الشيخ نعيم قاسم
وردت روايات كثيرة عن الرايات السود التي تخرج من خراسان، والتي تدعم الإمام المهدي عجل الله فرجه وتسير تحت رايته، فهي رايات حق، ويُعبَّر عنها أيضاً براية الخراساني، نسبة إلى أن قائدها من بلاد إيران، وهي من مؤشرات قرب الظهور. فعن أمير المؤمنين علي عليه السلام: "انتظروا الفرج في ثلاث. فقيل: يا أمير المؤمنين وما هنَّ؟ فقال عليه السلام: اختلاف أهل الشام بينهم، والرايات السود من خراسان، والفزعة في شهر رمضان"(1).
حثَّت الروايات على تأييد هذه الراية، والمبايعة لها، لأنَّها تجسِّد نهج الإمام المهدي عجل الله فرجه، فهو فيها قلباً وروحاً ومنهجاً وإيماناً. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأْتوها ولو حبواً على الثلج، فإنَّ فيها خليفة اللَّه المهدي"(2). وهي راية صلبة، لا تخشى أحداً إلاَّ اللَّه جلَّ وعلا، تقاتل أعداء اللَّه المعاندين للإسلام والحق، ويصمد أنصارها بقوة في مواجهة المحن، فهم أشداء في المعركة. قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله: "تجيء الرايات السود من قبل المشرق، كأنَّ قلوبهم زبر الحديد، فمن سمع بهم فليأتهم، فليبايعهم ولو حبواً على الثلج"(3). وهم منصورون من اللَّه تعالى مهما تكالبت عليهم الأعداء، وهم المهيأون لوضع انتصاراتهم في خدمة وقيادة صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه. روي أنَّه أقبل فتية من بني هاشم على النبي صلى الله عليه وآله فرأوا عينيه قد اغرورقتا بالدموع وتغير لونه، فقالوا له: يا رسول اللَّه، ما نزال نرى في وجهك شيئاً نكرهه؟ فقال صلى الله عليه وآله: "إنَّا أهلُ بيتٍ اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإنَّ أهل بيتي سيلقون بعدي بلاءاً وتشريداً وتطريداً، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الحقَّ فلا يُعطَونه، فيقاتلون فيُنصرون، فيُعطون ما سألوا، فلا يقبلون حتى يدفعوه إلى رجلٍ من أهل بيتي، فيملأها قسطاً كما ملأوها جوراً، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبواً على الثلج"(4).
فالواضح إذاً أنَّ هذه الرايات السود توطئ للمهدي عجل الله فرجه سلطانه، بمبايعته والسير تحت لوائه، ووضع إمكاناتها بتصرفه. يظهر من الروايات أنَّ راية الخراساني تظهر قبل وقتٍ من علامات الظهور المباشرة، فتتكوَّن دولة الإسلام في إيران، التي تواجه صعوبات كثيرة، لكنَّها تنجو منها. ثم يكون لها دور فعلي في العراق، حيث يأتي جيش السفياني إلى هذا البلد، ويعيث فيه فساداً، ويقتل ويدمِّر ويحرق، ويُحدث خراباً كبيراً، ما يستدعي دعماً من إيران لشعب العراق، فترسل إيران جيشاً إلى العراق لمحاربة جيش السفياني، فتنتصر إيران وينهزم جيش السفياني. عن الإمام الباقر عليه السلام: "يبعث السفياني جيشاً إلى الكوفة، وعدتهم سبعون ألفاً، فيصيبون من أهل الكوفة قتلاً وصلباً وسبياً. فبينا هم كذلك، إذ أقبلت رايات سود من قبل خراسان، تطوي المنازل طياً حثيثاً، ومعهم نفرٌ من أصحاب القائم"(5). فطي المنازل تعبير عن سرعة النصرة، ووجود النفر من أصحاب المهدي عجل الله فرجه تعبير عن الاتجاه العام لهذا الجيش الإسلامي المناصر للحق والمؤيد للإمام المهدي عجل الله فرجه.
ومن قلب الكوفة، تُبعث البيعة إلى الإمام المهدي عجل الله فرجه، ولعلَّها إشارة إلى أنَّ تحرك إيران باتجاه العراق يسبق الظهور المعلن بقليل، وفي كل الأحوال فالأحداث تكون متسارعة جداً، وتحتسب بالأيام والأسابيع والشهور، وليس بالسنوات أو العقود، نظراً لكثرة التداعيات التي تحصل في المنطقة، وتكون دولة العراق كنقطة مركزية محورية للصراع، تدور فيها أحداثٌ كبيرة وخطيرة، ويعاني أهلها الصعوبات المتتالية مع قرب الظهور. عن الإمام الباقر عليه السلام: "تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان إلى الكوفة، فإذا ظهر المهدي عجل الله فرجه، بُعث إليه بالبيعة"(6). وقد تردد في الروايات الحديث عن شخصيتين أساسيتين في قيادة إيران فترة الظهور، واحدة تمثل القيادة العامة، ومن صفاتها الشخصية وجود علامة فارقة بكفه اليمنى وانتسابه إلى بني هاشم، والثانية بين يدي الأولى، تمثِّل القائد العسكري واسمه المذكور شعيب بن صالح، ونحن نورد الرواية كما وردت من دون الاجتهاد في تطبيقها، فالزمان القادم كفيل بالتطبيق والتصحيح. عن الإمام الباقر عليه السلام: "يخرج شابٌ من بني هاشم بكفه خال، من خراسان برايات سود، بين يديه شعيب بن صالح، يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم"(7). ويكون القتال في العراق كما ورد أعلاه.
إذا خرجت الرايات السود من إيران، فإنَّها تكمل طريقها بعد العراق لتحرير القدس، ففي الرواية: "تخرج من خراسان رايات سود، فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء"(8)، والمقصود بإيلياء: بيت اللَّه أو بيت المقدس. نسأله تعالى تعجيل الفرج والنصر على الصهاينة وأعداء الأمة.
(1) الكوراني، الشيخ علي، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، ج5، ص238.
(2) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج15، ص82.
(3) الأربلي، ابن أبي الفتح، كشف الغمة، ج3، ص273.
(4) العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج51، ص82.
(5) المصدر نفسه، ج52، ص238.
(6) الشيخ الطوسي، الغيبة، ص452.
(7) الشيخ الكوراني، معجم أحاديث الإمام المهدي عجل الله فرجه، ج3، ص270.
(8) الشيخ الكوراني، عصر الظهور، ص227.