!! أما الشاب - والذي عرفنا عنه فيما بعد أنه معروف بأذيته للناس في تلك المنطقة - فقد قام من مكانه ولاذ بالفرار فتبعه السيد المذكور وأمسك به. ثم أمره بجلب الحمير وإيصالنا إلى مقصدنا، فأطاعه صامتاً.
ثم قالت والدتي: أيها السيد، لو تركتنا معه فسيؤذينا!
قال: سأكون معكم حتى تصلوا إلى مأمنكم.
بعد أن وصلنا قالت لي والدتي: أدع السيد إلى المنزل ليستريح. فألتفت فلم أره، وكلما ناديت لم يجب أحد.
وعندها انتبهنا إلى غرابة الأمر، حيث رآنا السيد رغم الظلام الدامس، ونادانا بالسادة دون أن يكون له سابق معرفة بنا، وعلمه بما حدث، وتركه فجأة دون أي أثر، فلم نشك أنه كان صاحب الزمان عليه السلام.
* نقلت هذه القصة من كتاب "لقاءات مع صاحب الزمان" للسيد حسن الأبطحي.