مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

الشهيدُ القائد غالب محمد عوالي "أبو مصطفى"

نسرين إدريس

 



اسم الأم : مريم رضا
محل وتاريخ الولادة:تولين 5/3/1963
الوضع العائلي: متأهل وله خمسة أولاد
مكان وتاريخ الاستشهاد: معوض، الشياح 19/7/2004

رحل غالب..طوى آخر صفحة من تاريخ جهاده وانتصر..رسم على شفتيه ابتسامة الرضى واضعاً يده اليمنى بهدوء على صدره، مرسلاً تحيةً أخيرة لعائلته التي سمعت صوت الانفجار، وأغمض عينيه تاركاً لهم لملمة جراحاته النازفة..ورحل.. هو رجل من نوع آخر، فريد بكل ما حملته شخصيته من صفات أخلاقية أصيلة، بنى أعمدتها المتينة منذ نعومة أظافره على أساس الدين والتقوى..

رجل اختصر تاريخ وطن، وإنسان مشى في طريق الحق بخطى ثابتة بدأت من قريته تولين الجنوبية حيث ولد وترعرع. صبي لم يبلغ الحلم بعد فرد حياته للآخرين، فالإيثار لازم قلبه حتى النبض الأخير، لذا كان والداه دائماً يبادران إلى إعطائه مصروفه ويحسبان حسابه في كل شيء، لأنه لم يطلب منهما شيئاً ولو لمرة واحدة، غير أن مصروفه اليومي والحلوى التي كانت زاداً للمدرسة كان يعطيها لصبي يتيم رفيقه، ولم يحتفظ بها يوماً لنفسه إلا للضرورة القصوى، وقد شكّل حالة ملفتة بتدينه الذي فتح له نافذة الانخراط في صفوف المقاومة. بين دراسته ومساعدة والديه في الزراعة قلّب أيامه فصولاً طرحت جناها في الجنة، وبعد أن أنهى دراسته المتوسطة جاء إلى بيروت وتابع دراسته المهنية، ليعود إلى قريته شاباً ينظر إلى المستقبل بمنظار جديد، بعد تعرفه إلى الإمام موسى الصدر الذي رأى فيه خير معلم وقائد، فتتلمذ على يديه، وذاب فيه عشقاً لله، وصار من حوارييه الذين شربوا من معين تعاليمه المحمدية الأصيلة وأشعل بداخلهم الجذوة الأولى لحب الجهاد.استطاع غالب قراءة الوقائع السياسية وتحليلها بدقة، وعمل على تأهيل نفسه عسكرياً وأمنياً، فجمع في شخصيته أبعاد الرجل المتدين المثقف السياسي العسكري والأمني. بدأت الخلايا الأولى للمقاومة تتشكل تحت ظل عباءة الإمام موسى الصدر في العام 1975، إزاء مد الأخطبوط الصهيوني أذرعه إلى لبنان، وأكد الإمام الصدر لتلامذته أن الجهاد في سبيل الله هو الخيار الوحيد للحرية، الحرية التي فقدت معناها مع تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه. غاب الإمام الصدر ولم يغب عن قلب غالب طرفة عين، فهو دائم التذكر له ولأحاديثه ومواقفه، معتبراً أنه سيد قل نظيره، وأن الفراغ الذي تركه لا يملؤه أحد؛ ولكن ما خفف من حدة ألم الفراق، هي الراية الخمينية المنتصرة في إيران، والتي كان يتابع أخبارها لحظة بلحظة، تاركاً قلبه يستكين تحت يد الإمام الخميني العظيم قدس سره، وقد شكل انتصار الثورة الإسلامية مفصلاً مهماً في حياة غالب المختزلة بين فوهة البندقية والزناد.

مع بداية الثمانينات، بدأ العدو الصهيوني يلوّح باجتياح كبير للبنان بهدف القضاء على خلايا المقاومة الفلسطينية، غير أن بعض الردود المتفرقة من قنابل ومواجهات أشارت إلى صعوبة هذا الاجتياح، الذي لم تثنِ مخاطره العدو الإسرائيلي عن القيام به، ليتلقى عام 1982 الصفعة الأولى من ثلة من رجال مقاومين أبوا الاستسلام وقاتلوا حتى آخر طلقة رصاص، معلنين النصر الأول لهم عند البوابة الجنوبية للعاصمة بيروت. بتاريخ 15/2/1983، وأثناء قيامه ومجموعة من المجاهدين بزرع عبوة في منطقة صور، اعتقل الحاج غالب من قبل القوات الإسرائيلية، وزج به في معتقل انصار، حيث تعرف إلى "توأم روحه" الشهيد الطيار زهير شحادة وقام بمساعدته في صنع طائرة من مواد بدائية أذهلت العدو بعبقريتها. وفي المعتقل بدأ غالب بزرع عبواتٍ من نوعٍ آخر، وصار "المخرّب الأصغر سناً في المعسكر" داعية لعقيدته وفكره مستقطباً العديد من المعتقلين بتدينه وأخلاقه أولاً، وحنكته السياسية والعسكرية ثانياً، فاستحوذ على قلوب وعقول واحترام المعتقلين، ولم تثنه العقوبات الأليمة التي كانت تنزل به جرّاء مواقفه من تكرار "عاداته"، حتى أنه أصيب بكسرٍ في عموده الفقري إثر التعذيب الوحشي الذي تعرض له , إصابة لازمه ألمها حتى يوم استشهاده. بعد سنة في معتقل انصار، أطلق سراحه بعد عملية تبادل للأسرى مع الشهيد زهير شحادة، وسعيا سوياً إلى تأسيس خلايا مقاومة عسكرية سرية، فقادا وشاركا في العديد من العمليات العسكرية الناجحة ضد العدو الصهيوني، حتى صارا من أبرز المطلوبين للعدو الصهيوني، وفي محاولة لإلقاء القبض عليهما، قام العدو بتجميع أهالي بلدة حومين بحثاً عنهما، إثر مواجهة مباشرة معهما، وبعد ملاحقتهما، قاما بالاختباء في جبّ كبير للصبّار، بعد نفاد الذخيرة، وقام العدو الإسرائيلي بتحويل الحقول من حولهما إلى رمادٍ ولكنهما أفلتا من الاعتقال. عندما تزوج غالب عوالي زيّن غرفته بقنابل يدوية، وأخبر زوجته أنه لا يملك سوى سلاح وسيارة، وأن حياته رهن للمقاومة، وحثها على أن لا تطلب شيئاً من هذه الدنيا، وان تنظر دوماً إلى الحياة الأبقى. عضّ الحاج غالب على جراحات عديدة، بدءاً من استشهاد رفيقه زهير شحادة، واغتيال الأمين العام السابق لحزب الله سماحة السيد عباس الموسوي قدس سره، والعديد من رفاق الدرب المجاهدين، وهو الصابر المحتسب المؤكد لنفسه والآخرين بكلمة هي نقطة ختام حديثه دوماً " ستفرج إن شاء الله ".

رزق الحاج غالب بخمسة أولاد، رباهم على الأسس الدقيقة للدين الحنيف، وعلى الرغم من غيابه شبه الدائم عن منزله بحكم عمله، فقد كان موجوداً في وصاياه وإرشاداته لهم، وقد رأوا أنفسهم أمام رجل قد ذاب عشقاً لله، فهو الأب والقائد والقدوة والمثال، حتى انه كان يقيم لهم المسابقات الدينية التحفيزية ويكافئهم على أخلاقياتهم، ويحثهم أثناء وجودهم سوياً في السيارة على أن يتسابقوا بزرع أشجارٍ في الجنة بالصلوات على محمد وآله محمد صلى الله عليه وآله، أما رفيقه الدائم أثناء تنقلاته فكان دعاء أبي حمزة الثمالي. اضطرت الظروف الأمنية المحيطة بالشهيد غالب الأخوة في المقاومة الإسلامية الطلب إليه تغيير مكان إقامته، وانصاع وعائلته إلى هذا الطلب بقلب هادئ على الرغم من أن تركه لبيته هو انسلاخ عن ذاته، فذاك البيتُ المتواضع الذي بناه حجراً حجراً، وزرع حديقته بأشجار مثمرة تعودت أغصانها على يديه يشبهه كثيراً، فرائحته الطيبة تعبق بأرجائه، ، وانتقل إلى منزل جديد في محلة معوض. لقد كان من الصعوبة النظر إلى وجه الحاج غالب ومعرفة ما إذا كان سعيداً أو حزيناً أو متضايقاً، فابتسامته الهادئة ظلتْ قناعاً حتى الأيام الأخيرة، قناعاً مزقه فجأة شعور عارمٍ بالسعادة التي لم يفقه أحد سرّها. وقف يوماً أمام زوجته في المنزل وفرك يديه قائلاً لها مبتسماً : الله اعلم متى أقول لكم الوداع! وكانت تلك الليلة التي قضاها مع عائلته، أخبر ابنته التي قدمت امتحان الرابع متوسط انه ينتظر منها درجة، وغفا ولده ذو السنتين ونصف بين ذراعيه بعد أن وعده بأن يعطيه صباحاً ألف ليرة، ونام مطمئناً.

وأشرقت شمس التاسع عشر من تموز، بعد حوالي الشهرين والنصف من الانتقال إلى المنزل الجديد، شاهد الحاج غالب الأخبار الصباحية كعادته قبل أن يتوجه إلى عمله، ودّع زوجته،وقبّل ولده الصغير واضعاً له تحت وسادته ألف ليرة، وتوجه إلى عمله. لحظات قليلة، ودوى انفجار في موقف المبنى استهدف الحاج غالب الذي كان يقوم بتدابير أمنية لسيارته قبل الصعود إليها، ليحصد النصر الثاني له في حياته، وقد حملّت قيادة المقاومة الإسلامية العدو الصهيوني وعملاءه المسؤولية عن التخطيط والتنفيذ، وقد أكّد سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله أن المقاومة : "تقدم غالب شهيداً للبنان، وشهيداً لفلسطين، لأنه من الفريق الذي نذر حياته وعمره في السنوات الأخيرة لمساندة إخوانه في فلسطين المحتلة" مطالباً بوقفة رسمية وشعبية مسؤولة، مؤكداً أن حماية المقاومة تبدأ بقطع أيدي العملاء في لبنان، وان يعلق القتلة على أعواد المشانق. "نحن الغالب المنتصر، بنصرك في المقاومة وبشهادتك صبيحة هذا اليوم، نحن نحملك رسالة التأكيد والبيعة لأنبياء الله ورسله وأئمتنا الأطهار ومراجعنا الكبار وقادتنا العظام وشهدائنا الأطهار، قل لهم يا غالب لقد خلفت ورائي رجالاً ونساءً وأبطالاً عاهدوا الله، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ولن يبدلوا تبديلاً إن شاء الله".(سماحة السيد حسن نصر الله)

لقد اغتيل الحاج غالب عوالي أمام منزله، وبدلاً من أن يوقظ أطفاله بلمسة على رؤوسهم وقبلات على جباههم، أيقظتهم أيدي الغدر على صوت دويٍّ غيّب والدهم البطل. من وصيته : "إن الشهادة في سبيل الإسلام تبعث روح الشجاعة والبطولة والتضحية في النفوس، فحين يرى الإنسان إخوانه وأبناءه قد ضحوا بأنفسهم في سبيل الإسلام، وربما كان البعض أكثر طموحاً وأنضر شباباً، يقتنع وجدانياً بأن الإسلام أغلى من كل شيء ويندفع إلى بذل حياته من أجل الحفاظ على حياة هذا المبدأ وقيمه".

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع