ظافر قطيع
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أحبّ لقاء الله أحبّ الله لقاءه ومن كره لقاء الله كره الله لقاءه"1.
حديث شريف رُوي في حقّ عبادة بن الصامت أحد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وكان لعبادة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحبة، ومن بعده على نهجه استقامة ووفاء.
*من هو عبادة؟
هو عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم. أنصاري، خزرجي، أمه قرّة العين بنت عبادة بن فضالة. كان في الجاهلية من "القواقل". و"القواقل" هم من المكانة في قومهم إذا نزل بهم ضيف قالوا له: قوقل حيث شئت (يريدون اذهب حيث شئت وقل ما شئت فإن لك الأمان لأنك في ذمّتي)2.
كان عبادة من الاثني عشر نقيباً الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلاً في السنة الثانية عشرة بعد البعثة، في بيعة العقبة الأولى، والتي عرفت ببيعة النساء. وقد قال الله فيهم: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا﴾ (الفتح: 18). وقد بايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيعة العقبة الثانية مع ثلاثة وسبعين رجلاً وامرأتين. وعن هذه البيعة يقول عبادة: "بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بيعة الحرب3، على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومَنْشطنا ومَكْرهنا ولا ننازع في الأمر أهله وأن نقول بالحق حيث كنا ولا نخاف في الله لومة لائم"4. وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة آخى بينه وبين أبي مرثد الغنوي.
*جامع للقرآن الكريم
شهد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المشاهد كلها، فشهد بدراً وأُحُداً والخندق. واستعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بعض الصّدقات فقال له: اتّقِ الله لا تأتِ يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة لها ثُؤاج (صوف الغنم)...، قال: فوالذي بعثك بالحق لا أعمل على اثنين أبداً5.
كان عبادة بن الصامت من الذين جمعوا القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقد قال محمد بن كعب القرظي: جمع القرآن في زمن النبي خمسة من الأنصار: معاذ بن جبل وعبادة بن الصامت وأُبَي بن كعب وأبو أيوب وأبو الدرداء6.
وكان يعلّم أهل الصّفة 7 القرآن. ولما فتح المسلمون الشام أرسله عمر بن الخطاب وأرسل معه معاذ بن جبل وأبا الدرداء ليعلّموا الناس القرآن بالشام ويفقهوهم في الدين فأقام عبادة بحمص وأبو الدرداء بدمشق ومضى معاذ إلى فلسطين ثم صار عبادة بَعْد إلى فلسطين. وكان معاوية خالفه في شيء أنكره عبادة، فأغلظ له معاوية في القول، فردّ عبادة: لا أساكنك بأرض واحدة أبداً، ورحل إلى المدينة فقال عمر: ما أقدمك؟ فأخبره، فقال: ارجع إلى مكانك فقبّح الله أرضاً لست فيها أنت ولا أمثالك وكتب إلى معاوية لا أمرة لك عليه 8.
*من رواة الحديث
بقي عبادة بن الصامت في الشام يعلّم الناس القرآن، ويحدّثهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وقد روى عنه عدد من أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله وسلم منهم أنس بن مالك وجابر بن عبد الله وفضالة بن عبيد والمقدام بن عمرو بن معد يكرب وأبو أمامة الباهلي ورفاعة بن رافع وأوس بن عبد الله الثقفي وشرحبيل بن حسنة. وكذلك روى الحديث عنه جماعة من التابعين. وكان عبادة أول من وَلِيَ القضاء في فلسطين، حسبما قال الأوزاعي، إذ بقي عبادة في الشام بعد عمر بن الخطاب مدة من الزمن في عهد عثمان بن عفان، حيث عاين انحراف الناس عمّا أمر الله به ورسوله. وكان عبادة قد بايع رسول الله على قول الحق حيثما كان فقام في الشام خطيباً فقال: أيها الناس إنكم قد أحدثتم بيوعاً لا أدري ما هي ألا إن الفضّة بالفضة وزناً بوزن تبرها وعينها، والذهب بالذهب وزناً بوزن تبره وعينه ألا ولا بأس ببيع الذهب بالفضة يداً بيد والفضة أكثرها ولا يصلح نسيئة. ألا وإنّ الحنطة بالحنطة مَدْياً بمَدى والشعير بالشعير مدياً بمدى ولا بأس ببيع الحنطة بالشعير والشعير أكثرهما يداً بيد ولا يصلح نسيئه والتمر بالتمر مدياً بمدى والملح بالملح مدياً بمدى فمن زاد أو ازداد فقد أربى9.
*لا طاعة لمن عصى
وإن المتأمل لهذه الخطبة ليدرك حرص عبادة على ما فيه قوام المجتمع ومصلحة ضعفائه الذين وقعوا ضحية تلاعب المرابين. فالذهب والفضة هما النقد الذي به يقوم اقتصاد الناس. والحنطة، والشعير، والتمر، والملح هي أساس القوت.
ولذا اشتدّ تقريع عبادة لأولئك الذين جعلوا السلطة التي تولّوها تسلّطاً على الناس ونهباً لأموالهم لم يستطيعوا أن يتحملوا وجوده بينهم، ولكنه أصرّ على مواجهتهم فكان يردّد قائلاً، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "سيَلي أموركم بعدي رجال يُعرِّفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى ولا تضلّوا بربكم" 10.
*آخر يوم له من الدنيا
عندما حضرته الوفاة، وكما يروي حفيده عبادة بن محمد، قال: أخرجوا إليَّ مواليّ وخدمي وجيراني ومن كان يدخل عليّ. فجمعوا له، فقال: إنّ يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليَّ من الدنيا وأول ليلة من الآخرة وإني لا أدري لعله قد فرط مني إليكم بيدي أو بلساني شيء وهو والذي نفسي بيده القصاص يوم القيامة وأحرج11، إلى أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتص مني من قبل أن تخرج نفسي فقالوا: بل كنت والداً وكنت مؤدّباً. قال وما قال لخادم سوءاً قط فقال: أعفوتم ما كان من ذلك؟ قالوا: نعم، قال: اللهم اشهد12.
توفّي رضوان الله عليه سنة أربع وثلاثين بالرملة بفلسطين، وقيل ببيت المقدس وهو ابن اثنين وسبعين سنة ودفن ببيت المقدس.
1- سنن الترمذي، الترمذي، ص264الحديث رقم 1072.
2- التحفة اللطيفة في تاريخ المدينة الشريفة، الإمام شمس الدين السخاوي، ج2، ص10.
3- تاريخ الطبري، الطبري، ج2، ص96.
4- الفتح الرباني في شرح مسند ابن حنبل، ج22، ص274.
5- كنز العمال، المتقي الهندي، ج6، ص569.
6- م.ن، ج2، ص577.
7- أهل الصفة، كانت تُطلق على المسلمين الضعفاء والذين يعطف عليهم أولو الفضل.
8- الاستيعاب، ابن عبد البر، ص808.
9- أسد الغابة، ابن الأثير، ج3، ص107.
10- التحفة اللطيفة، م.س، ص10.
11- الحرج في الأصل: الضيق، ويقع على الإثم والحرام، وهي هنا بمعنى (الحرام).
12- منتخب كنز العمال، الحديث 181.